حذر خبراء اقتصاديون، أول أمس الخميس بالرباط، من مغبة استغلال إصلاح صندوق المقاصة انتخابيا، مشددين خلال ندوة نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل حول موضوع "صندوق المقاصة بين الحفاظ على المكتسبات وتحديات الإصلاح"، على أن أي إصلاح لابد أن يكون بمعزل عن توصيات صندوق النقد الدولي، ويراعي مصالح جميع فئات المجتمع خاصة الطبقة المتوسطة الفئة المغيبة في مشروع الإصلاح. وأثار عبد السلام الصديقي، عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية المشارك في التحالف الحكومي، تكلفة تدبير الدعم المباشر الذي تروجه حكومة عبد الإله بنكيران، موضحا أن هذا الحل سيكون باهض الثمن، كما أنه سجل فشله في عدة تجارب سابقة، وتحدث الصديقي عن اختلالات المقاصة التي ارتفعت ما بين 2002 و2012 بشكل خطير، مؤكدا أن هذا الملف ظل بمثابة جمرة تحرق كل من اقترب منه، موضحا أنه من الصعب الوصول إلى اتفاق خصوصا أن أي حل لابد أن يراعي مسألة أساسية تتعلق بصون المكتسبات، وحذر الصديقي من النظر إلى مشروع إصلاح المقاصة من زاوية مالية صرفة، مشيرا إلى وجود غموض كبير يلف الموضوع، على مستوى دقة المعلومات والبيانات، خاصة أن راميد لا يمكن أن تكون مقياسا لاحتساب الفقر، خصوصا أن هناك نسبة مهمة من الفقراء لا تستفيد من هذا النظام. ودعا الصديقي إلى البحث عن حلول أخرى لخلق التوازن المالي، من قبيل استهداف الطبقات الغنية من خلال اعتماد إصلاح ضريبي بمعدلات تضريبية "مرتفعة جدا" على السلع الباذخة والسيارات ذات الاستهلاك المرتفع للوقود، وذلك قصد عدم تشجيع أي سلوك يمكن اعتباره مفرطا ويؤثر سلبا في الموارد المالية لصندوق المقاصة، مشيرا إلى أن الرسوم الخاصة بالاستهلاك على المحروقات ستصل لوحدها سنة 2013 إلى 13 مليار درهم، إضافة إلى الضريبة على القيمة المضافة التي ستكون في حدود 7 ملايير درهم، وأحال الصديقي على قرار الزيادة في أسعار المحروقات الذي وصفه بالقرار غير السابق، كونه لم يأخذ بعين الاعتبار التأثيرات السلبية في المدى المتوسط والبعيد، خصوصا في القدرة الشرائية، مشيرا إلى أن أي مساس بالمواد الأساسية سيرفع نسبة التضخم إلى مستويات قياسية، كما انتقد طريقة تعامل الحكومة مع الملف، مشددا على أن بنكيران لم يجب حتى الآن عن ثمن الإستهداف وتكلفته المالية، مضيفا أن طبيعة الإدارة المغربية لا تساعد على القيام بتدابير مواكبة الدعم المباشر، مؤكدا أن الحل الأمثل للخروج من المعضلة الحالية هو اعتماد سياسة جبائية عادلة، مع اعتماد مقاربة شمولية للإصلاح، ومشروع تنموي متكامل، يساهم في الرفع من مستوى الإنتاج. من جانبه، أحال فوزي الشعبي ابن الملياردير ميلود الشعبي، على ما أسماه ممارسات سلبية مرتبطة بالتهرب الضريبي والاحتكار الذي تمارسه بعض الشركات في السوق المغربية، وفضل الشعبي التحدث في العموميات دون إثارة المشاكل الحقيقية، وهو ما فسره البعض بكونه يحمي مصالحه ومصالح شركائه، حيث فضل اعتماد نوع من الشعبوية خصوصا وهو يتحدث عن ضريبة الشاي التي طالب بخفضها أو إلغائها، بدعوى أن الشاي هو مشروب الفقراء، لكنه نسي أن يشير إلى أن استيراد الشاي هو امتياز للبعض، وأن نسبة 46 في المائة تبقى الأكثر تدنيا على مستوى العالم، كما أكد المتدخل ابن أحد أكبر المقاولين في المغرب، أنه من غير المنطقي ألا تتجاوز فيه الضريبة المفروضة على السيارات الفاخرة 35 بالمائة، لكنه نسي أن يقول كم عدد هذه السيارات التي تدخل المغرب والتي لا تتجاوز في المجموع 300 سيارة سنويا، وحمل مراقبون حضروا اللقاء أغنياء المغرب مسؤولية هذا التفاوت، موضحين أن عددا منهم يتهربون من أداء الضرائب. في السياق ذاته، تساءل مصطفى بنعلي القيادي بجبهة القوى الديمقراطية عن التوقيت الذي اختاره بنكيران لطرح ملف المقاصة، مشددا على أن الأمر يتعلق بأجندة خارجية، كما أنه جاء لإرضاء هيئات المال الدولية ودعا بنعلي إلى ترشيد النفقات العمومية موضحا أن أي مساس بصندوق المقاصة يهدد التماسك الاجتماعي، إضافة إلى أن منطق الاستهداف لن يؤدي النتائج المرجوة، مشيرا إلى أن طرح الموضوع اليوم ليس سوى بالون اختبار، أطلقته الحكومة لقياس ردة فعل الفعاليات السياسية والنقابية.