حذر خبراء اقتصاديون من تحول «جرأة» حكومة عبد الإله بنكيران في إصلاح صندوق المقاصة، الذي أصبح يُثقل كاهلَ ميزانية الدولة، إلى «تهور» قد يؤدي إلى نتائج كارثية على السلم الاجتماعي، مطالبين في الآن ذاته بإجراءات ضريبية تستهدف الطبقات الميسورة. وطالب الخبير الاقتصادي عبد السلام صديقي، في ندوة نظمتها المنظمة الديمقراطية للشغل في موضوع «صندوق المقاصة بين الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين وتحديات الإصلاح»، مساء أول أمس في الرباط، باسترجاع مَبالغ الدعم التي تستفيد منها شركات المشروبات الغازية والحلويات، التي تستعمل بكثرة مادة السكر، وبالرفع من الضريبة الخاصة بالسيارات ذات الأحصنة المرتفعة والزيادة في سعر الضريبة على القيمة المضافة على السيارات الفخمة التي تستهلك الكثير من الوقود، من أجل تخفيف عبئ عجز الميزانية.. وربط صديقي بين مسلسل الخصخصة الذي طال إنتاج المواد المدعمة، وأساسا السكر والمحروقات، وتدهور وضعية صندوق المقاصة، على اعتبار أنه «لا يُعقل أنّ المواد التي تدعمها الدولة الآن تخضع لاحتكار الخواص، وهو أمر مُحرَّم في كبريات الدول الرأسمالية، حيث لا يمكن لرأسمال خاص أن يحتكر مادة كالسكر أو المحروقات أو غيرها». واعتبر الخبير الاقتصادي ذاته أنّ «اعتماد أسلوب الاستهداف لن يكون مُجديا في المغرب، على اعتبار أن تكاليف التدبير ستكون مرتفعة للغاية، بالنظر إلى عدد المُستهدَفين، الذين يقارب عددهم ثمانية ملايين نسمة ويقترب من مليوني أسرة، وكذا بالنظر إلى أنّ طبيعة الإدارة المغربية لا تساعد على اتخاذ مثل هذه التدابير دون ظهور بعض الاختلالات التي تحُدّ من فعالياتها، بل وقد تُفرغها من محتواها، كما هو الشأن بالنسبة إلى التلاعبات التي طالت بطاقة راميد». ومن جهته، وجه رجل الأعمال فوزي الشعبي، نجل الملياردير ميلود الشعبي، انتقادات قوية لبرلمانيي الولاية التشريعية السابقة، عندما قال إن «تصفيق البرلمانيين على الوزير الأول الأسبق، عباس الفاسي، عندما جاء إلى البرلمان في سنة 2007 وأعلن تخصيص 17 مليار درهم لدعم البترول والسكر وغيرها من المواد، مجرّد نفاق وقلة وطنية ورأي وفْهامة»، معتبرا أنّ ما وقع «غلطة ويجب أداء ثمنها، وأنّ مثل هذه المبادرات لا يجب أن تتكرّر لأنها تبقى مجرّدَ كذب وريع سياسي، وترسّخ ثقافة الاتكال». وأوضح الشعبي أنه «لا يمكن التحكم في سعر البترول، والدليل أنه في سنة 2007 لم يمكن سعره يتجاوز 39 دولارا، لكنه قفز، في ما بعدُ، إلى 150 دولارا، وبالتالي أصبحت الميزانية المخصصة صندوق الدعم هي 60 مليار درهم، وبطبيعة الحال سيتم ذلك على حساب الاستثمار العموميّ، من مواصلات وبنيات تحتية وتطبيب وكل ما نحن في حاجة إليه». واعتبر نجل ثاني أغنى رجل أعمال في المغرب أن «هناك شركات قليلة مرتبطة بصندوق الدعم، ولكنهم ليسوا محظوظين، لأنّ الدولة الآن تأخرت في صرف عشرات الملايير من الدراهم التي لم تؤدّها لهم، وبالتالي فإذا كانت الدولة غيرَ قادرة على صرف تلك المَبالغ فهي لم تكن في حاجة إلى أن تدعم في ا لأصل». وفي السياق ذاته، سجل مصطفى بنعلي، المحلل الاقتصادي ونائب الأمين العام لحزب جبهة القوى الديمقراطية، أنه إذا كان قرار الحكومة هو استبدال المقاصة بإجراء آخر فهذا يعني انسحابَ الدولة تدريجيا من دورها الاجتماعي، خصوصا أن منطق الاستهداف لا يمكن أن يؤديَّ إلى النتائج المرجوة، ومسألة الدعم المباشرة ستكون لها علاقة مباشرة بالتوظيف الانتخابي». وأكد بنعلي أن «موضوع المقاصة مطروح بإلحاح، خاصة أن التوقعات تقول إن صندوق المقاصة سيحتاج إلى 200 مليار درهم من المخصصات، لكن بعض المواضيع لم تحظ بالاهتمام نفسِه، من قبيل النفقات الجبائية في التوقعات المالية، فهناك 402 إجراء تدبيريا استثنائيا، والكلفة المالية ل284 إجراء قدّرها بعض الخبراء ب36 مليار درهم، وهذه التدابير الاستثنائية لا يستفيد منها كلية الفقراء، بل هناك شرائح اجتماعية تستفيد منها وإنْ كان لا تستحق ذلك».