هل تحولت الحركات الدينية المتطرفة منها والمعتدلة إلى وسيلة لتبييض أعمال المافيات؟ لقد كشف التدخل الفرنسي في شمال مالي عن أسرار خطيرة وعن مكنونات الحركات الدينية، وبين بوضوح أن هدفها ليس سوى تبييض أعمال المافيات التي تتحول على حين غرة إلى جماعات دعوة وجهاد في سبيل الله. لقد اكتشفوا أن الدين يساعد في التحول من حالة العوز والفقر إلى حالة الاغتناء سواء عن طريق ما يتيحه من مناصب أو عن طريق تبني لغة السلاح الذي يبيح السيطرة على المعابر. فزعيم إحدى الجماعات المقاتلة بشمال مالي عرف تحولات غريبة، من زعيم إحدى مجموعات الطوارق إلى أحد أكبر أباطرة تهريب سجائر المارلبورو بالساحل، ثم تحول مع ظهور المجموعات الإرهابية إلى زعيم ديني يجيِّش الشباب للجهاد في سبيل الله، ومن وراء عمليات الجهاد هناك كسب على طريقة تجار الحروب، كسب لا يعادله بيع السجائر المهربة. فلماذا هذا الحرص من الجماعات الدينية التي تدعي الاعتدال على مساندة الحركات الإرهابية بشمال مالي؟ هل هناك مصلحة ما من وراء ذلك؟ اليوم تقف الحدود الأمنية للمغرب بشمال مالي، ومن هناك وليس من هناك تبدأ حماية الأمن القومي، لكن قومنا الذين في الحكومة خيبوا الظن عندما أصدروا بيانا صبيانيا يرفض التدخل الذي طلبته دولة مالي، التي وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة جماعات مسلحة بسلاح القذافي المسروق، ويدعو للتعقل والحكمة والحوار. وأظهرت الحركة الحاكمة من خلال أداتها الوظيفية العدالة والتنمية نفاقها السياسي المبين، فبينما ساندت ثورة الناتو بليبيا والتدخل العسكري بسوريا رفضته بمالي مع فارق كبير في الداعي للتدخل. لأن الرابح من وراء التدخل هناك وعدم التدخل هنا هو الحركات الدينية التي تلتقي معها في هذه النسبة. وليست هذه هي المرة الأولى التي تدعو فيها التوحيد والإصلاح إلى الحوار مع حملة السلاح ودعاة القتل والإرهاب، فبعد أن شكك زعيمها بنكيران في أحداث 16 ماي دفع بعض أتباعه في طرح موضوع الحوار مع السلفية الجهادية قصد إطلاق سراحهم ضاربا عرض الحائط موقف ذوي الحقوق وأصحاب الدم. هل تساءلت التوحيد والإصلاح عن المسارات التي سيسلكها الإرهابيون بعد انتهاء الحرب في شمال مالي؟ أين ستكون وجهتهم؟ ما مصير الإرهابيين المغاربة والذين خبروا الصحراء الجزائرية جيدا؟ فإذا كان الذين ذهبوا إلى سوريا أصبحوا في عداد القتلى بعد اتفاق الكبار وأن مصيرهم المحرقة ولن نسمع بالشوام المغاربة فإن مغاربة مالي سيخلقون مشاكل أمنية رهيبة. أين هي الحكومة من كل هذه الأسئلة؟ هل أعدت العدة لذلك؟ أم أنها ترسل الرسائل وتترك أمن الوطن في خطر؟ هل التشكيك في دور الأجهزة الأمنية كان هذا هو الهدف منه؟ بالأمس قلنا إن الخطورة تكمن في إيصال حركة لا تؤمن بالدولة إلى تسيير بعض من مفاصل الدولة. فالحركة التي لا تؤمن بالدولة لا تعرف معنى الأمن الاستراتيجي للدول والذي على أساسه يتم اتخاذ المواقف.