أعرب الوزير المنتدب في الشؤون الخارجية يوسف العمراني, الثلاثاء الماضي بنيويورك عن تضامن المغرب مع مالي التي تمر حاليا بأزمة منقطعة النظير بسبب سيطرة المجموعات المتطرفة على شمال البلاد وتقدمها نحو جنوبها. وقال العمراني على هامش مشاركته في اجتماع رفيع المستوى بمجلس الأمن الأممي حول موضوع «مقاربة شاملة لمكافحة الإرهاب» إن «المغرب يعبر عن تضامنه مع مالي من أجل عودة النظام الدستوري واحترام المعايير الأساسية التي تتمثل في احترام وحدته الترابية واستقلاله في مواجهة هذه الحركات الانفصالية التي تهدد السلم والأمن ليس فقط في منطقة الساحل بل تتعداها إلى المغرب العربي والخارج». وتأسف لكون المجتمع الدولي يواجه «وضعا مقلقا بمالي, حيث هاجمت المجموعات الجهادية بلادا بأكملها وزعزعت استقرارها» مؤكدا ضرورة وضع مقاربة «متعددة الأبعاد» حيز التنفيذ لمواجهة التحديات المختلفة في مجال مكافحة الإرهاب. وأكد الوزير أن هذه المقاربة الشاملة ينبغي أن تعالج «الجوانب الأمنية وأساسا التضامن والنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية» مذكرا بأن التنمية الاقتصادية والاجتماعية «تحدث فرصا لاستقرار الساكنة وتحسين النمو». وأضاف أن «توسيع حقل الحريات وتطوير الديمقراطية والحوار الثقافي والديني» كلها عناصر تساهم في «المضي بهدوء نحو استراتيجية من شأنها مكافحة الإرهاب بشكل ناجع». وأكد الوزير من ناحية أخرى, الالتزام المتواصل للمغرب, على مستوى الأممالمتحدة والمحافل الإقليمية والدولية لصالح تفعيل مقاربة متعددة الأبعاد لمكافحة الإرهاب وإسهامه في الجهود الرامية إلى «التفكير سوية في أطر تعاون فعال من شأنه إيجاد حلول ناجعة» لهذه الظاهرة. وعقد العمراني سلسلة من اللقاءات مع ممثلي الدول المشاركة في هذا الاجتماع رفيع المستوى, المنظم بطلب من باكستان التي ترأس مجلس الأمن برسم شهر يناير. هكذا التقى الوزير مع نائب وزير الشؤون الخارجية الأرجنتيني ماريا ديل كارمن سكيف ورئيس الوزراء السابق ووزير الشؤون خارجية اللوكسمبورغ, جون أسيلبورن ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان. وقال الوزير إن هذه اللقاءات تناولت, على الخصوص «المقاربة الشاملة لمكافحة الإرهاب والعلاقات الثنائية». وبخصوص الهجوم الجوي الفرنسي على الجماعات المتطرفة في مالي، قال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند خلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة إن السلطات المغربية سمحت للقوات الجوية الفرنسية باستخدام مجالها الجوي للوصول إلى مالي. كما صرح أن الرئيس الجزائري بوتفليقة سمح للطائرات الفرنسية عبور المجال الجوي لبلاده، كما سمحت المغرب أيضاً بالتحليق فوق أراضيها. وكانت السلطات الجزائرية قد أعلنت يوم أمس عن إغلاق حدودها مع مالي، حيث بدأت فرنسا استجابة لدعوة سلطات مالي عملياتها العسكرية لمواجهة الإسلاميين المتطرفين. ولم يستبعد مراقبون أن تكون قيادة حركة التوحيد والجهاد في شمال مالي تستبطن القيام بأعمال إرهابية في العمق المغربي، خاصة أنها هددت بضرب أهداف فرنسية في أفريقيا وأوروبا ردا على الغارات التي قتلت نحو 60 جهاديا يوم الأحد في مدينة غاو وقال أبو دردار أحد مسؤولي حركة التوحيد في شمال مالي في اتصال هاتفي مع وكالة فرانس برس من باماكو «إن فرنسا هاجمت الإسلام، وسنضرب فرنسا في الصميم». وردا على سؤال حول المكان الذي يقصده قال أبو دردار الذي ترجم أقواله شخص قريب منه، «في كل مكان، في باماكو، وفي أفريقيا وأوروبا». وقد أوقفت فرنسا التي أعلنت أنها تخوض «حربا ضد الإرهاب» في مالي تقدم مجموعات إسلامية مسلحة تسيطر منذ تسعة أشهر على شمال مالي، نحو وسط البلاد وقصفت للمرة الأولى الأحد مواقع الإسلاميين في شمال البلاد في غاو وكيدال معقل الجهاديين. وقال سكان ومسؤول أمني الاثنين إن أكثر من 60 جهاديا قتلوا الأحد في مدينة غاو شمال مالي ومحيطها في قصف كثيف للقوات الفرنسية. وقال أحد سكان غاو: «قتل أكثر من 60 إسلاميا في غاو وقواعدهم القريبة منها. وليلا خرج الإسلاميون الذين كانوا مختبئين في المنازل، لسحب جثث رفاقهم». وأكد هذه الحصيلة سكان اخرون ومصدر أمني. وأضاف: «سقط قتلى خصوصا في معسكر في غاو. لقد تمت مباغتة الإسلاميين في وسط اجتماعهم، وسقط العديد من القتلى». واجتمع قادة اركان جيوش دول غرب افريقيا الثلاثاء في باماكو استعدادا لتشكيل قوة دولية افريقية بهدف «تحرير» الشمال الذي تحتله جماعات اسلامية مسلحة منذ تسعة اشهر. واعلن الرئيس الفرنسي الذي يزور دبي ان «لدينا ثلاثة اهداف لتدخلنا الذي يتم في اطار الشرعية الدولية: وقف الاعتداء الارهابي» و»تأمين باماكو حيث لدينا الالاف من رعايانا والسماح لمالي باستعادة وحدة اراضيها». واكد هولاند «لا نية لدى فرنسا بالبقاء في مالي لكن في المقابل لدينا هدف، وهو ان يكون هناك عند مغادرتنا امن في مالي وسلطات شرعية وعملية انتخابية والا يكون هناك ارهابيون يهددون وحدة البلاد. هذا واغارت الطائرات الفرنسية ليل الاثنين الى الثلاثاء على مواقع المقاتلين الاسلاميين في ديابالي غرب مالي، على بعد 400 كلم شمال باماكو. ودخل الاسلاميون الاثنين الى ديابالي وعلى راسهم ابو زيد الزعيم الجزائري لتنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي. ومساء الثلاثاء الماضي تحركت نحو ثلاثين آلية عسكرية فرنسية من مطار باماكو متجهة الى جهة مجهولة في شمال البلاد. وتزامن هذا التحرك مع تحرك مئات الجنود الماليين والفرنسيين نحو مدينة ديابالي لطرد الاسلاميين منها. وقال وزير الدفاع الفرنسي جان-ايف لادريان الثلاثاء ان قوات الجيش المالي لم تسترجع مدينة كونا الاستراتيجية في وسط مالي من «الجماعات الارهابية»، في حين كان ضابط في جيش مالي اعلن ذلك السبت. وقال الوزير الفرنسي في مؤتمر صحافي «لقد تمكنا من وقف الهجوم وتوزعت الجماعات الارهابية بين دويونتزا وغاو وحتى هذه الساعة لم تستعد بعد القوات المالية مدينة كونا». وقال رئيس الوزراء الفرنسي جان مارك ايرولت امام الجمعية الوطنية الفرنسية ان فرنسا ستكون «في الخط الاول» في مالي حتى بدء انتشار قوات افريقية خلال اسبوع. وقال الجنرال صميلة بكايوكو رئيس اركان الجيش العاجي في مستهل لقاء قادة اركان المجموعة الاقتصادية لدول غرب افريقيا «نحن هنا اليوم لنتحدث عن الالتزام مع اخوتنا في السلاح في مالي، لتحرير شمال مالي». وستشكل المجموعة قوة تدخل من 3300 جندي بموجب قرار مجلس الامن الدولي تحت مسمى «ميسما» وبقيادة الجنرال النيجيري شيهو عبد القادر. وسترسل نيجيريا 900 جندي تصل طليعتهم خلال 24 ساعة، والنيجر وبوركينا فاسو وتوغو والسنغال كل منها 500 جندي، وبنين 300 وغينيا وغانا نحو مائة كل منهما. ووصل رتل يضم نحو 40 سيارة مصفحة فرنسية من ساحل العاج ليلا الى باماكو، على ان تشترك في المعارك الدائرة منذ الجمعة بين ما تبقى من الجيش المالي الذي تسانده القوات الخاصة الفرنسية والمروحيات والقاذفات، والمقاتلين الاسلاميين. وميدانيا غادر الاسلاميون المسلحون مدينة غاو التي تتعرض منذ الاحد لغارات كثيفة خلفت اكثر من ستين قتيلا بين المقاتلين. وفي تمبكتو حيث لم يتم تنفيذ غارات بعد، قال السكان ان «المجاهدين غادروا، لقد اصيبوا بالذعر». ودمر الاسلاميون المتطرفون في المدينة التي تعد منارة للثقافة الاسلامية في افريقيا العديد من مقامات الاولياء الصالحين. وقال سنده ولد بوعمامة المتحدث باسم انصار الدين ان مغادرة المدن هو مجرد «انسحاب تكتيكي»، واعرب سكان المدن الرئيسية في شمال مالي عن ارتياحهم بعد رحيل الاسلاميين، وانتظارهم بفارغ الصبر وصول الجنود لمنعهم من العودة اليها. وعبر سكان في انحاء اخرى من مالي عن سعادتهم من خلال اطلاق اسم «هولاند» على اطفال ولدوا خلال الايام الماضية تيمنا بالرئيس الفرنسي، كما افادت وسائل اعلام مالية. وافاد تجار في باماكو ان كل الاعلام الفرنسية لديهم نفدت. واعربت الولاياتالمتحدة عن دعمها للعملية العسكرية الفرنسية. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فكتوريا نولاند «من المهم جدا وقف هجوم المجموعات الارهابية باتجاه جنوب مالي لمنع انهيار الحكومة وتسريع تطبيق قرارات مجلس الامن الدولي بشان مالي». واضافت «ولذلك وفي هذا السياق فان الولاياتالمتحدة ترحب كثيرا بالتحرك العسكري الفرنسي في مالي». بالمقابل قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمنبرسات الثلاثاء ان ايران ترى ان مشاكل مالي «يجب ان تعالجها الدول الافريقية». وقال المتحدث معقبا على التدخل الفرنسي في هذا البلد «نشدد على اهمية السلام والاستقرار في افريقيا لكننا نعتبر ان مشاكل افريقيا يجب ان تعالجها الدول الافريقية». وفي نيويورك عبرت الدول الاعضاء ال15 في مجلس الامن الدولي بالاجماع عن «تفهمها ودعمها» للتدخل العسكري في مالي كما اعلن سفير فرنسا لدى الاممالمتحدة جيرار ارو للصحافيين في وقت متاخر الاثنين. ورحب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون بالحملة الفرنسية مشددا في الوقت نفسه على ضرورة تحقيق المصالحة السياسية في مالي.أزمة مالي والتدخل العسكري الفرنسي