المغرب الذي لا يتوقف عمال المغرب أوفياء للمطلب الاجتماعي واستعصوا عبر التاريخ عن الاختراق والتوظيف، فلم تتمكن منهم الحركات الماركسية اللينينية التي حاولت أن تجعل منهم كلاب الثورة ولم تتمكن منهم الحركات الإسلامية المتطرفة التي اعتبرتهم حطب النار التي تشعلها الثورة الإسلامية، وبقي عمال المغرب أوفياء لمطلبهم الاجتماعي دون السقوط في مطبات التوظيف السياسي. ودروس فاتح ماي لهذه السنة لا تنتهي عند حد إلا من أراد أن يغمض عينيه. فالدولة المعنية حاليا بالإصلاح السياسي والدستوري والمنشغلة بملفات كبرى كالقضية الأمنية وقضية الصحراء لم تنس دورها الطبيعي فواصلت الحوار الاجتماعي الذي يجمع الكل على أنه كان هذه السنة استثنائيا وحقق العديد من المكاسب التي فخر بها الجميع رغم اختلاف البعض حول قيمتها ودرجتها. ففاتح ماي لهذه السنة يأتي بعد أول توقيع رسمي بين الحكومة والنقابات والباطرونا على محضر الحوار الاجتماعي الذي انفردت الحكومة في السنوات الماضية بالتوقيع عليه، وهذا دليل آخر على أن الجميع أصبح يرى أن اللحظة التاريخية التي يمر منها المغرب تتطلب سلما اجتماعيا ونقاشا عقلانيا حول جميع القضايا وأن المطالب الاجتماعية لا تنفصل عن تحقيق الأمن والأمان للمواطنين وضمان السير العادي للمصالح والمرافق العمومية. ففاتح ماي لهذه السنة وضع الجميع أمام اختبارات غير مسبوقة، فالحكومة أصبحت ملزمة بتنفيذ بنود الاتفاق وأصبحت ملزمة بتدبر المستحقات المالية اللازمة لإنجاح الحوار الاجتماعي وإعطائه قيمته كعنصر أساسي يتوج الحراك المجتمعي والباطرونا أصبحت ملزمة بتنفيذ بنوده المتعلقة بالعاملين في القطاع الخاص والنقابات أصبحت مطالبة بتأهيل كوادرها للتفاعل مع مغرب المستجدات وأن صفة الأكثر تمثيلية ينبغي أن تخضع لمدى الحضور اليومي للمركزيات النقابية في تأطير موظفي الإدارات العمومية والعاملين بالقطاع وليس مدى الإضرابات التي تشنها هنا وهناك بسبب وبغير سبب، حتى تصبح الأكثر تمثيلية صفة بالفعل لا بالقول. فالدرس الأول المستفاد من فاتح ماي الحالي هو أن المغرب مهما تكن ظروفه يبقى اهتمامه الرئيسي الوضع الاجتماعي كأولوية من أولوياته أو الأولوية التي تعلو فوق كل الأولويات لأنها ضمان للتقدم الاجتماعي والسياسي في إطار حربه على الفقر الذي يعتبر صنوا للكفر وقد شهد العالم بتقدم المغرب درجات مهمة في مجال محاربة الفقر. إن المغرب الاجتماعي رهين بيد ثلاث جهات، الحكومة والنقابات والباطرونا، فالحكومة إذا لم تبتعد عن التوظيف الظرفي والسياسي للحوار الاجتماعي فلن تؤدي سياستها إلا إلى تأجيج غضب الفئات الصغرى والنقابات إذا لم تجعل المطلب الاجتماعي ناصية أهدافها حادت عن طريقها وتحولت إلى اشياء أخرى والباطرونا إذا لم تتحول إلى نموذج الاقتصاد الوطني دمرت نفسها ودمرت معها كل شيء.