أجمعت تصريحات المناضلين النقابيين الذين استقت "التجديد " تصريحاتهم على تدهور الحرية النقابية، بمقابل ازدهار الحريات العامة التي لم تنل منها الحركة النقابية حظها الأوفر. وأرجع النقابيون عدم خروج "مدونة الشغل" إلى الوجود إلى قصر نظر "الباطرونا"، فضلا عن كون الأحزاب السياسية والنقابية والحكومة لم يقدموا ما تطمح إليه الشغيلة المغربية مما فوت على البلاد فرص الإقلاع الاجتماعي والاقتصادي في ظل العولمة الزاحفة. أما عن الحوار الاجتماعي فاعتبره البعض مقدمة فتوحات للطبقة العاملة فيما وصفته أطراف أخرى بمجرد مسرحية طرفاها الحكومة والنقابات الموالية لها. والتصريحات التالية تقربنا من موقف بعض النقابات حول إشكالات: الحوار الاجتماعي، والتعددية النقابية، ومدونة الشغل، فضلا عن الحريات النقابية. عبد القادر الزاير( عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل): المطروح اليوم وحدة الدفاع عن القضايا المشتركة للطبقة العاملة -التعددية النقابية في المغرب وُلدت في ظروف معينة، اقتصاديا، واجتماعيا، وسياسيا، خاصة عندما كانت الدولة تشجع الأحزاب بتأسيس نقابات تابعة لها، وهو ما أفرز خريطة نقابية مبلقنة على شبيهتها السياسية. لكن المطروح اليوم وحدة الدفاع عن القضايا المشتركة للطبقة العاملة، ولهذا فالشعار الذي ينبغي رفعه "الوحدة النضالية" ولمّ الوحدة الهيكلية للنقابة الوحيدة. وفيما يخص مدونة الشغل، فنحن في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل واعون منذ التأسيس في نهاية السبعينات، أن تكون "مدونة للشغل" على رأس مطالبنا، فالقانون يتيح الفرص للتهرب من تطبيق قانون الشغل، ويساعد على الفوضى في ميدان الشغل، وأرباب العمل حينما كانوا يعارضون خروج مدونة الشغل، الآن رفعوا شعار مدونة يكون الغرض منها التشغيل المؤقت، وفسح الحرية للطرد والتسريح، وهذا ما جعلنا نطالب بمدونة تطالبنا بالحفاظ على الاستقرار في الشغل، وتقوي من فرصه، وتصون حقوق الطبقة العاملة، وهو ما أوقعنا في استنزاف مع أرباب العمل الذين نعتبرهم السبب الرئيسي في تعطيل خروج المدونة، وبذلك فهم يشيعون أن النقابات هي السبب. وحسب زعمهم فإنها تعطل فرص الاستثمار في البلاد، وهذا ليس صحيحا، والآن فرضنا في التصريح المشترك أن يكون التزام بتوافق الأطراف على مدونة للشغل، الشيء الذي جعلنا متشبتين لتبقى اللجنة الثلاثية مشتغلة لإخراج هذه المدونة، والآن يمكن القول أننا في أشواطه الأخيرة، ونتمنى ألا تكون عرقلة من قبل أرباب العمل لئلا يجهض هذا العمل. والأحزاب السياسية انطلاقا من مكوناتها الرأسمالية يمكن أن يكون لها دور في مرحلة خروج المدونة، لكن نحن كنقابة مستقلة تهمنا مصلحة الطبقة العاملة والمصلحة العليا للبلاد. أما عن الحوار الاجتماعي فبدلنا مجهودا كبيرا لتأسيسه، وانتقلنا من مرحلة عدم الاعتراف بالنقابة إلى مرحلة الحوار، ومن الحوار إلى مرحلة التفاوض والتعاقد، وأول مرة أسسنا هذه الآليات سنة 1996 من خلال التصريح المشترك، وثبتناها في تصريح فاتح محرم، وكانت هناك العديد من الالتزامات، نفذ بعضها، والبعض الآخر ما يزال ينتظر التنفيذ، وهو ما جعلنا نطرح على حكومة "جطو" الآن التفاوض من أجل تنفيذ الالتزامات التي ورثتها الحكومة، الشيء الذي أدى بجلسات الحوار خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، إلى تبلور فكرة الاتفاق على بعض القضايا المستعجلة < وإيجاد أرضية للتوافق حول بعض القضايا العالقة والتي ما زال فيها خلاف، والاستمرار في دراسة الالتزامات التي يمكن الحسم فيها على مدى قصير. أما الحريات النقابية فمقدسة مثل حقوق الإنسان، فإذا حصلت قفزة في مجال حقوق الإنسان فنسجل بأسف التأخر والتدهور في العلاقات المهنية، واحترام الحريات النقابية، ونحن نندد بقمع الحريات النقابية، ونحتكم إلى منظمة العمل الدولية. وسنويا نضع شكوى أو اثنين بهذا الشأن. لأنه حق دستوري لا يمكن التفريط فيه، وسنتصدى لأي مساس بالحرية النقابية مثل التهديد بالاقتطاع من أيام الإضراب بالنسبة للشغيلة التعليمية، ومن يزكي الاقتطاع فسيرتد الأمر عليه. لأن من يعادي الشغيلة فذاكرة الجماهير لا تنسى. عبد السلام المعطي (الكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب):الجهاز الحكومي يتحمل مسؤوليته في فشل الحوار الاجتماعي التعددية النقابية شيء إيجابي، لكن مع الأسف هذه التعددية أصبحت تؤدي إلى التشرذم والتشتت النقابي، وسبب الصراع الداخلي ذو الطابع الحزبي، وتحيد عن أهدافها الإنسانية المتمثلة في الدفاع عن الحريات، والكرامة والديمقراطية، وأصبحت تتغلف بالغلاف الحزبي، مما يخرج التدافع النقابي إلى صراع حزبي، ولذلك أعتقد أن التعددية النقابية تضعف من الحصيلة النضالية للطبقة العمالية فنجذ نضالات كثيرة مقابل نتائج ضعيفة إلى منعدمة. ومع كامل الأسف، فنحن الآن نعيش فراغا قانونيا في مجال التشريع الاجتماعي، وأعتقد أن هذه المدونة تعطي للعمال حقوقهم،وتبين لهم واجباتهم، وفي ظل هذا الفراغ فالذي يتحمل المسؤولية بالدرجة الأولى هو الجهاز الحكومي، فالحكومة عليها أن تولي اهتماما فعليا لمدونة الشغل، وتفتح مائدة للحوار خاصة بهذا الموضوع ليكون نوع من التوافق حول البنود المتنازع عليها والمعلقة. فلو كانت إرادة فعلية لجميع الجهات بما فيها الحكومية والنقابية لتجاوز هذه الأزمة، لتم إخراج مدونة ترضي الطرفين، الشغيلة والمشغلين معا. فنحن نرى أن الحكومة تمضي في توجه ما يسمى بالعولمة عملا بالمدونة المهددة لمصالح الطبقة العاملة والمرضية لأصحاب المقاولات الصناعية والتجارية. فالمسؤولية في عدم خروج مدونة الشغل إلى النور تتحملها الحكومة، والباطرونا. الحوار الذي كانت له قيمة هو حوار 1996، إذ أخذ وقتا كافيا للنقاش والتداول الشيء الذي توج في نهايته تصريحا مشتركا يحمل عددا من البنود والتي تم التنصيص عليها من قبل الأطراف الثلاث، النقابات، والحكومة، وأرباب المقاولات، وحقق قفزة نوعية في إطار التفاوض وأضاف بنودا مهمة، إذا تم تنفيذها كان على الأقل التخفيف من حدة الأزمة الاجتماعية، إلا أن هذه البنود مع الأسف ما تزال معلقة، وعندما جاءت حكومة ما يسمى بالتناوب، لاحظنا أن هذا الحوار الاجتماعي خرج عن مساره الحقيقي وبدأ نوع من الامتياز، بحيث أن حكومة التناوب نادت بالحوار مع النقابات الموالية لها في إطار مايسمى بمعيار النقابات الأكثر تمثيلية، الذي لم يتفق عليه أحد ولذلك خرج الحوار الاجتماعي عن أهدافه وظهر فيه نوع من الانحياز السياسي وأصبح وسيلة للإقصاء والتهميش. وبالنسبة لنا خارج مائدة الحوار نرى عددا من اللقاءات التي نعتبرها استهلاكية ولامتصاص غضب الشغيلة، ولم يعط أي نتائج وبالتالي فهي حوارات استهلاكية ولربح الوقت. ومع كامل الأسف فالمراقبون يلحظون أن الخطاب النقابي وقع فيه تراجع من قبل بعض الجهات إرضاء لبعض الأطراف الحكومية والانحياز للجانب الحكومي، وهو ما يضرب مصداقية العمل النقابي والذي جعل أعدادا كبيرة من الشغيلة المغربية تفقد ثقتها في العمل النقابي، ووجدنا أن الجماهيرية النقابية تنخفض أهميتها، وأعتقد أن الحريات العامة عرف المغرب فيها تقدما، ونلحظ مع كامل الأسف بالمقابل تراجعا للعمل النقابي من خلال مسؤولين نقابيين، ومنهم من يتعرض للتنقيلات، أو الإنذارات ونسمع الآن أن بعض المسؤولين الحكوميين يطعنون في حق الإضراب وهو حق دستوري ويلوحون بالاقتطاع من رواتب المضربين، وهذا تضييق وتهديد للعمل النقابي. محمد بنجلون أندلسي(عضو المكتب التنفيذي للاتحاد العام للشغالين بالمغرب):الحرية النقابية مضطهدة من قبل كل من له مصلحة في ذلك التعددية النقابية في مغرب اليوم يطبعها نوع من الاعتباطية باعتبار أنه حينما يصل الأمر إلى حوالي 24 نقابة فهذا إتلاف للجهد النقابي، ولا شك أن انتخابات ممثلي الموظفين والعمال هي التي ستفرز النقابات ذات الطبيعة التي يمكن التعامل معها وفق الأصوات والمعطيات التي يمكن أن تقرر في مصير الشأن العمالي والوظيفي، ولذلك في الواقع فإن هذه التعددية إما أن تكون متضامنة وملتحمة في إطار الرسالة التي خلقت لها، وإما أن تستثني نفسها من أي دور يمكن أن يؤدي إلى نتائج ملموسة تخدم مصالح الطبقة العاملة في المغرب. والحرية النقابية مضطهدة من قبل كل من له مصلحة في ذلك. فكيف يمكن وضع مدونة للشغل وأرباب العمل يصرون على عدم الاعتراف بالحق النقابي للعمال، ولم تعد المسألة واقفة عند حد المكائد التي تتعرض لها المكاسب النقابية والتسريحات بسبب أو بدون سبب، ولكن في إطار الحوار الاجتماعي الحالي أصر أرباب العمل بعدم اعترافهم بالتمثيلية النقابية داخل المؤسسات واكتفائهم بتمثيلية ممثلي المأجورين، فكيف يمكن للنقابات أن تضع قانونا للشغل لا يقر حرية العمل النقابي؟. وفيما يخص الحوار الاجتماعي، وللحقيقة، فهناك لجان عملت على بلورة ما هو ملموس وخاصة التغطية الصحية والسكن الاجتماعي وعملت هذه اللجان على بلورة أشياء عملية ومجدية، وفي لجنة الأجور والتعويضات حدثت عدة إيجابيات تتعلق برفع الحد الأدنى لأجور الموظفين، وتم العمل على إعادة النظر في أساليب التأجير، وفي كيفية الخلط بين نظام التعويضات والأجور، وهذا المجهود يمكن أن يستمر في إطار إقامة حدود وفواصل للحيف الذي لحق العديد من الموظفين خاصة الصغار منهم أما لجنة قانون الإضراب، ولجنة مدونة الشغل توقفت عن العمل بسبب التباعد الحاصل بين انتظارات الطبقة العاملة (النقابات) وبين انتظارات أرباب العمل الذين تصلبوا، وأعتقد أن أرباب العمل يعتبرون الحكومة حكومتهم ويجب أن يفوزوا فيها بالغنيمة على حساب العمال والنقابات. أما الاقتطاع عن أيام الإضراب فليس هناك أي مبرر قانوني له، لأننا نحن الآن نفتح النقاش في موضوع قانون الإضراب الذي يجب أن تكون له إجراءات طبيعية المؤدية إلى فسح ممارسة العمل النقابي ليقوم بدوره برفع الملتمسات المطلبية وفي إطار الحوار حول هذه الملتمسات المطلبية، وإذا ما سدت الباب لا يمكن معاقبة العمل النقابي لأنه مصدر مطالب فئة من الفئات أو شريحة من الشرائح في الحقل العمالي. الطيب منشد(الكاتب العام للفيدرالية الديمقراطية للشغل):النقابات التي لم تحصل على حد أدنى يجب أن يحظر نشاطها إلى الفترة الموالية التعددية النقابية تشكل ضررا على مصالح الطبقة العاملة خصوصا وأننا في المغرب لسنا إزاء تعددية نقابية حقيقية، فالعديد من النقابات تأسست بإيعاز من الإدارة أو بمبادرة منها، أو بإيعاز من الباطرونا، ونحن من أنصار القانون الانتخابي المقبل المتعلق بممثلي العمال واللجان الثنائية، والمتضمن أن النقابة التي لم تحصل على حد أدنى الذي يجب أن يكون متوافقا عليه يجب أن يحظر نشاطها إلى الفترة الموالية في محاولة للحد من هذه التعددية غير المجدية؛ ونأمل أن تكون اثنتين أو ثلاث أو أربع مركزيات نقابية تتيح للعمال أن تكون لهم إطارات حقيقية للدفاع عن حقوقهم وحماية مكاسبهم وللإسهام في الانتقال والنضال الديمقراطي، وأعتقد أن التعددية الموجودة الآن هي في صالح الطبقة العاملة. والحاجة إلى قانون الشغل ظهر بحدة في السبعينيات، آنذاك كانت الطبقة العاملة بكل مكوناتها تناضل في فترة نعتبرها "فترة الجمر" والحاجة إلي قانون الشغل ليس فقط للنقابات بل للأطراف الأخرى القانونية، لأن قانون الشغل كان بمبادرة مجموعة من الظهائر والمراسيم المبعثرة والتي أصبحت بفعل الزمن متجاوزة ومنها من يرجع إلى عهد الحماية، واليوم، أصبحت الحاجة إلى مدونة للشغل أمرا ملحا بفعل العولمة التي ستفرض المنافسة على المقاولة المغربية، واليد العاملة المغربية. ونحن نتأسف على عدم التوافق الذي لم يحصل إلى الآن بشأن المدونة، وهو ما يضر بالمصلحة العليا للبلاد، وضمنها مصلحة الطبقة العاملة، وأعتقد أن عدم التوافق على هذا القانون في السنوات العشر الأخيرة التي كان فيها نقاش يدل على وجود أزمة ثقة بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والطرف الحكومي. وسبق لي أن قلت عندما بدأ الحوار بين الحكومة والمركزيات النقابية أننا مع الحوار، ونزكي هذه الخطوة مع أننا لسنا طرفا فيها، وأؤكد أننا سنصفق لكل النتائج الإيجابية التي سيسفر عنها هذا الحوار، ونتابع باقي القضايا التي ستبقى عالقة، لكن كل النتائج الإيجابية التي سيعلن عنها سواء لصالح الطبقة العاملة أو لغيرها سنباركها. أما الحريات النقابية من المؤكد أن المغرب في السنوات الأخيرة عرف خطوة على مستوى دعم الحريات العامة، وهذا لا يعني أننا نعيش عصر ازدهار الحرية النقابية، فهذه الأخيرة ما تزال تعاني من التضييق في العديد من المناطق والقطاعات ونحن في بداية الطريق، وهذه الحرية سلاح ذو حدين؛ فالحرية لا تتوقف عند من يعطيها، لكن على من يمارسها. ونحن ندافع عن حرية العمل النقابي وعن الحرية الشخصية والجماعية، لا بد أن نكون واعين كل الوعي بما لنا وما علينا، فلا يمكن تجاهل العديد من الإيجابيات المحققة، لكن لا يمكن أن نغفل أن الطريق مازال طويلا، وهذا ما ستعكسه كلماتنا وشعاراتنا التي سنرفعها في فاتح ماي إن شاء الله. إنجاز عبد الغني بوضرة