ميزانية خارج التغيير شن عبد الإله بنكيران هجوما ضد صندوق المقاصة وقال إنه لابد من إصلاحه وذلك مباشرة بعد زيادته الشهيرة في أسعار المحروقات. كما تحدث كثيرا عن إصلاح صناديق التقاعد. اليوم بعد تقديم مشروع قانون المالية تبين أن ليس هناك مؤشرات على ذلك. وأن ما سبق كان كلاما للاستهلاك فقط. لقد أقام حزب العدالة والتنمية الدنيا ولم يقعدها في السابق لكي لا يتم المساس بصندوق المقاصة، كانت حكومة عباس الفاسي بصدد تقديم مقترحات لإصلاح الصندوق ولم تكن في نيتها إلغاؤه، انتفض أصدقاء بنكيران وحولوا قبة البرلمان إلى ساحة حرب، وصفوا حكومة عباس بأبشع النعوت، وهددوها بأوخم العواقب إن هي فقط فكرت في الاقتراب من هذا الصندوق الذي كان يعتبره أبناء العدالة والتنمية حقا وطنيا. والواقع أن أُولى بوادر إصلاح صندوق المقاصة ظهرت مع حكومة التناوب التي ترأسها عبد الرحمان اليوسفي، حيث بدأ التفكير حينها في إصلاح الصندوق من خلال إحداث قانون المنافسة ووضع لائحة بالمواد التي يجب تحرير أسعارها، وبقيت المواد النفطية وكذا الدقيق والسكر شاملة للدعم بعد أن تم الإقرار بتأجيل تحريرها، ومع أنه في سنة 2002 لم يكن يكلف ميزانية الدولة سوى مليارا درهم، إلا أنه مع تعالي الأصوات المطالبة بإصلاحه ليكون فعالا وفاعلا، وفي سنة 2005 ارتفعت المبالغ المخصصة له مع بداية ارتفاع أسعار المواد النفطية، قبل أن تنفجر الأسعار مع بداية تجليات الأزمة الاقتصادية التي بدأت بوادرها تظهر في سنة 2007، وفي سنة 2008 ازدادت حدة الأصوات للمطالبة بإصلاح الصندوق مادام أمر إلغائه غير وارد، لكن حكومة عباس الفاسي لم تكن قادرة على إطلاق أي مبادرة في هذا الاتجاه، أولا بسبب حساسية الملف الذي يهم الطبقات الفقيرة، وثانيا لغياب بديل حقيقي يمكن أن يغطي أي خلل يحدثه إلغاء الصندوق، وظلت كل الدراسات والتحاليل تذهب في اتجاه ضرورة الإصلاح، لكن دون المس بمرتكز اجتماعي ومكسب شعبي لجميع المغاربة، لكن مع مجيء الحكومة الحالية كان أول ما قالت به هو إعلان الحرب على صندوق المقاصة، لكنها بدل أن تتجه إلى طرح المشكل في إطاره الحقيقي لجأت إلى مبررات واهية من قبيل أن فئة محدودة هي من يستفيد من هذا الصندوق وأن الفقراء لا ينالهم إلا القليل من الدعم المخصص، ومع توالي الأحداث بدأت حكومة بنكيران تروج أرقاما أخرى، من قبيل أن الصندوق يتحمل كثيرا من الأعباء المالية، وأن ذلك لم يعد ممكنا الاستمرار فيه، فكانت الزيادة في أثمنة المحروقات في انتظار ما ستسفر عنه الأيام القادمة وإذا كانت حكومة بنكيران قد فشلت في إيجاد الوصفة المثلى لإصلاح الصندوق من خلال توجيه الدعم للفئات المعوزة، فإن حكومة بنكيران لجأت إلى استعارة تجارب دول أخرى مثل البرازيل وأندونسيا. المتصفح غير المتخصص في المال والاقتصاد يعرف منذ النظرة الأولى أن الحكومة لم تأت بجديد لإصلاح صندوق المقاصة ولا صناديق التقاعد، ولم ترد أية إجراءات حتى لو كانت بسيطة في هذا السياق، وبالتالي يبقى كلام بنكيران وإخوانه في الجزء الملتحي من الحكومة كلاما غير حقيقيا، غير أن ما ينبغي أن يفهمه بنكيران هو أن العديد من الفقراء و"الهجالات" ينتظرون منه ما وعدهم به من رواتب شهرية كما قال. يبدو أن بنكيران وضع نفسه في الموقع الحرج، فلا هو استطاع التخلص من ماضي المعارضة ولا هو استطاع تحقيق طموحات الفقراء، غير أن الحقيقة تبين أن بنكيران لا يفهم في المعادلات المالية أي شيء.