الرسالة الصوتية التي بعثها أبو عمران إلى بنكيران لها أكثر من دلالة. الأول، هو فؤاد بلقاسم يقيم في بلجيكا ويسجل أشرطة بالفلامانية تدعو للجهاد وتطبيق الشريعة في دولة الإقامة. والثاني، رئيس الحكومة المغربية. يلتقيان في كونهما مغربيين، ويلتقيان في كونهما من معين الحركة السلفية فرقت بينهما السبل رمت الأول في التيار الجهادي القتالي ورمت بالثاني في الحكومة. أبو عمران مازال يرجو من الأخ بنكيران التوبة والعودة عن غيه، ولم يقطع الحبل السري الذي يربط بنكيران بالحركة السلفية في عنوانها الكبير حتى لو اختلفت العناوين الصغرى. فأبو عمران غاضب على بنكيران لأنه يعمل مع "الكفرة بالله"، لكن الشيخ أبو عمران مازال متمسكا بشعرة معاوية في علاقته ببنكيران متمنيا له النجاة ولا يريد له الهلاك، معتبرا، مشاركته في الحكومة مشاركة مع الظالمين في ظلمهم. لا يهمنا ما قاله أبو عمران لأن كلامه أتفه من الرد عليه، ولكن يهمنا الشخص الذي وجهت له الرسالة. يهمنا عبد الإله بنكيران، الذي ينطبق عليه المثل العربي "على نفسها جنت براقش"، ولعل بنكيران يقول اليوم "هذا ما جناه خطابي علي.. وما جنيته على أحد" مع الاعتذار لأبي العلاء المعري على هذا التحوير الذي اقتضاه السياق. فبنكيران جنا على نفسه، والحجر الذي تلقاه هو نفسه الذي صنعه، وما هي إلا بضاعته التائهة في أرض الله يستعيدها. من هذا البيت خرج الخطاب التكفيري، من حركة التوحيد والإصلاح خرج الخطاب المنتج للعنف. فلا ينبغي لبنكيران اليوم أن يضجر من هذا الخطاب. فعندما قال أبو عمران لبنكيران، إن اسمك عبد الإله ولكن هل أنت عبد لله، كان عليه أن يتذكر جيدا يوم وصف أحد خصومه، بأنه عدو لله والملك والوطن، وهي عبارة تكفيرية بدون تأويل، عبارة يمكن أن يتلقفها أي مجنون ليحولها إلى فعل من خلال ارتكاب بعض الحماقات المعروفة عن هؤلاء، فبنكيران تمت مساءلته فقط على علاقته بالله لكن الرجل الذي اتهمه بنكيران وجه له ثلاث تهم، الأولى، الكفر، والثانية، يعاقب عليها القانون، والثالثة، تعادل الخيانة العظمى. وعندما يخرج وزراء العدالة والتنمية لقول كل شيء وفي أي وقت وفي أي مكان، يكونوا هم من يصنع أسلحة التكفيريين والجهاديين وهم من يوجهها للاستعمال، وبالتالي، هم شركاء في جريمة التكفير التي وصلت في عصرنا حد "شق القلوب" ومعرفة خباياها. هل نسي بنكيران ورهطه أن صناعة الخطاب هي صناعة للسلوك؟، أليس ضجيجهم وصراخهم شبيه بالضجيج الذي أحدثته براقش فجنت على قومها وعلى نفسها؟، فلو أنتجوا الخطاب العاقل لما تجرأ عليهم اليوم مثل هؤلاء. لكن "من حفر حفرة سقط فيها". وقادة العدالة والتنمية هم الذين حفروا حفر التكفير فهاهم اليوم يسقطون فيها واحدا بعد الآخر. فأبو عمران ليس سوى واحدا ممن يعتبرهم بنكيران من أصحاب الرأي الذين تعتقلهم السلطات المغربية ظلما وعدوانا ومنهم من يسمون شيوخا، فهاهو أبو عمران، يقول، رأيه الذي ينبغي أن يحترمه بنكيران ما دام قد تبنى منطقا معوجا.