يعرف المطلعون أن سنة 1996 عرفت أكبر حملة لتهريب الأموال إلى بنوك الخارج من قبل رجال أعمال مغاربة، وعرفت أيضا أكبر موجة لهروب الاستثمارات الأجنبية من المغرب مما أثر سلبا على الاقتصاد المغربي وعلى الأوضاع المالية للمغاربة، وترك آثارا جانبية قوية على حياة المواطنين وليس على الذين مسّتهم الإجراءات التي اتخذها إدريس البصري وحدهم. يتذكر المغاربة أن الوزير القوي في الداخلية إدريس البصري قاد ما يسمى بحملة التطهير سنة 1996، وهي الحملة التي أكلت الأخضر قبل اليابس وأدخلت أبرياء السجون وتم من خلالها تصفية مع مواطنين ورجال أعمال لم يكونوا محسوبين على خانة الوزير القوي والمحيطين به وأتباعه وأشياعه، أو لأنهم كانوا يعارضون سياسته أو على عداوة معه. هذه الحملة تركت بصمات سيئة وواضحة على جبين المغرب، وانعكست سلبا على الاستثمارات الداخلية والخارجية، حيث هرب رجال أعمال إلى الخارج وهرّب رجال أعمال أموالهم إلى البنوك الأجنبية، وتوقف المستثمرون الأجانب من دخول المغرب والاستثمار فيه فتوقفت عجلة الاقتصاد الوطني بشكل فظيع. ومنذ بداية العهد الجديد، أي منذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش، وهو يعمل على إعادة الثقة في المغرب ومؤسساته السياسية والإدارية والقانونية، ورغم أن هذه الثقة صاحبتها إجراءات وقوانين مشددة، من قبيل المراجعات الضريبية ومحاربة الرشوة ودسترة هيئة محاربة الفساد، وإقرار دستورية مجلس المنافسة ومحاربة اقتصاد الريع، غير أنها لم تتخذ شكل تخويف وترهيب أو تصفية حسابات. فمنذ السنة الماضية شرعت مصالح الضرائب في زيارة كافة المؤسسات والمقاولات لكن هذه الحملة لم تكن مصحوبة ب"الحرْكة"، بتسكين الراء، ولكن اتخذت شكل تفتيش عادي راعت فيه مصالح الضرائب وضعية كل مقاولة على حدة، ضمانا لاستخلاص الدولة لمستحقاتها من جهة وحرصا على استمرار المقاولات في مزاولة مهامها، لأنه من غير المقبول الحرص على استخلاص الضرائب إذا كانت ستؤدي إلى إفلاس الشركات وتشريد العمال. وليس من باب الدفاع عن التهرب الضريبي نقول مثل هذا الكلام، ولكن كي تكون حملة التفتيش طبيعية وعادية تزاوج بين مصلحة الدولة، التي هي مصلحة المواطن، ومصلحة الشركات، وبالنتيجة هي مصلحة أرباب العمل ومصلحة العاملين. ورغم أن حملة الاستخلاص الضريبي انطلقت قبل حكومة بنكيران غير أن العدالة والتنمية شرع في حملة ترهيب وتخويف لرجال الأعمال شبيهة بحملة الرعب التي عاشها أرباب العمل سنة 1996، مما جعل أغلبهم يعودون بالذاكرة للوراء ويتذكرون حملة التطهير التي قادها إدريس البصري حتى أصبحوا يتبادلون في منتدياتهم عبارة حملة التطهير "بيس". فحق الدولة هو حق المجتمع لا يمكن التفريط فيه لكن لا يمكن الإفراط في اللغة الإنشائية التي لا يعرف أحد مداها، وعندما يتحدث وزراء العدالة والتنمية بتلك اللهجة الخشنة يتصور البعض أنهم يحملون سيوفا ليقطعوا الرؤوس. هل سيقول بنكيران : إني رأيت رؤوسا قد أينعت وحان قطافها. غير أن موسم القطف قد يكون مصحوبا بالقحط، فرأفة بالبلد.