نزل تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد الفرنسي على قروضها السيادية نهاية الأسبوع الأخير كالصاعقة على الشركاء الاقتصاديين لفرنسا، ومن بينهم المغرب الذي تبقى باريس الشريك الاقتصادي الأول له في دول الاتحاد الأوروبي إن لم تكن في العالم برمته، الشيء الذي يجعل الحكومة المغربية (الجديدة) برئاسة عبد الإله بنكيران في مواجهة صعبة لتداعيات الواقع الاقتصادي الفرنسي الجديد، علما أن المقاولات الفرنسية المستثمرة بالمغرب وبمختلف قيمها المالية وأنواعها الإنتاجية تشكل النواة الصلبة للاقتصاد المغربي، وعلما كذلك أن المغرب يبقى الوجهة الأولى فيما يتعلق بالاستثمارات الخارجية المباشرة لفرنسا على صعيد القارة الإفريقية وصعيد منطقة الشرق الأوسط، وهي الاستثمارات التي وصلت إلى ثلاثمائة ملايير (ثلاثة ملايير درهم) منتصف السنة الأخيرة (يونيو 2011). وإضافة إلى تأثر الاستثمارات الفرنسية بالمغرب، تواجه حكومة بنكيران، بسبب التصنيف الائتماني للاقتصاد الفرنسي مشكلة الصادرات المغربية إلى فرنسا حيث تشكل الصادرات المغربية إلى فرنسا أهم قطاعات التبادل التجاري الثنائي بين الطرفين، وهو القطاع الذي ستعيد فيه فرنسا نظرها بتقويمه تقويما، وفق الواقع الاقتصادي الجديد الذي أملاه التصنيف الائتماني لاقتصادها من جهة ولعلاقتها مع شركائها الآخرين من جهة أخرى. فالواقع الجديد للاقتصاد الفرنسي المرتبط بتخفيض التصنيف الائتماني المذكور، سيدفع لا محالة الحكومة الفرنسية إلى الرفع من حجم التمويلات لفائدة المقاولات الفرنسية المستثمرة بداخل فرنسا في ارتباط بسياسة خفض النفقات العمومية على حساب الرفع من الضرائب على الاستثمار، وبدرجة أكبر على الاستثمار الخارجي مما يعني أن تداعيات خفض التصنيف الائتماني للاقتصاد الفرنسي لن تمر بردا وسلاما على المقاولات الفرنسية الستة والثلاثين، المدرجة ببورصة باريس »CAC 40« والمستثمرة بالمغرب ومنها المقاولات المستثمرة بعقود محدودة الآجال كما هو الحال بالنسبة لألستوم المتعاقدة بشأن مشروع القطار فائق السرعة والترامواي ومنها المستثمرة في مشاريع قارة ومستدامة كما هو الشأن بالنسبة لرونو المنخرطة في مشروع طنجة المتوسط، الشيء الذي سيدفع هذه المقاولات إلى الدفع بإعادة جدولة عقودها وبرامجها مع الطرف الثاني (الحكومة المغربية) تحت ضغط الواقع الجديد. وإضافة إلى المقاولات الفرنسية المستثمرة بالمغرب والصادرات المغربية إلى فرنسا لابد من ذكر تأثير تخفيض التصنيف الائتماني للاقتصاد الفرنسي على عائدات المغرب من العملة الصعبة المرتبطة في تحويلها بالمغاربة المقيمين بالخارج، إذ سينخفض هذا التحويل نزولا عند السياسة التقشفية التي ستمارسها فرنسا بفعل التصنيف المذكور، الشيء الذي سيؤدي إلى ارتفاع معدل البطالة. وتبقى الشركة العامة للأبناك أهم المقاولات الفرنسية المستثمرة بالمغرب وأقدمها إذ يعود تاريخ بداية استثمارها إلى قرابة قرن (96 سنة) وهي المجموعة البنكية التي تمارس من خلال 350 وكالة بنكية محققة ناتج بنكي صافي بلغ إلى أكثر من 350 مليار سنتيم 1.8 مليار درهم منتصف السنة المالية الأخيرة (يونيو 2011)، فيما تأتي بعدها مؤسسة لافارج كثاني أقدم مستثمر فرنسي حط الرحال بالمغرب في 1918 ويستثمر في الإسمنت والخرسانة المسلحة بقدرة إنتاجية تفوق ستة ملايين ونصف المليون طن في السنة من الإسمنت وحده، وهي مؤسسة حققت منتصف يونيو الأخير رقم معاملات يصل إلى مائتي مليار وسبعمائة مليون سنتيم (2.7 مليار درهم). وتبقى ڤيوليا للبيئة هي أكبر المستثمرين الفرنسيين بالمغرب على الرغم من حداثة دخولها السوق المغربي الذي يعود إلى بداية هذا القرن (2002) وهي مجموعة تم التفويض لها لتدبير قطاع توزيع الماء والكهرباء في العديد من المدن إضافة إلى تدبير تطهير السائل الصحي والنقل الحضري والتنظيف ناهيك عن مساهمتها في شركات للكهربة الحضرية وتجهيز شبكات الماء الشروب وذلك بقرابة 10 آلاف أجير، وباستثمار يفوق 900 مليار على الرغم من أن المجموعة تخلت عن طريق فرعها سطاريو على الاستثمار في تدبير النقل الحضري بالرباط-سلا. مصرف المغرب هو الآخر مجموعة فرنسية حطت الرحال بالمغرب للاسثمار منذ 1929، وهي مختصة في المعاملات البنكية والتمويل والاستثمار ب319 وكالة بنكية موزعة على مدن المملكة محققة أكثر من 100 مليار كنتيجة بنكية صافية عند متم يونيو الأخير. وتبقى طوطال للمحروقات أهم الشركات الفرنسية الكبرى المستثمرة بالمغرب والتي ستتأثر بتداعيات التصنيف الائتماني للاقتصاد الفرنسي، وهي التي تستثمر منذ أكثر من 80 سنة بالمغرب وتروج أكثر من مليون ونصف المليون من المنتجات النفطية سنويا عبر 250 محطة للتوزيع، منها سبع محطات على الطرق السيارة محققة رقم معاملات سبعمائة مليار في 2010، هذا بالإضافة إلى مجموعة أكور للفندقة وألكاتيل وأكسا للتأمينات وكارفور للتوزيع ودانون للصناعات الغذائية وفرانس تيليكوم وفيفاندي للاتصال ولوريال للتجميل وآخريات. محمد عفري