المعلوماتية تحمي البيئة ولكن ماذا عن أسرار حياتنا الشخصية؟ المعلوماتية وحماية البيئة، شعارات جميلة يتفق معها الجميع، ولكن الدولة والسلطات المحلية تستخدمها في الكثير من الأحيان، إما لتوفير نفقاتها على حساب حماية المواطن وحياته الشخصية، وإما لجمع معلومات لا يحق لها الحصول عليها. مثالان من فرنسا، ويتعلق الأول بمصلحة الضرائب الفرنسية، التي وضعت خطة تدريجية، انطلاقا من قيمة الضريبة، تفرض بموجبها على دافعي الضرائب الإعلان عن دخولهم عبر الإنترنت، بدلا من النسخة الورقية التي يتم إرسالها بالبريد التقليدي، بحيث يستخدم كافة دافعي الضرائب الشبكة الدولية لإعلانهم الضريبي خلال عامين، بدعوى توفير استهلاك الورق وحماية البيئة، وهو في حد ذاته ليس بالأمر السيء، ولكن من قدموا إعلانهم الضريبي عبر الشبكة هذا العام فوجئوا في النهاية بأنهم مجبرون على تقديم كافة البيانات الخاصة بحسابهم المصرفي لكي يتمكنوا من إتمام إعلانهم الضريبي، وهي معلومات لا يحق لمصلحة الضرائب الحصول عليها عبر الشبكة لأنه يحق لدافع الضرائب أن يسدد ضرائبه بالطريقة التي يشاء، نقدا أو بتحويل مصرفي أو بشيك، ولا مبرر لمصلحة الضرائب في أن تجبره على تزويدها ببيانات حسابه البنكي، ولكن الهدف، على ما يبدو، هو التمهيد لعملية تسديد شهري للضرائب عبر تحويل مصرفي، يمكن أن تصبح إجبارية، مما يوفر على الدولة نفقات كثيرة. المثال الثاني يتعلق ببلدية باريس، وتسديد أصحاب السيارات لرسوم الانتظار في مواقف السيارات والتي كانت تتم بواسطة بطاقة يشتريها المستخدم وشباك إلكتروني يخصم قيمة رسوم الانتظار من البطاقة ويطبع وصلا للمستخدم يضعه في سيارته بصورة مرئيّة بحيث تتمكن الشرطة من التحقق من أنه سدد ما عليه ولا يستحق المخالفة، ولكن الشبابيك الإلكترونية الجديدة تختلف جذريا، ودائما بدعوى حماية البيئة، حيث ينبغي على صاحب السيارة أن يدخل رقم سيارته في الشباك الإلكتروني ثم يسدد الرسوم بواسطة بطاقته المصرفية، ويتمكن الشرطي من التحقق من ذلك بفضل كومبيوتر لوحي متصل بالشبكة، ولكن هذا يعني أن مكان تواجد المستخدم وبيانات بطاقته المصرفية أصبحت بحوزة الجهة المسئولة عن مواقف السيارات في باريس، وهي معلومات شخصية لا يحق لهذه الهيئة الحصول عليها. الهدف من هذه الأمثلة التي قد تبدو لك، عزيزي المستمع، تفصيلية وغير هامة، هو الإشارة إلى تقلص حرياتنا في الاحتفاظ ببياناتنا الشخصية بعيدا عن السلطات المختلفة، سواء المركزية أو المحلية، وإذا كان الأمر يتعلق اليوم ببيانات مصرفية لمصلحة الضرائب ومسئولي مواقف السيارات، فإن حجة التوفير وحماية البيئة بفضل الشبكة الدولية، يعني في مستقبل قريب أن كافة المعلومات الخاصة بِنَا وبحياتها الشخصية ستصبح محفوظة في قواعد بيانات لا نعرف من يستخدمها وكيف سيستخدمها.