أخيرا، تم تعيين الحكومة المغربية الجديدة بعد حوالي 6 أشهر على الانتخابات البرلمانية التي جرت في 7 أكتوبر الماضي. فبعدما عين الملك محمد السادس، في 10 أكتوبر، عبد الإله بنكيران، الذي يشغل رئيس حزب العدالة والتنمية، رئيسا للحكومة، وكلفه بتشكيل حكومة جديدة، تعثر تشكيل هذه الحكومة لمدة تجاوزت 5 أشهر، بسبب ما اعتبره بنكيران "اشتراطات متتالية" من الأحزاب التي كان يجري معها المفاوضات، وخصوصا حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حل في الرتبة الرابعة في الانتخابات بعدد من المقاعد لا يتجاوز 37 مقعدا، والذي أصبح رئيسه الجديد، عزيز أخنوش، بعد استقالة الرئيس السابق، صلاح الدين مزوار، وزير الخارجية السابق. أصبح أخنوش، الذي يوصف إعلاميا بكونه صديق للملك، وأحد أكبر أثرياء إفريقيا، (أصبح) "عقدة" مسار تشكيل حكومة بنكيران، بسبب اشتراطه في البداية، استبعاد حزب الاستقلال الذي حل ثالثا في الانتخابات، من الحكومة، ثم بعد ذلك اشتراط دخول حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الإشتراكي، إلى الائتلاف الحكومي، الذي كان بنكيران يريد أن يبقى مقتصرا على الأحزاب الأربعة التي كانت تشكل الحكومة السابقة، وهي حزب العدالة والتنمية (125 مقعدا في مجلس النواب)، والتجمع الوطني للأحرار (37 مقعدا)، والحركة الشعبية (27 مقعدا)، والتقدم والإشتراكية (12 مقعدا)، خصوصا بعد استبعاد حزب الاستقلال، عقب الضجة التي أثيرت بسبب تصريحات لأمينه العام، حميد شباط، اعتبرت مسيئة للجارة موريتانيا. واستمرت مفاوضات تشكيل الحكومة متعثرة حتى 15 مارس الماضي، عندما قرر العاهل المغربي الملك محمد السادس، تعيين شخصية أخرى من حزب العدالة والتنمية رئيسا للحكومة، خلفا عبد الإله بنكيران، لكنه لم يسم هذه الشخصية. في 17 من مارس عين الملك، سعد الدين العثماني، الذي يشغل رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية (أعلى هيئة تقريرية) رئيسا جديدا للحكومة، وكلفه بتشكل حكومة جديدة. لكن قبلها بيوم واحد خرج حزب العدالة والتنمية، من خلال بيان له، يعلن قرراه "التعامل الإيجابي" مع قرار الملك، لكنه في الوقت نفسه شدد على أن استمرار ما وصفه ب "الاشتراطات" السابقة في مشاورات تشكيل الحكومة المقبلة، "ستجعل تشكيل الحكومة متعذرا أيا كان رئيسها المعين". لكن المفاجئ أنه وعلى غير ما ذهب إليه بيان الحزب، قبل العثماني، بما كان حزبه يصفه ب "الاشتراطات"، وأعلن في 25 مارس عن التوصل إلى ائتلاف حكومي من 6 أحزاب بينها حزب الاتحاد الإشتراكي، الذي رفضه حزب العدالة والتنمية، واعتبر بنيكران، أن انضمامه للحكومة "الغرض منه إهانة الإرادة الشعبية، والإهانة الشخصية لرئيس الحكومة". واكتفى العثماني بالقول لقياديي حزبه إن "دخول حزب الاتحاد الاشتراكي للحكومة قرار سيادي"، ولم يكلف نفسه عناء الشرح. ... وأعلنت الحكومة مع حلول مساء الأربعاء 5 أبريل، كان الملك محمد السادس يعين الحكومة الجديدة برئاسة سعد الدين العثماني، تضم 39 وزيرا وكاتب دولة، مشكلة من 6 أحزاب، بينهم 7 وزراء مستقلون. وتوزعت الحقائب الوزارية بين الأحزاب الستة المشكلة للائتلاف الحكومي، بين 12 وزيرا لحزب العدالة والتنمية، و7 وزراء للتجمع الوطني للأحرار، و5 وزراء للحركة الشعبية، و3 وزراء للتقدم والإشتراكية، و3 للاتحاد الإشتراكي، ووزيران للاتحاد الدستوري. لكن المراقبون يرون أن أكبر الخاسرين من هذه التشكيلة الحكومية هو الحزب الذي يرأسها، والذي يحوز عدد من المقاعد في البرلمان يفوق مجموع عدد مقاعد الأحزاب الخمسة الأخرى المشكلة للحكومة، في الوقت الذي يرى أنصار العثماني، أن مجرد تشكيل الحكومة، بقيادة حزب العدالة والتنمية المحسوب على الإسلاميين، في سياق دولي وإقليمي لا يزال متوجس من الإسلاميين "نجاح في حد ذاته"، ودليل على "المرونة والاعتدال الذي يتمتع بهما رئيس الحكومة وحزبه". "الأحرار" والمستقلون والباقون عند تدقيق النظر في طبيعة الحقائب الوزارية التي أسندت لكل حزب، يقف المتتعبون على ما يتعبرونه حقيقة "هيمنة" حزب التجمع الوطني للأحرار والمستقلين على أهم القطاعات الحكومية الاستراتيجية في حكومة العثماني. فقد حاز المستقلون، والذين يوصفون كذلك ب "التقنوقراط" على أهم القطاعات الاستراتيجية في البلاد، والتي عادة ما توصف ب الوزارت السيادية"، وهي وزارة الداخلية، ووزارة الخارجية، وإدارة الدفاع الوطني، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، والأمانة العامة للحكومة. أما حزب التجمع الوطني للأحرار الذي حل رابعا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، ولم يحصل إلا على 37 مقعدا، فحصل على 7 وزارات توصف بكونها من أهم الوزارات، بينها وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، التي عين على رأسها رئيس الحزب عزيز أخنوش، كما حاز الحزب على وزارة المالية والاقتصاد، ووزارة الصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، ووزارة العدل والحريات، ووزارة السياحة. في حين حصل حزب العدالة والتنيمة على 12 وزارة بينها رئاسة الحكومة، أهمها وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، التي توصف بالشرفية، تقلدها القيادي البارز في الحزب، مصطفى الرميد، الذي أزيح من وزارة العدل والحريات، التي شغلها في حكومة بنكيران السابقة، ووزارة التجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، في شخص عبد القادر عمارة، ووزارة الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة، في شخص عزيز رباح، إضافة إلى وزارات وصفت ب "المتواضعة" وذات الطابع الإجتماعي، ممثلة في وزارة التشغيل والإدماج المهني، ووزارة التضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية، الوزارة المنتدبة في الشؤون العامة والحكامة، والوزارة المنتدبة في العلاقات مع البرلمان، وكتابة الدولة في التعليم العالي والبحث العلمي، وكتابة الدولة في الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، وكتابة الدولة في النقل، وكتابة الدولة في التنمية المستدامة. فيما توزعت باقي الوزارات على الأحزاب الأربعة المشكلة للائتلاف الحكومي، حيث آلت وزارة التربية الوطنية، ووزارة الثقافة والاتصال، وكتابة الدولة في التنمية القروية والمياه والغابات، وكتابة الدولة في الإسكان، وكتابة الدولة في التكوين المهني، لحزب الحركة الشعبية، وآلت إلى حزب الاتحاد الإشتراكي الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، والوزارة المنتدبة المكلفة بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، وكتابة الدولة في التجارة الخارجية، فيما آلت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، ووزارة الصحة، وكتابة الدولة في الماء إلى حزب التقدم والإشتراكية، ووزارة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الإجتماعي، وكتابة الدولة المكلفة بالاستثمار لحزب الاتحاد الدستوري. نيران صديقة لم تسلم حكومة العثماني من الانتقادات التي طالتها من كل جانب، حتى قبل الإعلان عنها، لكن أكثر الانتقادات حدة تلك التي خرجت من بيت العدالة والتنمية نفسه، الذي يشغل العثماني، رئيس المجلس الوطني، وشغل رئيسا للحزب، في الفترة من 2004 و 2008، قبل بنكيران، ففي الوقت الذي قال العثماني، عقب تعيين حكومته، إن «الحكومة الجديدة تمثل الأغلبية وتعكس الإرادة الشعبية»، خرج نائبه في الحزب، عبد العلي حامي الدين، في تدوينة على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، يقول "اسمحوا لي أن أقول بأن حكومتنا -التي نتمنى لها كامل التوفيق والنجاح- ليست نتيجة لتحالفات سياسية بين أحزاب سياسية حرة، وليست تتويجا لتوافقات سياسية عميقة، ولا حتى نتيجة "مساومات إرادية" بين الفرقاء السياسيين، ولكنها تعبير عن إرادة الأقوياء المفروضة على أحزاب مسلوبة الإرادة"، مضيفا أنه "من السذاجة أن نحاول إقناع الناس بأن هذه حكومة سياسية معبرة عن اقتراع 7 أكتوبر". وبل إن عبد الصمد السكال، رئيس قسم التنظيم بالحزب، ذهب ضرورة وضع مسافة بين الحزب والحكومة للحد مما اعتبره "خسائر" تكبدها الحزب، وقال إنه "بعض النظر عن التفاصيل النهائية للحكومة فالأكيد أنه يتوجب العمل على وضع مسافة معها من طرف الحزب والاشتغال على الحد من الخسائر والتحضير الجيد للمرحلة المقبلة". وقالت أمينة ماء العينين، النائبة البرلمانية الأبرز في الحزب، "استمعت إلى تصريح الدكتور سعد الدين العثماني بعد التعيين حيث قال: هذه الحكومة تمثل الاغلبية فهي تعكس الإرادة العامة"، مضيفة "عذرا الأخ سعد الدين، الحكومة التي تترأسها لا تعكس الإرادة العامة. المغاربة يعلمون ذلك ومناضلو الحزب يعلمون ذلك، وأنا واثقة أنك أيضا تعلم ذلك علم اليقين ذلك". في حين قال الحسن الداودي، عضو الأمانة العامة للحزب، والوزير السابق والحالي، إن "أخف الضررين هو ما أقدمنا عليه"، معتبرا في تصريح للصحافة أن حزبه "يتبنى مبدأ تغيير الأحكام بتغيير الأمكنة والأزمنة"، وأنه "بعد تغير الظروف، وبروز مستجدات بالمشهد السياسي، كان لا بد من الحزب أن يتأقلم مع هذه الظروف الجديدة، لأن السياسة هي فن الممكن". في أول تصريح له، عقب تعيين أعضاء الحكومة، قال سعد الدين العثماني، إن "الحكومة الجديدة ستواصل مسلسل الإصلاحات الذي بدأته الحكومات السابقة"، مضيفا أن الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة "اتفقت على المضي قدما في تنفيذ الإصلاحات التي بدأتها الحكومات السابقة، واضعة مصلحة المواطن المغربي فوق كل اعتبار، سعيا إلى تحقيق الأهداف التي وعدنا بها"، موضحا أن "الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة أملته التطورات العديدة التي شهدتها المملكة، إلى جانب الكثير من المعطيات من قبيل ضرورة دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة والإسراع في المصادقة على الميزانية". وغذاة إعلانه عن التوصل إلى تشكيل ائتلاف حكومي، في 25 مارس الماضي، كشف العثماني أن الأحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي، شكلت لجنة لإعداد مشروع البرنامج الحكومي، بالموازاة مع المفاوضات المتعلقة بهيكلة الحكومة وتوزيع الحقائب الوزارية بين الأحزاب. وفي الوقت الذي لم يرشح شيئ بعد عن هذه اللجنة التي تكلفت بإعداد مشروع البرنامج الحكومي، أكد العثماني على أن برنامج حكومته "سيعكس الأولويات الكبرى التي تفرضها المرحلة، وفي مقدمتها إصلاح الإدارة ورفع تحدي جودة الخدمات في التعليم والصحة والشغل، ومقاومة الفساد، وغيرها من الأوراش ذات الأهمية والأولوية"، مضيفا ان الحكومة "ستستحضر أهمية السياسة الإفريقية التي نهجتها المغرب". ووعد العثماني ب "الاستمرار في دعم وإتمام الإصلاحات التي بدأت في إطار الحكومة السابقة بقيادة عبد الإله بنكيران، ومنها بالخصوص إصلاح العدالة ووالاهتمام بالتربية والتكوين والتنمية القروية، والاستراتيجية الوطنية المتعلقة بالطاقة". وفي غياب البرنامج الحكومي، الذي ينتظر أن يعرض على البرلمان لمناقشته والتصويت عليه، لتنصيب الحكومة، فإن وعود العثماني، قد تصدم ب "اشتراطات" أخنوش والاتحاد الإشتراكي، حيث كشف بنكيران، أنه بالإضافة إلى اشتراط استبعاد حزب الاستقلال من الحكومة وإدخال الاتحاد الإشتراكي إليها، كان أخنوش اشترط عدم إدراج بعض أهم الإصلاحات الإجتماعية التي قامت بها حكومة بنكيران خصوصا دعم الأرامل، وأساسا إصلاح نظام دعم المواد الأساسية، وتحرير قطاع المحروقات. وبالموازاة مع ذلك دعا الاتحاد الاشتراكي، بعد يومين من إعلان العثماني عن الائتلاف الحكومي، إلى "إحداث قطيعة مع النموذج التنموي السابق"، وشددت افتتاحية جريدة الحزب، على ضرورة "العمل على تغيير سياسات عمومية، والسعي إلى إحداث قطيعة مع النموذج التنموي السابق، الذي أثبت نقائصه، خاصة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية، مما أفرز هوامش كثيرة، وخصاصا كبيرا، في مفاصل أساسية في المجتمع مثل التعليم والصحة والتشغيل"، في إشارة إلى حكومة بنكيران، التي كان يعارضها الاتحاد الإشتراكي. عينت الحكومة، وانتهت 6 أشهر من الانتظار، لكن معها بدأت فصول "الصراع′′ بين مكوناتها، وأولها البرنامج الحكومي، و"إرث" بنكيران.