قرار الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بعزل مدير جهاز المخابرات العسكرية القوي الذي كان يعتبر في وقت من الأوقات صانع الزعماء السياسيين عزز وضع حلفاء الزعيم المخضرم وأحيى التكهنات بشأن الفترة التي يعتزم خلالها البقاء في السلطة. وأثناء توليه منصب مدير جهاز المخابرات العسكرية طوال عقدين نادرا ما شوهد الفريق محمد مدين علانية إلا في صور غير واضحة لكنه اكتسب شهرة على انه وسيط سلطة يتمتع بنفوذ بالغ حتى ان أحد الألقاب التي اطلقت عليه كان “ملك الجزائر”. وعزل مدين يوم الأحد الذي أعلن في بيان رئاسي مقتضب كان ذروة عامين من الإجراءات التي اتخذها بوتفليقة لإعادة الهيكلة والتطهير والإحالة للتقاعد في جهاز المخابرات العسكرية. وقد يكون أيضا آخر عملية تطهير في صراع على النفوذ بين المخابرات العسكرية والحرس المدني القديم الذي ينظر اليه على نطاق واسع على انه فصائل منافسة منذ الثورة على الحكم الاستعماري الفرنسي في أواخر الخمسينات. وجاء عنوان صحيفة الوطن التي تصدر باللغة الفرنسية في صفحتها الأولى “نهاية حقبة”. وقالت صحيفة ليبرتيه وهي تصف رحيل مدير جهاز المخابرات العسكرية الذي نادرا ما شوهد “انهيار الأسطورة”. ونادرا ما شوهد بوتفليقة (78 عاما) علانية أيضا منذ تعافيه من جلطة دماغية أصيب بها في أبريل عام 2014 وظهر لفترات قصيرة في لقطات مسجلة على شاشات التلفزيون وهو ما أثار تكهنات بشأن نواياه. لكن كبح جماح نفوذ جهاز المخابرات العسكرية يعني فعليا ان الموالين لبوتفليقة يمسكون الآن بقدر أكبر من النفوذ ويقول محللون وزعماء معارضة ان هذا الأمر قد يسمح للزعيم المخضرم من حرب الاستقلال ان يتنحى في نهاية المطاف لحليف. وقال سفيان جيلالي زعيم حزب “جيل جديد” المعارض “ربما نشهد الطريق الى الخلافة. هذه التغييرات ليست أكثر من نتيجة لمعركة فصائل أدت الى انتصار واحدة على الأخرى.” يأتي رحيل مدين في توقيت حساس للجزائر وهي مورد كبير للغاز إلى أوروبا وشريك في حملة الغرب على التشدد الإسلامي في منطقة الساحل بشمال أفريقيا لأنه تثور تساؤلات بشأن إن كان بوتفليقة لديه القدرة على استكمال فترة رئاسته الرابعة المقرر ان تنتهي في عام 2019 . ويقول مسؤولون ودبلوماسيون ان بوتفليقة الذي صعد الى السلطة عام 1999 يتمتع بقدراته العقلية لكنه واهن جسديا ويظهر جالسا على كرسي متحرك عندما يقوم بتحية كبار الشخصيات الأجنبية. وتضررت الجزائر التي يسهم النفط والغاز بنسبة 60 في المئة في ميزانيتها ويمثلان 95 في المئة من صادراتها نتيجة للهبوط الشديد في أسعار النفط العالمية مما أدى الى انخفاض عوائدها من الطاقة الى النصف هذا العام. ويتم انتخاب الرؤوساء والبرلمان لكن يهيمن على السياسة في الجزائر الحرس القديم المخضرم من حزب جبهة التحرير الوطني وينافسهم على النفوذ النخبة من رجال الأعمال وكبار قادة الجيش. لكن على الرغم من التنافس الداخلي يقول محللون سياسيون ان حكام الجزائر يثمنون الاستقرار أكثر من أي شيء آخر منذ الاضطرابات التي أعقبت حربا مع اسلاميين مسلحين في التسعينات قتل فيها 200 ألف شخص وتركت الجزائريين يشعرون بالقلق من الاضطرابات. وإذا تنحى بوتفليقة فإن من بين الأسماء التي تتردد الآن لخلافته عبد القادر بن صالح (75 عاما) رئيس مجلس الشيوخ. ويقول محللون سياسيون انه من الموالين لبوتفليقة وينظر اليه على انه مرشح الاستمرار. ومن المرشحين الآخرين رئيس الوزراء عبد المالك سلال والأخضر الإبراهيمي (81 عاما) مفاوض الأممالمتحدة السابق وأحد المقربين من الرئيس وكان يزوره باستمرار في الشهور الاخيرة. وقال جيف بورتر الخبير بمؤسسة استشارات المخاطر في شمال أفريقيا “اذا كان لرحيل مدين معنى ضمني مهم فهو ان صراع السلطة على الرئاسة انتهى على الأرجح.” وقال “أيا كان ما يراه المرء في الرئيس بوتفليقة ومحمد مدين فان الشكوك فيما يتعلق بالرئاسة تسببت في تعثر الجزائر في العامين الأخيرين ان لم يكن لفترة أطول.” ولم يعلن رسميا الكثير بشأن خلفية مدين. والصور النادرة تظهره على انه يرتدي نظارة ويوجد سيجار في يده – وهو مولع بالسيجار الكوبي – ويرتدي سترة من النسيج الصوفي الخشن ويبدو مثل مدرس أكثر منه مدير مخابرات تلقى تدريبا في جهاز كيه. جي.بي الروسي. وتقول مصادر أمنية انه انضم الى الجيش في عام 1957 أثناء حرب الاستقلال عن فرنسا الاستعمارية واصبح ضابطا بعد الاستقلال عندما تلقى تدريبا في روسيا أيضا. لكن صعوده الى السلطة ونفوذه تزامن مع أوقات عصيبة في الجزائر بلغت ذروتها في حرب التسعينات ضد اسلاميين مسلحين عندما ضرب العنف الريف وأصبحت التفجيرات والاغتيالات في العاصمة أمرا شائعا. ويقول محللون انه في ذلك الوقت وسع جهاز المخابرات العسكرية تحت رئاسة مدين نفوذه الى الوزارات والمكاتب الحكومية والصحف وأحزاب المعارضة تحت ذريعة الأمن الوطني. لكن مصادر أمنية تقول ان بوتفليقة أخرج تدريجيا الجيش من دائرة النفوذ السياسي منذ عودته من فترة امتدت عدة شهور قضاها في مستشفى بباريس بعد اصابته بجلطة دماغية . وفي البداية عزل ضباطا كبارا وفي الآونة الاخيرة أنهى مرسوم مناصب جهاز المخابرات العسكرية في المكاتب الحكومية والوزارات. وربما تتراجع الاعتبارات السياسية أمام المخاوف الأمنية بينما تتطلع الجزائر الى ترسيخ دفاعاتها في مواجهة عدم الاستقرار في المنطقة وخاصة من جانب تهديدات المتشددين الإسلاميين عبر حدودها. والعديد من الإصلاحات في جهاز المخابرات العسكرية قادها الفريق قايد صالح الذي يشغل منصب نائب وزير الدفاع ورئيس الاركان وهو من أقرب حلفاء بوتفليقة. وتقول مصادر أمنية إنه أسند المهام المهمة للمخابرات العسكرية الى قيادة الجيش. والفريق عثمان طرطاق الذي خلف مدين مستشار أمن سابق لبوتفليقة وخبير في محاربة الجماعات المسلحة. وكان فعالا في تفكيك العديد من خلايا الجماعة الإسلامية المتشددة في التسعينات. وقال محلل الأمن المحلي ارسلان شيخوي “يواجه الجزائر مخاطر أمنية جديدة تشمل جماعات ارهابية تتمركز في ليبيا ومالي تحاول العبور الى اراضيها.” وأضاف “وهذا يعني ان المخابرات تحتاج الى التركيز أكثر والتوقف عن الانخراط في السياسة.”