أبت وسائل الإعلام إلا أن تجعل من خبر خطوبة الوزير الشوباني للوزيرة سمية بنخلدون قضية شائكة، رغم سلامة حبهما من الناحية القانونية والشرعية. تناول الباحثون الحقوقيون هذه القضية انطلاقا من السؤال الأخلاقي: هل يجوز للناس أن يتناولوا الحياة الخاصة للشخص العمومي؟ ومن زاوية حدود التعرض للحياة الخاصة للشخصيات العامة؛ فمن قائل بأن تظل الحياة الشخصية على افتراض سلبيتها محترمة وبعيدة عن التناول، ومن قائل أن الشخص العمومي ملك لجميع الناس ويجب أن تنكشف لهم كل تفاصيل حياته لأنها متصلة بأدائه العمومي ومؤثرة فيه. وأما الاعلام المغرض فيتبنى الأخير بزيادة القول والتحوير للتأثير سلبا أو التشويش على الأقل على الأداء الحكومي وحجب الانجازات المهمة لوزير المجتمع المدني المعروف بالالتزام والجدية والإخلاص في العمل. وهي أيضا محاولة إعلامية مدعمة بتحليلات أكاديمية غير موضوعية لإحداث الشرخ في الصف الحكومي وفي الحزب الحاكم، وغايتها النهائية هي التأثير على مركز القرار السياسي. بالنسبة إلينا هذا الموضوع هو فقط مناسبة للحديث عن الفهم العميق للشخصية العمومية وعلاقة حياته الخاصة بحياته العامة، لذا لن نضيف أي شيء من زاوية السؤال الأخلاقي رغم أهميتها وضرورته؛ وفي الواقع، ليس مفيدا أن نوجه اللوم للإعلام "السيئ" أو "المغرض" الذي تناول القضية بطريقة فجة، بقدر ما يهنا أن نتناوله بصفة عامة من زاوية أخرى ومن الجانب المهني انطلاقا من السؤال التالي: هل يجوز للشخص العمومي أن يعيش حياته الخاصة باستقلال عن حياته العامة؟ كيف يستوعب حياته الخاصة في إطار حياته العامة؟ كيف تؤثر القرارات الخاصة به في قيادته للعلاقات العامة؟ ونؤكد أن تناولنا لهذا السؤال المهني مجرد عن حصره في قضية الوزيرين المحترمين؛ فهو للاعتبار وترسيخ الوعي المهني المفروض في الشخص الذي يتولى الشأن العمومي بصفة عامة. تؤكد الدراسات العلمية في العلاقات العامة أن اختلاق الأخبار والوقائع الكاذبة في حق شخص عمومي يتمتع مسبقا بالمصداقية والنزاهة لا يمكن أن تضره في شيء بل تزيده قوة في مواجهتها وتزيد خصمه ضعفا وانتكاسة. ليس هناك ما يضر بسمعة الشخص العمومي أكثر من الوقائع المرتبطة به والصادرة من قراراته والقناعات الخاصة به، والتي يمكن أن يقيمها الناس بطريقة غير مناسبة ومن زاوية ما يسمى "التراجعات" خصوصا إذا ارتبطت بالمواضيع العاطفية الجاذبة للقراء والتي لم يحسب لها حسابا، فيفتح المجال لوسائل الاعلام والجمهور باختلاق التفاصيل والتفسيرات، واستحضار بعضهم للقضايا الخلافية لدعمها وتثبيتها ولتصفية الحسابات السياسية والإيديولوجية مع الحكومة بمناسبة العبء الثقيل والأزمة التي حشرت فيها فجأة. وتثير هذه الإشكالية تحديا أكبر وهو الحرج الكبير الذي يوقع هذا الشخص العمومي فيه إدارته العليا، وإلى أي مدى تستطيع الدفاع عن سمعته وحماية خصوصيته، خصوصا وأن القضية يمكن أن يتسع فيها الجدل ويخرج عن نطاق السيطرة. إن الفكر الأساسية التي يجب أن يعي بها الشخص العمومي هي أنه مسؤول بالدرجة الأولى عن بناء صورته في وسائل الإعلام، لأنه لا يقيم نفسه بالقدر الذي يقيمه الجمهور؛ لذلك ليس من الحكمة أن يفصل بين حياته الخاصة وحياته العامة، ولا أن يعتبر كل الحلال حلال له. إن اتقاء الفصل بين الخاص والعام بهذا المعنى هو ما سماه الفقهاء اتقاء "خوارم المروءة" وهي الأمور التي أرجع كثير منهم معرفتها إلى العرف حسب الزمان والمكان وليس فقط إلى التقريرات الشرعية؛ ونشرحها في هذا المقام بالأمور التي يمكن أن تؤثر على قدرة الشخص العمومي على القيادة والاستمرار في منصبه. لا يمكن إذن لأي شخص عمومي أن يمارس حياته الخاصة بدون حسابات دقيقة، ولابد بالنسبة له من العمل الحكيم الذي يستدعي معتقدات الآخرين ليتمكن من معالجتها من منظور"أنا- أنت" وليس من منظور "أنا فقط"؛ وإن من المهم بالنسبة إليه، فيما يُقْدم عليه من حياته الخاصة، معرفة الاختلافات وتقديرها واحترامها، واتباع سبيل التدافع بالتي هي أحسن؛ ومن المهم فوق كل ذلك تجنب السقوط فيما سماه كريك Craig (2009) "الاستقطاب والعهارة في استراتيجيا العلاقات الانسانية". ما يمكن استخلاصه من هذه الحوادث المفاجئة أن هناك حاجة ملحة، إلى تكوين مهني ومستمر لكل من يتقلد الشأن العام، خصوصا على المستوى الحكومي، يركز على الفهم الشامل للرهانات والاكراهات السياقية والمتطلبات المهنية والأخلاقية للممارسة. ما العمل عند المفاجئة بمثل هذه الأزمات؟ نقترح على الحكومة مجموعة من الإجراءات لعلها تساعدها على تجاوز الأزمة والحد من تطور تداعياتها. حسب الخبراء في هذا المجال لا يمكن في الحقيقة إيجاد حل للأزمة وإلا فليست بأزمة؛ وإنما الممكن فعله هو تدبير الأنشطة للإجابة عنها بطريقة فعالة ومسؤولة. انطلاقا من هذه النظرة يستهجن ما ذهب إليه بعض المتخصصين في العلوم السياسية عندما اقترحوا حلولا سياسية غير ذات موضوع من قبيل إعفاء الوزيرين في قضية مقبولة شرعا وقانونا رغم ما عليها من ملاحظات؛ لأن القضية ترتبط بموضوع العلاقات الانسانية في تخصص العلاقات العامة وليست قضية سياسية؛ كما أن المطالبة بإعفاء الوزيرين حل ملغوم من شأنه خلق أزمة سياسية شاملة وصرف نظر الجمهور عن المنجزات الكبيرة والمهمة التي أنجزتها الحكومة بصفة عامة والوزير بصفة خاصة. ما يقترحه علم العلاقات العامة بهذا الصدد هو أن تتشكل لجنة اليقظة للتدبير الاستعجالي لتحركات الحساسيات التي من مصلحتها الركوب على القضية وتعميق الأزمة. تقوم اللجنة أولا برصد الأخطار، والتخطيط للسيناريوهات المحتملة، ومعرفة المراحل المبكرة لتداعيات الأزمة وامتداداتها في الخارج وانعكاساتها على المجتمع وهويته للاستجابة السريعة لها. وفي إطار الردود السريعة، وليسترجع المسؤول عن الأزمة عافيته، يجب العمل على انقاذ الانتباه الاعلامي من التشريد في القضية الخاصة بحياة الوزير وإعادته إلى جادة الأمور من خلال تفجرات متتالية للقضايا التي تهم المواطنين وتحقق انتظاراتهم؛ لأن وسائل الإعلام ليست دائما متعاكسة، بل إنها متكافلة في أدوار بناء السمعة الحسنة أو تدميرها حسب تفاعل الشخص العمومي؛ فكما أن هذه الوسائل تدمر سمعة الشخص العمومي بإطلالة غير محسوبة على الجمهور، فإنها ذاتها تصنع الوجه الإيجابي بالإطلالة الإيجابية على نفس الجمهور.