مراحيض وأنابيب مسدودة وعفن على الجدران وشراشف قذرة ونقص في التجهيزات... هذه هي الصور التي نشرت على فيس بوك وفضحت حالة المستشفيات العمومية في المغرب. مراقبنا يرى أن الوضع "كارثي" ولن يتحسن بخصخصة قطاع الصحة. لقد أنشأ صفحة فيس بوك "فضائح قطاع الصحة" مجموعة من الأطباء المغاربة في نهاية كانون الأول/ديسمبر 2014. وكان الغرض منها في الأصل التنديد بكلام وزير الصحة الحسين الوردي الذي قال منذ أيام في تصريح له إن تغيّب الأطباء يساهم كثيرا في تدهور الخدمات في المستشفيات العمومية. فلم يتحمل العاملون في قطاع الصحة هذا الكلام معتبرين أن المشكلة الحقيقية هي انعدام الإمكانيات في المستشفيات. وسرعان ما أثارت هذه الصفحة على فيس بوك جدلا في المغرب وجعلت وزير الصحة يشكل لجنة تحقيق لمعالجة ما ظهر في هذه الصور من مشكلات. ولم يصدر حتى الآن أي تقرير. المستشفى الذي أعمل فيه صيانته سيئة رغم وجود حد أدنى من شروط الصحة والنظافة. عندنا قسمان للجراحة ولكننا اضطررنا لإغلاق واحد في بداية فصل الشتاء بسبب تسرب المياه من السقف عندما هطلت الثلوج. أما القسم الثاني فلم تدهن جدرانه منذ سنوات. وفي قسم الجراحة هناك قاعتان بلا أبواب. إن هذا المستشفى لا يخضع لأي معايير. إضافة إلى أن قسم الجراحة ليس مجهزا بما يلزم. مثلا نجد قسم جراحة العظام غير مجهز بطاولة للعمليات. لذلك فرغم وجود عدد كاف من الأطباء لا يمكننا العمل أو نكتفي بإجراء عمليات بسيطة لا تتطلب الكثير من الإمكانيات وبتخدير موضعي مثلا. بدأت العمل في هذا المستشفى منذ ثلاث سنوات. في السنة الأولى أجريت ست عمليات جراحية بسيطة فقط، فيما كنت أشارك في عشرات العمليات يوميا عندما كنت طبيبا متدربا في فرنسا. أحد زملائي جراح متخصص في الأنف والحنجرة لا يستطيع حتى أن يجري عملية استئصال اللوزتين لمرضاه. "المغاربة الموسرون يتعالجون في المستشفيات الخاصة" الأطباء عندهم نقص في المهارات المكتسبة عن طريق الممارسة وهذه مشكلة يعاني من عواقبها المرضى. فنجد مثلا أن مرضى الغدة البروستاتية الذين يجب أن يخضعوا لعمليات جراحية تعتبر من العمليات الاعتيادية يضطرون لشراء كل المستلزمات من المسبار إلى الكاميرات الجوفية الصغيرة وغيرها من المعدات التي قد تناهز تكلفتها 400 يورو [هيئة التحرير: أي ضعف الحد الأدنى للأجور في المغرب تقريبا]. وعليهم أن يدفعوا كامل التكلفة في الوقت الذي يفترض أن يجروا الفحوص والعمليات مجانا. والقليل من المرضى يملكون الإمكانيات. ويظل الحصول على الرعاية الصحية عنا مشكلة معقدة للغاية، خصوصا بالنسبة إلى الأفقر حالا. ولذلك فإن المغاربة الموسرين يتعالجون في المستشفيات الخاصة وليس في العمومية.
أما المشكلة الرئيسية الأخرى فهي أن المستشفى يكاد لا يكون فيه نظام للتدفئة. هناك تدفئة تعمل بالمازوت ولكنها غير مشغلة، حتى في عز فصل الشتاء إلا عند الزيارات الرسمية. فقد شغلوها مثلا قبل قدوم إحدى اللجان منذ أسابيع في إطار تحقيق فتح إثر نشر صور على صفحة فيس بوك "فضائح قطاع الصحة". وهناك خمسة أو ستة أجهزة تدفئة في المستشفى وهذا قليل جدا... وجميع المستشفيات الحكومية تعاني من هذه المشكلات، رغم أن بعض المؤسسات الكبيرة مجهزة أفضل من غيرها. والأسوأ من ذلك، أن وزاة الصحة تتهمنا بأن كل ما يحدث هو بسببنا! إذ يرى المسؤولون أن الأطباء لا يؤدون مهامهم وأنهم فاسدون... هذا الكلام يغيظنا. صحيح أن هناك فساد ربما بسبب الرواتب الزهيدة. [هيئة التحرير: الصحة العمومية من القطاعات الأكثر تضررا بالفساد في البلد حسب منظمة الشفافية بالمغرب ترانسبارنسي المغرب]. وفي القطاع العمومي يصل دخل الطبيب العام إلى 700 يورو والطبيب الاختصاصي 1100 يورو في بداية المسار المهني. ويصل دخل الطبيب الاختصاصي في نهاية الخدمة إلى 2100 يورو. "أنوي العمل في القطاع الخاص بعد ثلاث سنوات" "لا يبدو أن الوضع هنا سيتحسن لأن استثمار الدولة يقل شيئا فشيئا. [هيئة التحرير: عام 2012، خصصت نسبة 6% من الناتج الوطني الإجمالي لقطاع الصحة حسب ما ورد عن منظمة الصحة العالمية، أي أدنى نسبة يمكن أن يخصصها بلد ذو دخل متوسط لهذا القطاع كما قالت هذه المنظمة]. وفي 4 شباط/فبراير، تم التصويت على القانون 131-13 الذي يجيز لأي مستثمر خاص - مغربيا كان أم أجنبيا وتجدر الإشارة هنا إلى بلدان الخليج- شراء المستشفيات. [ويرى وزير الصحة أن هذا سيتيح لقطاع الصحة أن يحصل على مزيد من الاستثمار وسيتيح تسوية أوجه التباين بين الجهات والأقاليم. ولكن الأطباء وبعض المنظمات غير الحكومية تحتج على ذلك]. قطاع الصحة يسير أكثر فأكثر نحو الخصخصة مثله مثل قطاع التعليم الذي أصبح متنافرا تنافرا تاما. ولكل هذه الأسباب أنا أنوي العمل في القطاع الخاص بعد ثلاث سنوات من الآن عند انتهاء عقدي مع الدولة الذي يلزمني بالعمل ثماني سنوات. إن المشكلات التي تحدث عنها مراقبنا والواردة على صفحة فيس بوك "فضائح قطاع الصحة" ليست جديدة. ففي عام 2011 أطلق الطبيب محمد الزعري الجابري مدونة اسمها بالفرنسية "Mémoires d'un Neurochirurgien schizophrène (مذكرات جراح أعصاب منفصم الشخصية) وكان يقدم فيها شهادة عن ممارسته اليومية لمهنته. وقد حاولت فرانس24 الاتصال بوزارة الصحة المغربية لسماع ردها على ما جاء في شهادة مراقبنا ولكن لم يصلنا أي جواب وسننشر أي رد يصلنا لاحقا.