لا شك أن المنتدى العالمي لحقوق الإنسان، ومنذ دورته الأولى التي انعقدت قبل سنة بالعاصمة البرازيلية، والتي بصم خلالها المغرب على حضور فاعل توج باختياره لاستضافة الدورة الثانية من هذا الموعد الحقوقي، الذي تتواصل أشغاله حاليا بمراكش، أسس لبناء آلية حقوقية عالمية جديدة تدافع عن التصور الجنوبي للشأن الحقوقي. فالمغرب الذي يتقاسم والبرازيل التوجه نحو بلدان الجنوب، لاسيما بإفريقيا والعالم العربي وأمريكا اللاتينية، ساهم في وضع الحجر الأساس لبناء هذه الآلية من خلال مشاركته بأكبر وفد أجنبي في الدورة الأولى من هذا المنتدى التي احتضنتها العاصمة البرازيلية قبل سنة، وها هو يساهم اليوم في بناء ركائز هذه الآلية من خلال استضافة النسخة الثانية التي تتميز بتوسيع دائرة المشاركين وكذا المواضيع المطروحة للنقاش. وإذا كانت دورة برازيليا عرفت مشاركة وفود من حوالي ثلاثين بلدا، فقد اتسعت دائرة المشاركة، بشكل جلي، في دورة مراكش، حيث انتقل عدد البلدان المشاركة إلى حوالي مائة بلد من مختلف أرجاء العالم، فضلا عن حضور المفوضية السامية لحقوق الإنسان وكل آلياتها وفاعلين دوليين آخرين في المجال الحقوقي لم يحضروا النسخة الأولى، انسجاما وسعي المملكة إلى تكريس البعد العالمي لهذه الآلية الحقوقية الجنوبية بما يسهم في إغناء كونية حقوق الإنسان. فدول الجنوب باتت على وعي كامل بضرورة إثبات نفسها كفاعل أساسي في مجال حقوق الإنسان من خلال فرض رأيها وتصورها للقضايا الحقوقية وبلورة تقارير جنوبية في المجال، بدل أن تكون فقط محط تقارير دولية قد تجانب الموضوعية والإنصاف في بعض الأحيان. وقد أكد الملك محمد السادس، في رسالته السامية التي وجهها إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان، على حتمية هذا الخيار الحقوقي بالنسبة لدول الجنوب، حيث شدد على أن "الدول النامية، وإفريقيا بصفة خاصة، تطمح إلى لعب دور فاعل في عملية إنتاج القوانين في مجال حقوق الإنسان، ولا ترضى بأن تظل مجرد مواضيع للنقاش والتقييم، أو حقلا للتجارب"، ذلك أن إفريقيا لم تساهم في وضع القانون الدولي لحقوق الإنسان، ولذلك فهي "مطالبة بإغنائه، بثقافتها وتاريخها وعبقريتها، ليسهل عليها تبنيه".