لآن، بعد أكثر من ثلاثة أيام على وضع حرب موازين أوزارها، وتحرير العاصمة من هذا التوثر غير المبرر في طرقاتها وشوارعها، خاصة المؤدية إلى المنصات التي تحتضن نجوم الإيقاع في العالم.... الآن فقط يحق لنا الحديث مع وحول موازين.... ما كان يمكن ذلك قبل اليوم، حتى لا ننعت بالعدمية والتخلف، ونظرا أيضاً لذلك الزعيق المؤدى عنه في الكثير من الجرائد الورقية والإلكترونية، التي تبتدأ صباحتها بصراخها الطفولي: واااااااااو... فورميدابل، حقق ستروماي نسبة حضور بلغت 183000 متفرج... ورقص المغاربة عن بكرة أبيهم رفقة هذا المغني البلجيكي الأبله.... ما كان يمكن ذلك أيضا، لأن جمعية مغرب الثقافات، قررت الوقوف بالمرصاد لكل من حاول فتح فمه منتقدا المهرجان، وبأي شكل من الأشكال... لنتفق أولا أننا لسنا ضد المهرجانات بشكل عام، في عمقها التاريخي، المهرجانات من سلالة الفرح الجمعي المغربي، والتي كانت تسمى مواسماً، تعقد عند نهاية كل سنة فلاحية تتوج بجمع المحاصيل الزراعية، وتتخذ كفرصة سنوية للترويح عن النفس والفرح والاستمتاع بالراحة، استعداداً لموسم آخر مقبل....ولنتفق أيضاً أنها من آليات الضبط والتحكم، عبر إيجاد فرص للمواطنين من أجل استخراج شحنة الاحتقان المكبوحة في صدورهم وحناجرهم، بدل تفريغها في أشكال أخرى تجعل من الدولة هدفا صداميا لها..... وتبقى في الأخير، أي المهرجانات، مؤسسات اقتصادية، تحكمها قوانين المحاسبة، ولها أهداف مادية محددة، تساوي فيها بين المردودية وبين التكلفة... لذا مقاربتنا لميزان موازين، ليس نابعا عن فكر إقصائي ظلامي، بل بالعكس، سبق وأن كتبنا في منابر عديدة، أنه لا يجب التفكير في انتقاد موازين، بمبررات أخلاقية ومرجعيات دينية محافظة، بل يجب فعل ذلك من منظور المصلحة العليا للبلد، وفي أفق تطويره ودمجه ضمن مشروع تأهيلٍ للبناء الثقافي العام، خدمة لقضايا الوطن والمواطنين.... من هنا وجب إبداء الملاحظات التالية، راغبين طبعا في توضيحات، سواء من القائمين على هذا المهرجان، أو من طرف التابعين له "بالنافخ" يطبلون لإنجازات لا يرونها سوى في أحلامهم..... عدا عملية رفع العلم الوطني، والتي فيها الكثير من الأخد والرد، وتسبب الكثير من الإحراج للكثير من الفنانين، وهو ما عبر عنه المغني الجزائري، بلال، عدا هذه العملية، ماذا حقق مهرجان موازين للقضية الوطنية مثلا؟ هل حمل أحد النجوم، الذين نتباهى بجلبهم لأكثر من المائة ألف مشاهد، أو الذين يعزفون لحضور مخملي، من سفراء وقناصلة وأطر أجنبية، في مسرح محمد الخامس أو في أحد القاعات المغلقة.... هل حمل أحدهم مكروفونه، وطالب المنتظم الدولي، أو عبر بنفسه، على مساندته لمطالب المغرب في الإقاليم الجنوبية....؟ لمعلومات القائمين على موازين، تستفيد جبهة البوليساريو من دعم الكثير من الفنانين ذائعي الصيت، وبالمجان..... هل سبق لإحد هؤلاء النجوم أن شجع مواطني بلده كي يزوروا المغرب كوجهة سياحية تحتاج الدعم؟ هل يستطيع القائمين على مهرجان موازين، أن ينشروا احصائيات بنسب امتلاء الفنادق في العاصمة الرباط، والتي تؤشر على جاذبية المهرجان الخارجية، سواء خارج العاصمة الرباط أو خارج البلد، المغرب... ونعني بالفنادق هنا، تلك المتوسطة لا الفنادق المصنفة والتي تحجز للنجوم وفرقهم ومرافقيهم على حساب ميزانية المهرجان في حد ذاته....؟ هل يمكن رصد حركية المطاعم والنقل ومختلف الأنشطة المرتبطة عادة بالمهرجانات ومدى استفادتها من هذا الصخب الذي يطبلون له ليل نهار؟ والمهرجان يحمل اسم ايقاعات العالم، والتعريف بالثقافة المغربية ما وراء الحدود، هل يمكن للقائمين عليه أن ينشروا بيانات حركة المطارات المغربية المرتبطة بهذا المهرجان، وعدد السياح الذين اجتذبهم وكان سببا في حضورهم إلى المغرب؟... الظاهر للعيان أن بعض المغاربة هم من يتعرفون على النجوم العالمية، هل تستطيع جمعية مغرب الثقافات أن تنشر بيانات عن العقود الفنية التي أبرمت بين النجوم المغاربة، المهملين أصلا في هذا المهرجان، وبين شركات انتاج عالمية، أو بين نجوم من العالم، وكان المهرجان سببا في هذا التعاقد؟ وأخيرا، حتى وإن كان انتقاد تمويل المهرجان من المالية العمومية قد تم التصدي له بالتكذيب تارة، وبالتبخيس مرة أخرى، فإن تسريب وثيقة مساهمة المكتب الشريف للفوسفاط يطرح الكثير من الأسئلة، ناهيك عن الأضرار التي يلحقها تحويل أجور هؤلاء النجوم نحو حساباتهم الخارجية، مع ما يشكله من استنزاف للمخزون الوطني من العملة الأجنبية، في ظل أزمة تنذر بعجز البلد برمته على دفع مستحقات وارداته.... لا يمكن المطالبة بمنع المهرجان، ولو أن في منعه خير لهذا البلد، لكن يجب التفكير في إعادة صياغته وفق أهداف تخدم البلد، سياسياً، اجتماعياً واقتصادياً.... التفكير الآن، وعلى مرمى سنة من انعقاد دورته المقبلة، لعل في الحوار العمومي حوله ما يمكنه من إعادة التصويب نحو ما ينفع البلد.... لا ما ينفع القائمين عليه وحدهم....