قمة الإنحلال الخلقي والإنحطاط السياسي، أن تجد في كل خطابات السياسيين والبرامج الحزبية، أن المواطن المغربي في قمة الأولويات ، وهدفهم إيجاد الحلول للمواطن والبحث عن كل ما ييسر حياته في المجتمع والبحث عن تحقيق العدل والمساواة ومحاربة الفساد والاستبداد الذي ينخر الوطن والمواطن على السواء، وتوفير جميع متطلبات الحياة التي يحتاجها. المواطن المغربي هو النوطة الأبرز التي تعزف في كل حملة انتخابات وفي كل مغازلة تلفزية أو خطاب سياسي، فيتفنن السياسي في المديح وإلقاء قصائد الحب والعشق في المواطن، والتوسل بقبلاته ونظراته الرومانسية عبر شاشة التلفاز إلى مرسول السلطة، الذي سيضمن له الجسر الذي سيمر به إلى الحب الحقيقي ومعانقة الكراسي المريحة ومضاجعة ميزانيات الحسابات الخاصة في صالونات مخملية بعيدة عن الأضواء، وتوفر للعاشق ملاعبة دفاتر الشيكات كما يحلو له ويصرفها كما يشاء _وخدمة للصالح البلد والخوف على الذهاب به إلى العنف والفوضى نتسامح معه ونقول له عفا الله عما سلف_، ويتسلى في خدرها بكل ما طاب من شوكولاطة فرنسية فاخرة من نوع " الكروج" وباقات وروود بملايين الدراهم، واقتناء شقتين بباريس _على الذوق الفاسي الراقي_ لزيارتها إن أتيحت لهم الفرصة، وكعربون محبة المعشوقة تملأ حساب سري للعاشق المتيم في سويسرا خلسة عن أبناؤها البررة الذين ينتظرون عطفها منذ ولادتهم، وتتخذ له من عرصة "الليمون" مكان إقامته الميمونة ليكون قريب من قلبها، وتصرف له راتب شهري مغري وبريمات مخمخة نظير أتعابه، وتعاهده بآخر صداق محترم بعد نهاية ولايته . المواطن المسكين التي يكون قنطرة الوصول إلى الغنائم التي يتسابق عليها السياسيون، يصبح قنطرة مشؤومة في نظرهم والعودة إليها، تذكرهم بأيام الزلطة والفقر السياسي، ولا يتورعوا دائما إن وجدوا فرصة سانحة للزيادة في معاناته، ليظل دائما إنسان يلهث وراء إيجاد لقمة العيش لأولاده، ولا يجد الوقت لمحاسبتهم وانتقاد سياساتهم الفاشلة. بئيس جدا منظر المترشحين في حملاتهم الانتخابية، كيف يقفون في حر الشمس ويوزعون منشوراتهم اللعينة التي تبقى شاهدا على كذبهم، ويطرقون الأبواب ويستعطفون الفقراء، ويتقربون بالقرفيات وبونات ديال لحمام وكل ما يمكن أن يجلب لهم الأصوات المؤهلة إلى البرايم الأخير والحصول على الكرسي الكبير. حملة الاغتصاب الانتخابي على الأبواب من جديد، وسيعاد السيناريو ككل سنة، وسيخرج المواطن من جديد هو الخاسر، وننتج من جديد طبقة سياسية تكسب الثروة وتربط العلاقات وتنهب ثروات و ممتلكات البلاد، وهكذا دواليك إلا أن نعزم عن تغير ما بأنفسنا لنستطيع تغيير واقعنا. لابد للتغيير،أن يمر من مشرحة الشعب أولا، وأن يهيئ على نار العلم والفكر والتؤدة والحلم الهادئة، بعيدا عن العنف والتسرع في جني الثمار والتسابق نحو الكراسي والشهرة والإستوزار، ومعاقبة الخونة الوصوليين ومصاصي الميزانيات، بعقاب التخلي الإرادي، وتركهم يموتون موت سريري، موت على فراش سياستهم الحزبية المقيتة والخبيثة، وبعد أن يعزف المواطن عن القطع مع بطائق الاغتصاب، وعدم زيارة صناديق العار والتزوير، وهجران مواسم الركوع، والتخلي عن أفكار العبيد والخنوع، وكنس الاستبداد الجاثم على العقول، وطرد قطاع الطرق السياسي، المشعوذين الدجالين من مخيلة المشهد السياسي، وعدم تصديق تخاريفهم، وهجر زواياهم اللعينة، التي تمدد في حياة الغول اللعين، بوصفاتهم الحزبية الممزوجة بالتسويف والأماني المعسولة والتخويف من المستقبل، والركوع للواقع والقبول بالفتات والرضي بأنصاف الحلول. التغيير لايكون في لحظة زمنية مؤثثة بأحداث وتغييرات طارئة، تعم بها نسائم الحرية وعبق العدالة الاجتماعية، وتوزع بها ورود الكرامة، بل التغيير الحقيقي ليس لحظة زمنية معزولة ولا فرصة تاريخية مجردة عن بناء الأساسات القادرة على توفير إمكانيات استثمارها الحكيم ، فهو نمط وسيرورة تاريخية لا تعرف بداية محددة وليس لها نهاية، تبدأ من نفوس تواقة للعدل والكرامة وبدل الغالي والنفيس، وتستشرف المستقبل بعين الحالم والمؤمن بغد أفضل، تطرد الخوف من النفوس وتشيد صرح العمران الأخوي، الكفيل بإنهاض الأمة من نكستها.