استيقظت نوال كعادتها باكرا ؛ فامامها يوم شاق كسائر أيامها ؛ منذ أن وعت على الدنيا ؛ و منذ أن فارقت أمها الحياة ؛ أصبحت هي ذي العشرين ربيعا اما لأخيها الصغير مروان ؛ فهو أملها بعد الله في هذه الحياة الحزينة ؛ و تستمد من عينيه العسليتين ؛ و ابتسامته الملائكية القوة لتواجه شظف العيش و قسوته .لم تسعفها الظروف أن تكمل دراستها و حكمت عليها الظروف أن تشتغل كعاملة نظافة بمعمل الحاج رضوان .لكنها أقسمت لأمها و هي طريحة الفراش تصارع المرض الخبيث بأن تكد و تجتهد ليلا و نهارا ليصبح مروان طبيبا . و هي تحضر وجبة الإفطار قبل أن توقظ ملاكها ليوجه إلى المدرسة ؛ :مسحت بكفيها دموعا ؛ لا تستطيع مقاومتها كلما مر بذاكرتها شريط حياتها و حياة أمها ؛ لا تريد أن يراها مروان ضعيفة و مستسلمة .و هي تحمص الخبز و تحضر الشاي ؛ استيقظ مروان و اقترب منها و طبع قبلة على جبينها ؛ و راح يهيئ أغراضه المدرسية .و هو يؤدي صلاة الصبح ؛ شرعت نوال تحدق إليه و الفخر يملأ قلبها الجريح ؛ نعم لن تندم ابدا على رفضها الزواج بكل من تقدم اليها من الرجال ؛ فهي ستسخر حياتها لهذا الطفل ؛ ليصبح رجلا بمعنى الكلمة و طبيبا كبيرا .انطلق مروان إلى مدرسته ؛ و شرعت نوال تتهيء للخروج ؛ فاليوم أمامها عقبة عليها أن تتخطاها ؛ فهي على موعد مع صاحب المعمل الحاج رضوان ؛ لتقدم له طلب سلفة ؛ فعيد الأضحى على الأبواب ؛ و لا تريد أن تحرم مروان من فرحة العيد .عليها أن تسرع لهذا استقلت الحافلة ؛ وو سط الزحام انتدبت لها مكانا قصيا و سرحت بأفكارها في ماض وشم ذاكرتها بالألم و الحزن ؛ أغمضت عينيها الساحرتين و رأت نوال الطفلة في الثامنة من عمرها ؛ رفقة والدتها و هي تسرع الخطى و تحكم قبضتها على يد طفلتها لكي لا تتوه منها في الزحام ؛ اقتربتا من دكان حلاقة في حي شعبي ؛ و أستاذنت صاحب الدكان في الحديث ؛ تردد الرجل كثيرا قبل أن ينصاع لطلب أمها ؛ و حين خرج راح يرمق الطفلة بنظرات احتقار و أمها بنظرات غضب ثم خاطب أمها بغطرسة و عنف كبيرين :الم أقل لك بأني لا أريد رؤيتك مجددا ؛ قاومت الأم غصة في الحلق ؛ و تمتمت :أرجوك استحلفك بالله ان ترحم ابنتك من قسوة الناس امنحها فقط اسمك لا تجعلها تدفع خطأ نزوتنا .أطلق الرجل ضحكة ساخرة ما زال صداها يتردد في رأس نوال ؛ و رمق الطفلة مجددا بسخرية و استهزاء ؛ و خاطب أمها :انت اعترفت بأنها نزوة و ما أدراني ليست ابنة نزوة مع رجل آخر ؟ لن تنس نوال ما قدر لها أن تحيا تلك النظرات و لا تلك القهقهة التي غرست في قلبها و قلب أمها خنجر الإهانة و الألم ؛ الألم الذي قضى على أمها و أقعدها الفراش تصارع المرض الخبيث لتنتقل إلى عفو الله ؛ تاركة لها أخيها غير الشقيق مروان ؛ لن تنس نوال أن قاتل أمها ليس السرطان بل أبوها البيولوجي . و صلت نوال إلى المعمل و طرقت باب الكاتبة التي أمهلتها بعض الوقت ريثما ينهي الحاج رضوان بعض المكالمات .جلست تنتظر و أمل كبير يحذوها بأن لا يرفض الحاج رضوان طلبها ؛ أي نعم لم يسبق لها أن التقت صاحب المعمل الذي تشتغل فيه ، لكنها تسمع بأنه رجل طيب و محب للخير و الاحسان .نادتها الكاتبة و اذنت لها بالدخول ؛ توجهت نحو مكتبه و قلبها يرجف ؛ و نظرات مروان تلاحقها ؛ و شرعت تدعو أن لا يرفض الحاج رضوان و أن لا يحرم أخيها فرحة العيد ؛ أستاذنت و دخلت ؛ كان الحاج رضوان رجل في الخمسين ؛ غزا الشيب مفرقه ؛ حين رأى نوال لم يخف إعجابه بجمالها الأخاذ و سحر عينيها العسليتين ؛ و قدها الممشوق ؛و راح يفكر كيف سيساعد هذه الفاتنة ؛ للوهلة الأولى لم تستطع نوال أن تنزل نظراتها عليه ؛ و تسمرت في مكانها برهة و احست برعشة تسري في اوصالها ، و رغبة جامحة في الهروب .الحاج رضوان أي نعم من النوع المحب لفعل الخيرات و يؤمن كثيرا بأن الحسنة تذهب السيئة ؛و اليوم تقف ماثلة أمامه سيئة جميلة و حسنة فاتنة ؛فجأة و نوال تحدق فيه و كأنها رأت شبحا استسلم لنزوته بضم الفتاة بين ذراعيه ؛ فهما لوحدهما ؛ و المكتب مغلق ، وو حتما سيروقها الأمر لأنه سيجزل لها العطاء و قد تصبح خليلته ؛ اقترب منها الحاج رضوان و هم بمعانقتها ؛ فدفعته بكل ما اؤتيت من قوة :وصرخت ، و يحك ابي أتريد أن تستسلم مرة أخرى لنزوتك و مع فلذة كبدك التي رميت بها إلى الشارع دون رحمة ؟