جائزة أحسن لاعب أفريقي داخل القارة السمراء التي حصل عليها للمرة الثالثة في تاريخه نجم كرة القدم المصرية المعتزل حديثا، تعتبر خير تتويج لمسيرة اللاعب الكروية والشخصية، فقليل جدا من النجوم على مستوى العالم من يعتزل وهو في قمة مستواه وعطائه وقادر على حصد المزيد من الجوائز والألقاب.. فعلها أبو تريكة ضاربا المثل في اعتزاله كما كان مضرب الأمثال في نجوميته وفنه وأخلاقه طوال حياته الكروية الحافلة، فلم ينتظر حتى تهتف ضده الجماهير لإخراجه من الملعب كونه أصبح عبئا على الفريق الذي يمثله، ولا إلى أن يضطر المدير الفني لفريقه بإشراكه دقائق معدودات بدافع التكريم لا الاستفادة.. فاعتزل النجم كما يقولون وهو واقفا على قدميه.. التحية الأخيرة للاعب جاءت افريقية خالصة سواء بحصوله مع ناديه الأهلي على كأس رابطة الأبطال الأفريقية للمرة الخامسة في تاريخ اللاعب، أو احتفال التتويج بجائزة اللاعب الأفضل أفريقيا داخل القارة.. ليتربع النجم المحبوب على عرش من الانجازات والألقاب منها المشاركة مع المنتخب المصري في حصد لقب بطولة أفريقيا مرتين عامي 2006 – 2008 .. وتمثيل القارة الإفريقية في بطولة العالم للقارات والمشاركة في الأداء الأسطوري للمنتخب في مباراتي البرازيل ( 2-3 ) والفوز الكروي التاريخي على إيطاليا بهدف حمص (1-0 ).. والوصول مع المنتخب المصري مرتين للمباراة الفاصلة للصعود إلى كأس العالم أمام الجزائر في تصفيات 2010، وأمام غانا في تصفيات 2014، بعدما كان خروج المنتخب المصري مبكرا سواء لتأخر الترتيب في المجموعة أو الخروج المبكر كما حدث في تصفيات نسخ 1994-1998-2002-2006 ومع النادي الأهلي فاز بكأس دوري رابطة الأبطال خمسة مواسم أعوام ( 2005-2006-2008-2012-1013 ) وكأس السوبر الأفريقية أربع مرات.. والدوري المصري سبع مرات، وكأس مصر مرتين، وكأس السوبر المصري خمس مرات.. وهي الانجازات التي ربما لن يحققها إلا أبو تريكة أو واحد من زملاء جيله! بالإضافة إلى سجله الشخصي الذي حصل فيه على لقب هداف دوري أبطال إفريقيا 2006، وهداف كأس العالم للأندية 2006، وهداف الدوري المصري عامي 2005-2006.. كما فاز بلقب أحسن لاعب عربي، وثاني أفضل لاعب أفريقي داخل وخارج افريقيا2008- وأحسن لاعب أفريقي محلي ثلاث مرات (2008-2012-2103)، كما دخل نادي المائة بين الهدافين الكبار للدوري المصري.. ليصبح واحدا من أهم اللاعبين في تاريخ مصر والذين لا يتجاوز عددهم سبعة لاعبين مع الشاذلي وحسام حسن ومصطفى رياض والضظوي والخطيب وأحمد الكأس.. كما دخل تشكيل منتخب إفريقيا ثلاث مرات، وتشكيل منتخب العالم للقارات عام 2009، واختير ضمن فريق نجوم العالم للأعمال الخيرية.. كما اشتهر أبو تريكة بتسجيله عددا من الأهداف الحاسمة التي تعد تاريخية في سجل كرة القدم المصرية والإفريقية والعالمية كذلك.. كان الهدف الأغرب والأشهر والأكثر دراماتيكية هو الذي سجله في اللحظات الأخيرة من مباراة الصفاقسي على ملعب رادس في تونس الشقيقة الخضراء في نهائي كأس رابطة الأبطال 2006- وإحرازه ضربة الترجيح الأخيرة في كأس أمم أفريقيا 2006 بالقاهرة- وهدف الفوز بكأس الأمم 2008 في مرمى الكاميرون- وهدف الصعود للمرحلة الثانية من تصفيات كأس العالم 2010 في مرمى الكونجو في العاصمة الكونغولية- وهدفه الشهير المثير للجدل في مباراة طلائع الجيش في نهاية دوري موسم2008-2009 الذي أعاد الأهلي للفوز بالبطولة بعد مباراة فاصلة مع الإسماعيلي- وكان هدفه الوحيد في مرمى المنتخب الجزائري عندما انهار المنتخب المصري وأصيب بثلاثية سببا في لعب المباراة الفاصلة بعد ذلك في أم درمان.. حيث فازت مصر بالقاهرة بهدفين دون رد.. فلولا هدف أبو تريكة بالجزائر ما أقيمت مباراة أم درمان الفاصلة وفق التفسير العجيب الذي قدمه الفيفا في ذاك الوقت للعب تلك المباراة مع التغاضي عن قاعدة احتساب هدف أبو تريكة خارج الأرض بهدفين المعمول بها في ذات التصفيات التي يشرف الفيفا عليها في مباراة السعودية والبحرين!! الأعجب على الإطلاق في تاريخ بطولات الأندية الإفريقية كانت الثلاثية التي سجلها تريكة في آخر نصف ساعة من مباراة الأهلي ( وهي عدد الدقائق التي لعبها اللاعب من عمر المباراة حيث كان احتياطيا ونزل ليسجل ) في إياب دور ال16 وكانت هذه الثلاثية مطلوبة لدخول الأهلي دوري المجموعات ثم ينطلق من بعد لحصد اللقب!! حتى في مباراة الذهاب مع غانا في نهاية تصفيات كأس العالم2014 ، عندما غاب المنتخب المصري بقيادة الأمريكي برادلي عن اللقاء كان أبو تريكة حاضرا بهدفه الوحيد من ضربة جزاء في المرمى الغاني، وفي مباراة العودة ودع أبو تريكة اللعب الدولي بالكرة التي أرسلها على رأس عمرو زكي ليسجل منها هدف مصر الأول.. اشتهر أبو تريكة بالإضافة إلى أهدافه القاتلة بابتسامته الساحرة على أرضية الملعب خاصة في أحلك المواقف، ونظرته البريئة وهو يطالب الحكام باحتساب ضربات الجزاء أو الأخطاء حول منطقة جزاء الخصم بمجرد نظرة عين! هذه الصفات جعلت الجماهير تتغنى وتغني لأبو تريكة كما لم تغنِ لنجم مصري من قبل، ولقبوه بالفنان.. ولقبه معلقي كرة القادم، بالساحر، وأمير القلوب، والقديس، أما المعلق التونسي الشهير عصام الشوالي فخصه بلقب الماجيكو ( الملك ).. ولأن نجومية أخلاق أبو تريكة لم تختلف أو تقل عن نجوميته في عالم الساحرة المستديرة، فكان قدره كما يجب أن يكون دائما قدر النجم الكبير حاضرا في المناسبات الوطنية والشعبية وإلا تحول إلى أراجوز تحركه الأيدي الخفية!! فعايش تريكة قضايا وطنه وشعبه وأمته، واشتهر بمواقف محددة منها رفعه (التي شيرت) الشهير بعبارة ( كلنا فداؤك يا رسول الله ) في نهائي أمم أفريقيا 2006 في إستاد القاهرة.. وشعار تعاطفا مع غزة في بطولة الأممبغانا 2008- وانسحابه من حفل غنائي شهير أقيم في إستاد القاهرة لتكريم المنتخب لشعوره بصخب الأجواء بما يفوق حد الاعتدال والمعقول- ومحاضرته في الكنيسة المصرية عن عمق العلاقات بين إخوة الوطن في أعقاب شائعات صحفية اتهمته بالنيل من الأخوة النصارى في تصريحاته وقتها عن مانويل جوزيه الأمر الذي نفاه جملة وتفصيلا، وزار الكنيسة وألقى كلمة من شأنها تعميق أواصر الأخوة الوطنية الواجبة- حضوره جمعة التنحي 11-فبراير 2011 في ميدان التحرير محاولا التخفي منعا لانشغال الثوار به عن مهمتهم الثورية- ثم رفضه لعب مباراة السوبر المصري تضامنا مع شهداء اولتراس أهلاوي، وارتدائه (تي شيرتا) يحمل الرقم 72 سواء في نادي بني ياس الإماراتي الذي أعير له لعدة شهور، أو في لحظات تتويج الأهلي ببطولة إفريقيا الأخيرة2013 مع رفضه الصعود إلى المنصة في تجاوب إنساني مشروع ومستحق مع دماء شهداء بعضهم لفظ أنفاسه الأخيرة بين يديه في غرفة خلع الملابس في إستاد بور سعيد فبراير2012.. مواقف أبو تريكة الإنسانية والعامة إذن لم تتعدَ أبدا مواقف أبناء الشعب المصري من مختلف القضايا، فهو أكد في كل مناسبة من هذه المناسبات حضوره وبقوة لا بصفته نجم كبير ولكن بصفته واحد من الناس.. والعجيب أن هذه المواقف الطبيعية من إنسان قبل أن يكون نجم كرة قدم، ومن مواطن مصري قبل أن يكون معشوق الجماهير وأمير القلوب قد أوّلها البعض تأويلات في غاية الفجاجة والخطورة، بل ودعا بعض الإعلاميين إلى منع ارتداء اللاعب لألوان العلم الوطني للعب باسم مصر! وتشنج آخرون في أعقاب واقعة مباراة السوبر ضد اللاعب النجم الإنسان بلا مبرر حقيقي.. وحاول هؤلاء وأولئك سمته بالإرهاب وحاولوا النيل منه وإقصاءه.. فهل كان أبو تريكة في مواقفه المصرية الإنسانية الطبيعية هذه بالفعل إرهابيا؟ وهل حمله هموم المواطن العادي يعد من الإرهاب؟! حتى أن المواقف السياسية المنسوبة لأبي تريكة.. إما نفاها الرجل الذكي الإنسان في حينها، وإما صمت عنها فلم يؤكدها، وأشهر هذه المواقف عندما سؤل سؤالا صحفيا عن تصريح أحد قيادات الإخوان بانتماء أبو تريكة للجماعة، أشار إلى عينه وأذنه ولسانه بما يعني ( لا أرى ولا أسمع ولا أتكلم ).. فعل النجم ذلك والمقابلة الصحفية موجودة ومنشورة في الوقت الذي كان فيه الإخوان يقتربون من حكم مصر!! فلم يعرف عن اللاعب إذن مشيه في ركاب تيار سياسي محدد! حتى قرار اعتزال أبو تريكة لم يسلم من التأويل السياسي عند البعض.. رغم أنه كان قرارا إنسانيا ووطنيا رفيعا وعاديا جدا برره اللاعب بضياع فرصة الوصول لكأس العالم بالبرازيل 2014 – واستحالة فرصة اللحاق بتمثيل مصر إلى عام 2018 واكتفى اللاعب بالمشاركة الشرفية في اولمبياد لندن 2012 لتكون المشاركة الأبرز في المحافل العالمية ويحقق بها لقب اللاعب الأوليمبي وهو شرف رياضي آخر! ودعونا في نهاية هذا المقال نتصارح، هل لولا الشوشرة الإعلامية التي مارسها البعض من هذا النوع، كان يمكن أن يمر حدث اعتزال الماجيكو بهذا الفتور الذي يتعامل معه الإعلام حاليا؟ ويبدو أن العيار الذي انطلق من كارهي إنسانية أبو تريكة قد ( دوَش ) الناس وألهاهم عن تكريمه المستحق.. وإن لم يصبه بفضل الله.. وداعا أبو تريكة في الملاعب الخضراء.. لكنك ستبقى في القلوب في مناطقها الخضراء.. رمزا لكل ما هو إنساني وفني وجميل.. بعيدا عن اتهامات التعصب السياسي والإرهاب وكل ما هو متدن وقبيح!!