بايتاس: ارتفاع الحد الأدنى للأجر إلى 17 درهما للساعة وكلفة الحوار الاجتماعي تبلغ 20 مليارا في 2025    "ما لم يُروَ في تغطية الصحفيين لزلزال الحوز".. قصصٌ توثيقية تهتم بالإنسان    إحباط عملية تهريب دولية للمخدرات بميناء طنجة المتوسط وحجز 148 كيلوغراماً من الشيرا    رابطة علماء المغرب: تعديلات مدونة الأسرة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية    بايتاس: مشروع قانون الإضراب أخذ حيزه الكافي في النقاش العمومي    كربوبي خامس أفضل حكمة بالعالم    كمية مفرغات الصيد الساحلي والتقليدي تبلغ بميناء المضيق 1776 طنا    وهبي يقدم أمام مجلس الحكومة عرضا في موضوع تفعيل مقترحات مراجعة مدونة الأسرة    وكالة التقنين: إنتاج أزيد من 4000 طن من القنب الهندي خلال 2024.. ولا وجود لأي خرق لأنشطة الزراعة    بايتاس يوضح بشأن "المساهمة الإبرائية" ويُثمن إيجابية نقاش قانون الإضراب    نجاة مدير منظمة الصحة العالمية بعد قصف إسرائيلي لمطار صنعاء    توقيف القاضي العسكري السابق المسؤول عن إعدامات صيدنايا    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الإغلاق على وقع الإرتفاع    خلفا لبلغازي.. الحكومة تُعين المهندس "طارق الطالبي" مديرا عاما للطيران المدني    احوال الطقس بالريف.. استمرار الاجواء الباردة وغياب الامطار    السرطان يوقف قصة كفاح "هشام"    الكلاع تهاجم سليمان الريسوني وتوفيق بوعشرين المدانين في قضايا اعتداءات جنسية خطيرة    قبل مواجهة الرجاء.. نهضة بركان يسترجع لاعبا مهما    "الجبهة المغربية": اعتقال مناهضي التطبيع تضييق على الحريات    في تقريرها السنوي: وكالة بيت مال القدس الشريف نفذت مشاريع بقيمة تفوق 4,2 مليون دولار خلال سنة 2024    جلالة الملك يحل بالإمارات العربية المتحدة    ستبقى النساء تلك الصخرة التي تعري زيف الخطاب    مدرب غلطة سراي: زياش يستعد للرحيل    العسولي: منع التعدد يقوي الأسرة .. وأسباب متعددة وراء العزوف عن الزواج    تحديد فترة الانتقالات الشتوية بالمغرب    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الثورة السورية والحكم العطائية..    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    تنظيم الدورة السابعة لمهرجان أولاد تايمة الدولي للفيلم    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإستقلال السياسي و الحكم الذاتي : السياقات المطروحة و تحديات التطبيق في اسبانيا و المغرب
بقلم: خالد بلقايدي

في الوقت الراهن تطرح قضايا شعوب جنوب المتوسط العديد من الملفات المثيرة للجدل و الخلاف ذات جذور تاريخية و سياسية لعدم الفصل بشكل نهائي في النزاعات السياسية و الترابية و غياب إرادة سياسية لمعالجة حقيقية حول كل ما ينازع عليه بين الأنظمة الحاكمة في المنطقة ، و عدم التخلي عن عقلية التدبير الفردي المليئة بالهواجس الأمنية ، و عن عدم الاستغناء عن ثقافة الوصاية و تغيير كل معالم الحقيقة التاريخية لشعوب المنطقة التي تثبت قوة الوجود و الذات بأحقيتها في العيش باستقلالية تامة و غيرها من الأسباب، فالمطلبين الاستقلال السياسي و الحكم الذاتي الآن لا يتطلب منا تناولهما من وجهة نظر أكاديمية وفقط و عرض نظريات القانون الدستوري و النظم السياسية و نماذج لإدارات الدولة و لا حتى خلق نغمات مفاهيمية و هندسة نصية بهدف تبريري لمبادرة عن أخرى بل يتطلب إرادة سياسية جماعية على أرضية التفاوض و التسوية السياسية للقضايا التاريخية و الجغرافية و السياسية و حتى الأمنية و نبذ كل آليات الوصاية لنخب أو فُرق أو تنظيمات أو هيئات أو حكومات على حقوق الوطن و المواطنين ، و تنزيل فعلي لمضمون المشاركة في بناء المؤسسات الفعلية التي تمثل كل فئات الشعب من أجل ضمان تأسيس دولة التنوع و الدمقرطة، و ملامسة جوهر القضايا التي تدعو الى الاستقلال الكامل أو الجزئي لدى شعوب ضفتي المضيق . و التخلي عن ثقافة الهروب من واقع المطالب و من قوة حجيتها التاريخية و السياسية و الثقافية خصوصا في اسبانيا و المغرب .
1 – مطلب الاستقلال السياسي في اسبانيا بين ضرورة الحسم و سؤال أية نظام مستقبلي بديل:
الجسم السياسي في اسبانيا تعاقد على الديمقراطية و بناء المؤسسات على حساب الذاكرة و التاريخ تاركا وراءه ملف له حمولة كبيرة لا من الناحية التاريخية و السياسية مع العِلم أن آثار الحرب الأهلية خلال فترة حكم فرانسيسكو فرانكو لم تعالج بشكل نهائي و لازالت آثارها قائمة الى اليوم رغم اعتماد منهجية المأسسة التدريجية و الهيكلية خلال عملية الانتقال السياسي باسبانيا في نهاية السبعينات من القرن الماضي بتطبيق الجهوية السياسية كمدخل لتسوية قضية الخصوصية و النزاعات في إطار الملكية البرلمانية، بل استمر النزاع السياسي لسنوات في العديد من الأقاليم الاسبانية و بالخصوص في إقليمين الباسك و كاتالونيا اللذان طلبا الى حدود اليوم بالاستقلال الكامل و رُفع سقف الصراع مع العاصمة مدريد بين تبني خيار الكفاح المسلح و اللجوء الى الاستفتاء الشعبي على الاستقلال التام رغم كل التنازلات من أجل إرساء المصالحة مع الماضي ، فالطابع يغلب على التطبع عندما يتعامل مع مطالب على أنها تجاوز للصيرورة التاريخية و إخراج من مسلسل الإجماع و عدم الاعتراف بالحقوق و الخصوصية السياسية و الجغرافية في بلاد اسبانيا أكيد كل هذا سيساهم في تأزيم الواقع الاسباني الى مستويات تتجاوز كل الحدود بين ما هو لغوي و ثقافي و سياسي و أمني حتى فئوي منذ فترة نظام فرانكو الى اليوم لتؤول الى أزمة بنيوية .
أ - كاتالونيا و أسباب المطالبة بالانفصال:
بالنظر الى أهم المحطات السياسية في تاريخ الكاتالان منذ حصولهم على الحكم الذاتي عام 1931 خلال الجمهورية الثانية الإسبانية الى اليوم و المعروفة بالاضطرابات السياسية قمع نظام فرانكو أي نوع من الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية الكاتالانية و الأناركية و الاشتراكية و الشيوعية و الديمقراطية، فتم حظر استخدام الكاتالونية في المؤسسات التي تديرها الحكومة، كما تعرض رئيس كاتالونيا أنذاك للتعذيب و أعدم لجريمة "التمرد العسكري"، و قد ساهم اضطهاد الجنرال فرانكو لشعب كاتالونيا بتعميق نزعة الاستقلال الكامل لشعب لهذا الاقليم(1). فاستمرت الأوضاع بالتفاقم الى حدود زمن التعاقد للانتقال السياسي فأعيد العمل بقانون الحكم الذاتي في كاتالونيا في سنة 1979، وبعد الانقلاب العسكري في 1981 أقرت الحكومة الاسبانية بوجود 17 إقليما مع خصوصية لإقليمي الباسك ونافارا في تحصيل ضرائبهما، واستثناء كاتالونيا من هذا الحق ، مما ساهم ذلك في ملحاحية المطالبة بالاستقلال كاتالونيا باعتبارها أمة لديها تاريخ لغة و ثقافة و هوية و موقع إقتصادي ريادي في النسيج الوطني الاسباني ، و مع تغيرات الأوضاع الاقتصادية من جراء الأزمة الحالية يرى الكتالونيين ان اقتصادهم تضرر كثيرا بسبب السياسات المتعاقبة للحكومات الاسبانية حيث ان هذه الاخيرة فرضت ضريبة تقدر ب 10٪ من الناتج المحلي الإجمالي لتصل إلى 20 مليار يورو في المقابل ليس هناك استثمارات أو خدمات اجتماعية توازي هذه الضريبة الباهظة، فتعاظم استياء الكاتالونيين في الآونة الأخيرة مع الخصومات الضريبية المتأرجحة التي كانت حكومة ماريانو راخوي تفرضها عليهم، وهي تعمل على تطبيق إجراءات التقشف التي طالب الاتحاد الأوروبي الحكومات الأوروبية باتخاذها ما أدى الى تعزيز النزعة الانفصالية لدى اليمينيين واليساريين على السواء (2) ، و أمام تصعيد الأوضاع حاولت حكومة راخوي، من أجل الخروج من المأزق وبعد أن استعصى حله داخليا إعتمدت سياسية الإستقواء بدعم الاتحاد الأوربي فقامت بحملة نشيطة ضد القوميين الكتالان، وقال الاتحاد الأوربي كلمته في الموضوع : «لا مكان لكتالونيا مستقلة داخل الاتحاد الأوربي». لكن هذا النوع من التصريحات لا يأخذه الكتالان مأخذ الجد، فهم يعرفون أن المتغير في السياسية هو الثابت، وبالتالي فمكانهم مضمون داخل الاتحاد الأوربي ككيان مستقل، وهو ما ذكر به رئيس حكومة كتالونيا عندما قال إن كتالونيا أقوى من أكثر من اثني عشر بلدا من بلدان الاتحاد. (3) و يعزز الكتالان أكثر أطروحتهم في مسعاهم إلى الاستقلال باستنادهم على التاريخ السياسي و المكون البشري و نمط الثقافي، فالكتالانية هي اللغة الرسمية الأولى في الإقليم وهي لغة التدريس تساهم في تعزيز آليات الدعم من أجل تأسيس جبهة شعبية عريضة للمطالبة بالاستقلال و تهدف نحو الوقوف عن مدى صلاحية النظام السياسي الاسباني هل بالفعل الملكية البرلمانية هي الحد الأدنى لإحتواء أزمة الهوية و حل للنزاعات السياسية و هل هي بداية نهاية الوفاق السياسي أم هي بداية عودة الدولة الأمنية بكل خياراتها حفاظا على النمط السائد.
ب – ملكية اسبانيا و جمهورية كاتالونيا بين ضرورة إعادة هيكلة النظام و آثارها على المنطقة :
تكتسي اللحظة أهميتها القصوى في الصراع السياسي باسبانيا فرغم سنوات من الانجازات في تحصين الديمقراطية الاسبانية و تصنيفها ضمن خانة النماذج للتدبير السياسي و يؤخذ عنها كتجربة متميزة تأسس للملكية البرلمانية لكن النخبة الاسبانية غالبا ما تتعامل مع الملكية على أنها الراعي للنظام القومي في حين تتجنب نقاش الإصلاح الدستوري و مسايرة المتغيرات الإقليمية و الدولية فتعتمد على ثقافة النوع و مواطنة الواجهة (4) و لا تكلف نفسها حتى عناء المراجعة لسياسة التدبير و إعادة الهيكلة لبنية النظام فقد تجاوزت عتبة التعايش السياسي بين الأطراف في اسبانيا، فكثُرت الأسئلة التي تنصب حول ما مصير سنوات الاستقرار السياسي في البلاد ، و هي الفاصلة مؤخرا في المشهد الراهن فتجاوزت لغة الرؤى المجتمعية التي كان يدعو إليها أحد أهم الفاعلين في المجتمع هما الحزب الشعبي و الاشتراكي العمالي و المقصورة فقط على الخطابات والبرامج الفوقية و هي بعيدة عن ملامسة عمق الإشكال لأنهما مرتبطان باتفاق الانتقال السياسي المتجاوز تاريخيا بفضل المتغيرات، و السؤال الأكثر أهمية في المرحلة هل مطلب الاستقلال نابع من سياق محلي أم مرتبط بخيارات المنطقة من جراء تدعيات الأزمة الاقتصادية ؟ و ما هي حدود العلاقات بين الحكومات الجهوية و الحركات الداعية الى تقرير المصير ؟ و هل بالفعل الصراع حول الخيارات يفرض تغيير الخريطة السياسية و نظامها البنيوي ؟
معظم الخطابات السياسية في اسبانيا تعتمد منهجية شبه متشابهة مليئة باللغط و الهرطقة يستهلكون الكلام في مواضيع خارجة عن ما يطلبه المجتمع الاسباني فهم يتبادلون الاتهامات في شتى القطاعات محاولين إسقاط المسؤولية عن الأوضاع القائمة عن بعضهم البعض، فالأزمة أفاضت الكأس عن حقيقة سياسة اسبانيا في القضايا السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و حتى التاريخية و عن موقعها في السياسة الخارجية فلم تستطيع أن تصنع مكانة لها ولو في صفوف المؤسسات الأوربية فسياسية راخوي الخارجية مبنية على البحث عن المدد المالي من الدوائر العالمية و الاقليمية و لو على حساب الوطن مما هي عرضة لكل القوانين التقشفية الصادرة من الهيئات الاقليمية و الدولية و في نفس الوقت تكشف عن مدى هشاشة النظام الاقتصادي الاسباني الذي يهيمن عليه بارونات العقار و طبقة نفوذ المال الذين يتمتعون بالحصانة السياسية فسببوا في أوضاع كارثية على القطاع الاجتماعي الذي تعرض لإنهيار خطير و ينذر بكارثة حقيقة مدام مستوى المعيش اليومي في تراجع كبير (5)، المواطنون في وضعية غير مسبوقة هم وراء أي مبادرة تهدف الى إنقاذهم نحو الأفضل و لا يهم الجهة الداعية لذلك، فالمناخ السائد يسوده غمام و ضبابية و هي فرصة سانحة لدعاة الاستقلال السياسي في السير على خطى تهيئ لثورة باردة و هادئة على الملكية و على إثرها الخيارات مفتوحة من الممكن أن تتوسع دائرة النزاع في المنطقة، فالكل يسعى الى دعم أطروحة الاستقلال طبعا وفق المصالح الاستراتيجية و الأمنية ، فالكاتالان مستعدون للتحالف مع أي طرف يؤيد قضيتهم و إن إقتضت الضرورة التنسيق مع حليف غير استراتيجي و لو على حساب المواقف التاريخية كما هو الشأن في العلاقة مع المغرب وبخصوص في قضيته " نزاع الصحراء الغربية " لدرجة تحولت الى مزاد علني للمقايضة السياسية . الملكية في اسبانيا كنظام تكرس نمطية تقليدية في السلطة تحتمي بالدين و الأمن و هي في تعاقد متين مع الكنيسة كصمام آمان في وجه أي هزة سياسية داخلية أو خارجية . فيلاحظ تنامي تأثير العقيدة الأمنية باعتبارها تمثل المبادئ المنظمة التي تساعد على تعريف المصالح الجيوسياسية وتحديد ما يحظى منها بالأولوية، في مجال التعاون و الأمن بين ضفتي المضيق تتحرك وفق السيناريوهات المطروحة نتيجة تداخل المصالح لم تتجاوز بعد عُقد الماضي و شيوع ثقافة الاتهام و المؤامرة ،
2 - مبادرة الحكم الذاتي و المطالبة بالاستقلال السياسي في المغرب بين رهان المبادرات و أرضية تقرير المصير :
رُفع مطلب تصفية الاستعمار منذ بداية القرن الماضي من أجل وطن يتسع للجميع و يراعي الخصوصية و يهدف إلى إحقاق العدالة وبناء مؤسسات مستقلة عن أي إدارة استعمارية كانت، لكن الخريطة السياسية التي فرزتها الإدارة الكولونيالية مخالفة تماما لتطلعات الشعوب بل نهجت مسارات أخرى فرضت القبول بالتجزئة الجغرافية و الإملاءات السياسية حفاظا على إمتيازاتها و حماية نمط الحكم السائد فساهم ذلك في توتر العلاقات داخليا و حتى مع بلدان الجوار ، وعلى إثرها نشبت خلافات جد عميقة يستعصي الحل مادام الجميع يعتمد الهروب من مبدأ الاعتراف بالخطأ و عدم الإقرار بالحقوق التاريخية و السياسية لشعوب المنطقة فتعالت أصوات المطالبة بالاستقلال السياسي و بالخصوص في الصحراء و مطلب التسيير/ الحكم الذاتي في الريف فخلقت تحديات كبيرة على النظام السياسي و مؤسساته
أ - قضية الصحراء بين مطلب تقرير المصير و مبادرة الحكم الذاتي و خيارات المنطقة:
هي قضية آثارت الشيء الكثير من الجدال سواء بين فرقاء النزاع و حتى داخل المكونات المغربية من حيث المبدأ نؤكد على ان تداول مطلب تقرير المصير ضمن أدبيات الصراع المغربي الصحراوي ومن كل أوجهه التاريخية والسياسية تداول يحمل من الدلالة الكثير من اللغط و من المضاجعة السياسية مع مفهوم ملفوظ. ولكن مشروعية التطرق إليه تكتسب من ضرورة تفكيك الدواعي إلى طرحه والأهداف من ترويجه ونزع القناع السياسي الذي يتخفى وراء مشروع محاولة إقبار الوجود الصحراوي المستقل تحت أوساخ مفاهيمية تعشش في الذهنية التوسعية للمخزن. و من باب الاختيار الغير الناضج كان هناك عامل لاتاريخي والمتمثل في الرؤية التبخيسية للشعب الصحراوي كشعب قليل العدد، تقوده حركة سياسية في سن الفطام ذو وحدات قتالية محدودة التسليح والعدد، ولم يخطر ببال العاهل الراحل أن الشعوب لا تقاس بإعدادها لكن بعد ان أثبتت سنوات الحرب حجم الخسائر على كل الأصعدة، و في مقابل التبني المتصاعد للقضية الصحراوية من طرف العديد من دول وشعوب ومنظمات العالم(6)، بدأت تتغير معالم السياسة المغربية تجاه القضية فشرع الحسن الثاني في البحث عن طرق تحقيق المبتغى الثابت في الإستراتيجية المغربية و استكمال الوحدة المغربية خلال تكتيك الالتفاف على القضية. وفي هذا الإطار وضمن ظروف استهلاك الاجماع السابق لمداه التاريخي والسياسي، فاختمر في مخيلته - كان لا يزال يعيش على ثقافة الأمير الميكيافيلية - مشروع حكم ذاتي سيلتف به على مشروع الاستقلال الكامل للبوليساريو ، وهنا لابد من تأطير هذا الطرح المغربي ضمن ظرفيته التاريخية آنذاك للتأكيد على الحقيقة التي مفادها أن أي تكتيك في السياسة الاحتوائية إنما تمليه استحالة تحقيق الهدف والعجز النهائي، أي فرض الأمر الواقع. وعلى ضوء عملية تحديد الهوية ومنعرجاتها استحالة بلوغ هدفه باحترام الشرعية الدولية واللجوء الى استفتاء تقرير مصير. حينذاك وخلال ازمة التوقف حول تحديد الهوية لوح عاهل المغرب بمشروع الحكم الذاتي، لكن رفض البوليساريو وعجز القوى المتواطئة معه سواءا كحكومات أو موظفي منظمات دولية عن كشف اوراقها وتهدئة الازمة داخل المغرب عن طريق بعض الاصلاحات الشكلية من حكومة ائتلاف وادراج لأوجه تاريخية ضمنها وفتح بعض مجالات الحوار مع القوى السياسية، والتلويح باصلاحات اكثر عمقا للتخفيف من الضغط الدولي وعدم حسم الأمم المتحدة وضغطها على المغرب لاحترام التزاماته، أعطت نفس المماطلة للنظام المغربي وأجلت إخراجه من جديد لورقة الحكم الذاتي في تصور خاطئ للإدارة المغربية اعتمد على: - الدعم المطلق لفرنسا - المراهنة على الاوضاع السيئة آنذاك في الجزائر - المراهنة على إمكانية تشكيل قوة صحراوية موالية للمغرب تتنازع تمثيلية الشعب الصحراوي مع الجبهة الشعبية (البوليساريو) - الاعتماد على تسويق وتلميع وجه النظام الجديد...الخ. وباختصار شديد فان العوامل في إقدام المغرب بالأمس كما اليوم على التلويح بهذه الورقة تظل هي: - انعدام أي أرضية لمشروع إجماع عقلاني يخرج المغرب من أزماته، والبحث عن تشكيل إجماع جديد على قاعدة مشروع آخر مع الاستحضار الدائم والدراماتيكي للخطر الخارجي - العجز المطلق للدولة المغربية عن قهر البوليساريو ، وتضاعف هذا العجز والتخبط مع تصعيد المقاومة الشعبية بالداخل جنوب المغرب، زد على ذلك انكشاف هشاشة المعالجات المخزنية في تسيير الشأن الصحراوي - تضاعف الضغط الدولي ومطالبة المنتظم الدولي المغرب بإيجاد مخرج للصراع الذي دام اكثر من 30 سنة ورهن استقرار المنطقة ومعه مصالح القوى الدولية فيها. مخرج مشروط باحترام حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير وهو ما أكدت عليه كل القرارات الدولية ومشروع بيكر.++++++++++++++++++++++++++++++++++


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.