أوضح مارك غافاروت مستشار العلاقات الدولية لحزب الوفاق الديمقراطي الكاتالوني، أن المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية المتدنية التي كانت إبان ديكتاتورية فرانكو عادت بالظهور مجددا وبشكل أسوأ، مشيرا أن الاستقلال عن حكومة مدريد أصبح ضرورة حتمية ولا بديل عنه من أجل إنقاذ كاتالونيا من الأزمة الاقتصادية الراهنة. واعتبر غافاروت في حوار مطول خص به جريدة هسبريس الالكترونية، أن عضوية كاتالونيا بعد استقلالها في الاتحاد الأوربي هي مسألة سياسية بمكن حلها دبلوماسيا وليست إشكالا قانونيا مستعصيا وأن القرار الأخير يعود إلى الشعب الكاتالوني. سيد مارك غافاروت، في الحادي عشر من سبتمبر سنة 2012، خرجت مظاهرات ضخمة قدر عددها بأزيد من مليون ونصف شخص للمطالبة باستقلال كاتالونيا. في نظركم، ما هي أهم دوافع هذا المطلب؟ بداية أشكر "هسبريس" على استضافتها لنا ولزيارتها لمقر حزبنا (كونفرجنسيا ديمكراتيكا دي كاتالونيا) ، جوابا على سؤالكم، أرى أنه من الطبيعي ومن المنطقي أن تختار منطقة كاتالونيا مستقبلها بإرادتها الحرة المستقلة، ولهذا خرج المواطنون الكاتالونيون للتظاهر بكثافة من أجل المطالبة علنيا بالاستقلال، وهذا هو حق الشعب في تقرير مصيره. بعد أزيد من 300 سنة من خضوع كاتالونيا لنظام الحكم الاسباني، الآن تودون الانفصال، هذا الشيء لم يكن معروفا إلا عن شعب الباسك، ونحن نعرف أيضا أن العلاقات بين مدريد وبرشلونة كانت جيدة بدليل أن برشلونة نظمت تظاهرات وأنشطة عالمية بدعم من مدريد.. بالفعل العلاقات بين برشلونة ومدريد هي علاقات صداقة ومودة، ومن المعلوم أن بلد الباسك عرف المطالبة بالاستقلال عن طريق العنف الذي سلكته حركة إيتا الإرهابية. نحن على نقيض هذا، اخترنا أن نسلك مسارا ديمقراطيا سلميا هادئا بإجماع كافة التيارات السياسية في كاتالونيا. إن الائتلاف القومي اليميني في كاتالونيا هو تجمع ليبرالي مدني معتدل لا يمت بصلة إلى اليمين المتطرف المعروف في بعض دول أوربا، وليس ذا فكر أحادي يرفض التنوع والاختلاف، نحن بدايتنا لم تكن مبنية على مطلب الانفصال وإنما كانت ذات توجه إصلاحي يرغب في مواصلة بناء الدولة على غرار النموذج الأوربي والغربي. التغيير الذي حصل، هو أنه كنا نعتقد بعد سقوط نظام فرانكو أننا سنمتلك الوسائل والإمكانيات لبناء مجتمع مغاير ومختلف، لكن بعد 35 سنة من الانتقال الديمقراطي تبين لنا أن المشاكل التي كانت في الماضي لا زالت متواجدة وخصوصا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. (مقاطعا) مهلا، هذه الملاحظة الأخيرة تبدو قاسية بعض الشيء، لا أحد ينكر أن منطقة كاتالونيا حافظت على هويتها الثقافية واللغوية، واستفادت من حقوق مهمة في إطار حكومة مستقلة، حتى صارت نموذجا يحتذى به على المستوى العالمي. لكن ذلك لم يكن سهلا والشعب عانى كثيرا من أجل المحافظة على هويته واستعادة التكلم بلغته الأصلية....... (مقاطعا) ولكن هذا كان محظورا في عهد فرانكو، يجب أن نعترف أن دستور 1978 هو من أتى بالضمانات الدستورية لحقوق الجهات في اسبانيا... بالفعل، هذا على المستوى النظري، أما عمليا، اسبانيا حاولت دائما أن تتجاهل مطالب الحكومات المستقلة، وتعمل على تكريس وتقوية نفوذ الحكومة المركزية وتهميش منطقة كاتالونيا بشكل خفي ومغاير لسياسة فرانكو. على مستوى الشكل، هناك ملامح ديمقراطية انتقالية، لكننا في كاتالونيا تبين لنا أن اسبانيا غير جادة في تلبية مطالبنا، وتحاول بشكل مستمر طمس الهوية الثقافية واللغوية الكاتالونية، وإدماج منطقتنا بشكل كلي في الدولة الاسبانية. إذا أقررنا أن دستور 1978 حمل التعددية السياسية والانتقال الديمقراطي، ألا ترون أنه يمكن حل الأزمة السياسية والاقتصادية الحالية عن طريق دستور جديد يؤسس لمرحلة جديدة أو إصلاحات دستورية على غرار ما وقع في المغرب؟ في إسبانيا الحزبان الشعبي والاشتراكي كانت لهما فرص للقيام بإصلاحات دستورية عميقة غير أن حكوماتهما قامت بتعديلات طفيفة طيلة 35 سنة لم تلب مطالبنا، ولهذا فقدنا الأمل في الحكومة المركزية للقيام بإصلاح دستوري حقيقي. الحزب الشعبي يرفض إعطاء المزيد من الحقوق للحكومات المستقلة، والحزب الاشتراكي متناقض في طروحاته: من جهة هو منفتح في قضايا الزواج والمثليين ومن جهة هو متزمت في الاستجابة لمطالب الجهات ويتقاطع كليا مع الحزب الشعبي. إذن، فأنتم ترون أن الحزبين معا يرفضان مطالبكم؟ نعم، وهما يصرحان بذلك بشكل واضح ورسمي. بعد مظاهرات 11 سبتمبر، دعا رئيس حكومة كاتالونيا السيد "أرتور ماس" إلى تنظيم انتخابات مبكرة، ما وقع أن حزبكم الحاكم خسر 12 مقعدا مقارنة بالبرلمان السابق. فما الذي ربحه "أرتور ماس" من هذه الخطوة الجريئة؟ السيد "ماس" بلغ نهاية النفق المسدود ولم يعد له مجال للاشتغال والتحرك فدعا إلى انتخابات مبكرة، كنا نعلم أنه من الممكن خسارة مقاعد في البرلمان لكوننا نتزعم الائتلاف الحاكم، وهذا سياسيا منطقي، غير أننا في المقابل ربحنا مساحة أفضل للتحرك مع أحزاب أخرى. يجب أن تعلم أن حزبنا لم يكن انفصاليا، ولم يكن يطالب بالاستقلال، ولكن مع مرور السنوات، اتضحت صعوبة المسار الذي اخترناه أمام تعنت حكومة مدريد في الرضوخ لمطالبنا والبحث عن حلول. "أرتور ماس" كعدد من السياسيين يرى حاليا بأن الاستقلال ضرورة حتمية وسيكون حلا للأزمة الاقتصادية الراهنة التي تعيشها المنطقة، وأنه على كاتالونيا أن تصبح دولة ذات سيادة ومتحكمة في قراراتها الاقتصادية والسياسية. حاليا في أوربا، إذا لم تكن لديك دولة ذات سيادة لن ينصت إليك أحد. هناك من يرى أن ما يقوم به السيد "أرتور ماس" هو تكتيك سياسي، فقد كان يضغط على الحكومة الاسبانية للقبول بخطته المالية والقيام بتعديل الميثاق الجبائي، غير أن "راخوي" رفض ذلك مما جعل "ماس" يهدد بالاستقلال؟ جزء من كلامكم صحيح، لكنه ليس كليا. عليك الرجوع إلى انتخابات 2002 حيث كنا نطالب بميثاق جبائي جديد وتمكنا من تحقيق مطالب مهمة. في العشر سنوات الأخيرة، رفضت الحكومات المتعاقبة الاستجابة لمطالبنا المالية. حقيقة، الرئيس "ماس" لم يكن متواجدا بمظاهرات سبتمبر 2012 وإنما توجه إلى مدريد لمفاوضة "راخوي" حول الخطة المالية، هذا الأخير لم يعر لمطالبنا اهتماما، ماذا ستنتظر إذن من السيد "ماس"، كان عليه أن ينحاز لمطالب الشعب الكاتالوني، وهذا ما فعل بإعلانه تنظيم استفتاء حول مطلب "دولة ذات سيادة". لكن الانتخابات الأخيرة حملت بالمقابل أحزابا يسارية متطرفة إلى البرلمان الكاتالوني؟ تقصد حزب اليسار الجمهوري الكاتالوني (إيسكويرا ريبابليكانا دي كاتالونيا)، إنهم يطالبون حقا بالاستقلال في برنامجهم السياسي، وهذا تجده في العديد من دول العالم، إنهم ليسوا متطرفين، إنهم حزب سياسي يحمل مطلبا أساسيا من مطالب شعب كاتالونيا، غير أنه مطلب مرفوض من حكومة مدريد التي تمارس ضغوطا قوية على حزبنا الحاكم من أجل عدم الشروع في الخطوات العملية المؤدية إلى تحقيق مطلب الاستقلال. وهل ترون أن هناك اجماعا سياسيا على تنظيم الاستفتاء سنة 2014؟ هناك أغلبية في البرلمان موافقة على ذلك. (مقاطعا) أنا أتحدث عن اجماع القوى السياسية المحلية وليس عن أغلبية نسبية أو مطلقة، هذه خطوة من شأنها تغيير مستقبل كاتالونيا والتأثير على الوضع الإقليمي بالمنطقة، نحن نعرف أن الحزبين الشعبي والاشتراكي ليسا موافقين على ذلك؟ ولا يمكن تجاهلهما.. الحزب الاشتراكي لا يطالب حقا بالاستقلال، لكنه يؤيد خطوة الاستفتاء على تقرير مصير كاتالونيا، في إطار الشرعية القانونية والدستور الاسباني وهذا ما ليس ممكنا الآن. نحن نختلف معهم في ذلك، إذ نؤيد تنظيم الاستفتاء كحق من حقوق الشعب الكاتالوني يقرره البرلمان في إطار قانون دستوري محدد في كاتالونيا بشكل حر، لأننا نرى أن حكومة مدريد ترفض ذلك لأنه لا يتقاطع مع مصالحها. الحزب الشعبي يرفض فكرتي الاستقلال والاستفتاء معا، إلا أنه يحتل المرتبة الرابعة في البرلمان بتوفره على 19 مقعدا وليس إلى جانبه إلا حزب مواطنو كاتالونيا الذي يتوفر على 9 مقاعد. لا ننسى أن الاشتراكيين الكاتالونيين يصوتون على خلاف اشتراكيي مدريد عندما يتعلق الأمر بحقوق منطقتهم. إذا ما صوتت كاتالونيا لفائدة الاستقلال عن اسبانيا وأصبحت دولة ذات سيادة ،الرئيس "ماس" كان قد صرح في وقت سابق أن على بروكسل إيجاد الحلول لبقاء كاتالونيا في الاتحاد الأوربي. من الناحية القانونية، ألا ترى أن ذلك ليس ممكنا؟ لماذا تقول ذلك؟ لأن اسبانيا لا زالت ستكون عضوا في الاتحاد الأوربي وأنتم ستصبحون كيانا مستقلا جديدا لم يكن موجودا في السابق، عليكم التفاوض من أجل انضمامكم إلى الاتحاد الأوربي.... ولم لا العكس؟ على الاتحاد الأوربي أن يعيد النظر في عضوية اسبانيا لأنها عضو في الاتحاد منذ 1986 بنا وبتواجد جهة كاتالونيا في نطاق الدولة الاسبانية، إذن بعد استقلالنا سيتغير الأمر كذلك بالنسبة إليهم. على العموم أعتقد أنها مسألة سياسية وليست قانونية محضة. بالنظر إلى الاتحاد الأوربي سنجد أن معاهدته لم تتغير رغم توحيد الألمانيتين، أتذكر تصريحات للسيد "جاك دولور" الرئيس السابق للمفوضية الأوربية مفادها أن سلوفينيا وكرواتيا لن تتمكنا من نيل عضوية الاتحاد الأوربي في حال إعلان استقلالهما، لكن الأمر كان خلاف ذلك.... إذن أنتم تعتقدون أن الأمر يتعلق بنقاش عضوية اسبانيا وكاتالونيا معا وعلى حد سواء؟ نعم هذا منطقي وممكن، نحن حاضرون في الاتحاد الأوربي وندفع له أكثر مما نأخذ (أتكلم عن كاتالونيا وليس عن اسبانيا) إذن ليس هناك سبب وجيه يدفع إلى إخراجنا من الاتحاد الأوربي. لنفكر في مثال آخر، هناك الشعب الفلاماني يفكر في تقرير مصيره، هل في هذه الحالة لن تصبح بروكسل عاصمة للاتحاد الأوربي؟ أعتقد أن هذه مجرد خطابات يتم ترديدها في مدريد لعرقلة مطالبتنا بدولة ذات سيادة. هل ترون أن البقاء في الاتحاد الأوربي قرار سياسي بيد البرلمان، أم يلزمه استفتاء على غرار استفتاء مطلب الاستقلال؟ لا سيما أن هناك مواطنين يؤيدون الاستقلال ولا يرغبون في البقاء في الاتحاد الأوربي.. بالفعل، ليس الجميع يرغب في ذلك، إلا أننا نعرف جيدا ماذا يجب أن نفعل؟ في اليوم الأول بعد الاستقلال على كاتالونيا أن تحترم كافة التعهدات والالتزامات الدولية التي وقعتها الدولة الاسبانية مثل معاهدة الاتحاد الأوربي أو الانضمام إلى الحلف الأطلسي.... لكن في ما بعد، يجب على الشعب الكاتالوني أن يقرر في هذه الالتزامات والمعاهدات، مثلا أنا شخصيا أوافق على البقاء في الاتحاد والحفاظ على عضوية الحلف، لكن إذا قرر الشعب في استفتاء ديمقراطي عكس ذلك، لا أملك إلا أن أتقبل القرار بشكل مسؤول. جهة كاتالونيا جهة ذات مؤهلات اقتصادية مهمة غير أنها ذات مديونية ضخمة، أغلب الدول التي نالت سيادتها عبر استفتاء شعبي أو الدول التي باشرت إصلاحات ديمقراطية عميقة استفادت من مساعدات مالية مهمة من أجل إنجاح المرحلة الانتقالية، هل أنتم قادرون على الحفاظ على توازناتكم الماكرو اقتصادية دون طلب دعم أحد؟ ألا تخشون أيضا رحيل عدد من الشركات الاقتصادية الكبرى إلى منطقة أخرى؟؟ أنا جد متفائل بشأن الوضع الاقتصادي لكاتالونيا في مرحلة ما بعد الاستقلال، وأغلب الاقتصاديين يقاسمونني هذا الرأي، خذ كمثال بسيط على ثقة الفاعلين والشركات الاقتصادية الكبرى، تنظيم معرض برشلونة الدولي للاتصالات والذي سيتم الاستمرار في تنظيمه بمدينة برشلونة إلى سنة 2018. القرار الاقتصادي قرار عقلاني ومجرد وليس قرارا عاطفيا أو سياسيا. لكن سيقع تنافس حقيقي ما بين الجهات والحكومات المستقلة سيؤدي إلى ضرب التكامل الاقتصادي المتواجد حاليا، وستعمل حكومة مدريد التي سعت في الماضي إلى تشجيع استقرار الشركات ببرشلونة إلى الضغط عليها للانتقال إلى جهات أخرى. هذا ما كان دائما، في الماضي والحاضر اسبانيا تنظر إلى كاتالونيا كمنافس حقيقي وليس كمنطقة ذات تكامل اقتصادي، لقد حاولوا نقل أزيد من 150 خطا جويا من مطارات برشلونة إلى مدريد، وهناك تشجيعات جبائية مهمة للشركات من أجل دفعها إلى الانتقال إلى العاصمة الاسبانية، نحن لا نتمتع بمنافسة شريفة معهم رغم أننا نساهم ب 20% من الاقتصاد الاسباني ولا ننال سوى 6%، وعلى مستوى الاستثمار العمومي لا نستفيد إلا من 4% رغم أننا نشكل 16% من مجموع السكان. نحن لدينا نظرة اقتصادية متكاملة بين الموانئ المتوسطية كبرشلونة وفالنسيا وطنجة وغيرها، بينما اسبانيا لديها نظرة أحادية تنطلق من إدخال السلع والمنتوجات عبر ميناء الجزيرة الخضراء ونقلها عبر مدريد لتخترق جبال البرانس.. جهة كاتالونيا تضم نسبة مهمة من النازحين والمهاجرين إلى دولة إسبانيا، كيف ترون مستقبل هؤلاء بالنظر إلى ضعف مؤهلاتهم وعدم إتقان معظمهم للغة الكاتالونية؟ حاليا اللغة الرسمية للتدريس هي اللغة الكاتالونية وجميع أبناء المهاجرين يتلقون تعليمهم بالكاتالونية منعا لكل إقصاء اجتماعي. اللغة الاسبانية هي جزء رئيسي مؤثث للمشهد الكاتالوني، وأنا فخور بذلك رغم أنها ليست لغتي الأولى. لا يمكن أن نسبح ضد التيار، فاللغة الاسبانية لغة رسمية ويتحدث بها عدد كبير من المواطنين ولا يجب أن يكون التراجع عنها مبررا لإقصاء أحد. شعارنا في الحزب "كاتالونيا شعب واحد"، كل المقيمين في تراب كاتالونيا هم مواطنون من حقهم الإسهام في بناء كاتالونيا المستقلة رغم اختلاف أصولهم وجذورهم وثقافاتهم ودياناتهم. أخيرا، ما هو تصوركم بشأن مستقبل العلاقات المغربية الكاتالونية؟ أعتقد أنها ستتطور أكثر، اليوم سمعت أن أزيد من 90% من الاستثمارات المغربية متواجدة بكاتالونيا، وهذا شيء إيجابي بالنسبة لنا لا بد من المحافظة عليه، كاتالونيا ستلتزم أيضا بتعهدات اسبانيا والتزاماتها تجاه المغرب، وسنعمل معا، جنبا إلى جنب، في إطار الاتحاد من أجل المتوسط، لتمتين العلاقات بشكل أكثر، وتقوية أواصر التعاون والصداقة بين البلدين.