صدر مؤخرا للإعلامي والكاتب السوداني طلحة جبريل، الطبعة الثانية من كتاب " أيام الرباط الأولى" ويحكي الكتاب عن تفاصيل حياة الطالب السوداني طلحة جبريل منذ قدومه للمغرب في مغامرة مفتوحة الأفق تحولت من عبور مؤقت إلى استقرار متواصل ناهز أربعة عقود. ويسرد الكتاب المكون من 144 صفحة، تفاصيل واستطرادات تبدأ من نزول الطائرة التي تقل جمعا من الطلاب السودانيين الذين سيتابعون دراساتهم بالجامعة المغربية في مطار الدارالبيضاء، واصطدام الغريب بواقع جديد متمنع بعامية لا يكاد يفهم منها الشاب طلحة كلمة واحدة وصولا إلى تسلم الراتب الأول من صحيفة "الميثاق" بقيمة 1000 درهم، الذي جعله يتبختر في شارع الرباط "كأوناسيس سوداني"، قبل أن يجد الطريق نحو وضع أكثر استقرارا بدعوة من الراحل عبد الجبار السحيمي للالتحاق بصحيفة (العلم). وبين صباح فتح عينه على مجتمع ومكان لا يعرف عنهما شيئا وغبطة الاندماج أخيرا في المجال المهني، يستعيد طلحة جبريل، بذاكرة صافية وحس يوثق التفاصيل الهاربة، يوميات تشوبها الطرافة أحيانا وأسى وضع مادي واجتماعي صعب، أحيانا أخرى، تطلب التحلي بصبر جميل وإرادة لا تلين قبل إثبات الذات وصعود الدرج الأول في سلم الاستقرار الاجتماعي والعطاء المهني الموصول. يرصد المؤلف مشاهد من أجواء الدرس الجامعي في سبعينيات القرن الماضي، العلاقات الاجتماعية داخل الحي الجامعي، أيام صعبة في مواجهة الجوع وصيف بلا منحة، ضيافات مغربية أصيلة احتضانا للغريب، اقتحام عوالم الصحافة المغربية ... هي مسارات شخصية لكنها تكشف أيضا أصوات مدينة في ذروة التحول. أما عن مبررات النبش في الذاكرة وتجميع فصل هام من مرحلتها الطلابية في كتاب، فلا يخفي المؤلف أن الوازع استراتيجية هروب من أوضاع مهنية ومادية صعبة تجشمها الكاتب خلال سنتي 1996 و1997، كما كشف عن ذلك في تقديم الطبعة الأولى من الكتاب التي صدرت عام 1998. يقول طلحة عن ظروف التأليف "عندما كتبت هذا الكتاب كنت آنذاك عاطلا، بدون عمل ولا موارد، على الرغم من أنني راكمت وقتها تجربة مهنية لا بأس بها، وكنت في قمة سنوات العطاء، وتلك مفارقة". ويضيف بنبرة حزن "ذلك الوضع كان يمكن تحمله، لكن الذي كان صعبا وقاسيا، هو تخلي القريبين والأصدقاء، إذ وجدت نفسي أصارع وحيدا تصاريف الزمن، ثم كاد الزمن أن يقهرني، خاصة عندما كادت أن تطال الظروف الضاغطة أطفالي (...) في تلك الظروف عدت الى الذاكرة وكتبت (أيام الرباط الأولى)".