بعد الجدل الذي أثير منذ انطلاق الاحتجاجات في المغرب في 20 فبراير الماضي، حول حجم هذه الاحتجاجات ومطالب منظميها وحجمها، جاءت مسيرات أمس لتثبت أن ثمة حركة شبابية تجمع الكثير من الأطياف السياسية والاجتماعية في المجتمع المغربي، توحدت في شعارات جامعة تتجاوز المطالب الفئوية والحزبية، تبين عن وعي سياسي كبير بطبيعة المرحلة التي تجتازها البلاد على كل المستويات، المحلية والإقليمية والدولية. من الواضح أن الحركة في تصاعد، وشعاراتها تنبئ بعدم الرضى على الإجراءات (الإعلان عن التعديلات الدستورية) التي أقدمت عليها السلطات إلى غاية الآن، وهي كما شددنا في مقالنا السابق، غير كافية وغير مقنعة. ونكرر ما قلناه في مقالات سابقة في هذا الموضوع على أن هذه الأعداد من المواطنين، دون أي انتقاص من شجاعة إخواننا وانضباطهم التنظيمي الرائع، لا تمثل ظاهرة متميزة في المغرب، المتعود على المظاهرات المليونية (لنتذكر مثلا مظاهرات المدونة والمظاهرات المضادة)، والمطلوب المزيد من الزخم الشعبي الذي من شأنه أن يشكل ضغطا أشد باتجاه الإصلاح بشكل حاسم. أما على المستوى السياسي، فقد أثبتت السلطات المغربية أن تحركاتها كانت "ديالكتيكية" أكثر منها عملية، والمظاهرات أثبتت أن كثرة الكلام وقلة الإدام لم تعد تجدي، وأن السلطات ستجد نفسها عما قريب أمام لحظات حاسمة تفرض تعاملا آخر. إن الحراك الإصلاحي، لحد الآن، مثل فرصة ثمينة تمت إضاعة شهر كامل للاستجابة التي نشدد على ضرورة أن تكون ملموسة ومقنعة. لا ينفع أن يكون التغيير دون مخاطرة ومواجهة بؤر الفساد من قبل الدولة، ستنجم عنها مواجهات مع هذه اللوبيات التي ستستخدم كل ما في يدها من وسائل للحفاظ على الوضع القائم. إن موعظة هذه الثورات المستعرة في العالم العربي أنه لا رجوع إلى الوراء، وأن الظرف الدولي والإقليمي يشجع هذه الحركات الاجتماعية والأنظمة في موقف دفاعي محرج، وأن المسألة الآن مسألة وقت وسيناريوهات سلمية أو دموية. وختاما، نشدد كما قلنا في المقالات السابقة، إن الكرة ما زالت في يد السلطات المغربية، وبإمكانها نزع فتيل الاحتجاجات عبر إصلاحات عميقة والبدء بمرحلة انتقالية حقيقية نحو مؤسسات خاضعة للقانون ومراعية لكرامة المواطن المغربي. لقد أثبت الشعب المغربي، الذي وصفته بعض وسائل الإعلام المغربية ب"العظيم"، أنه يميل إلى السيناريوهات السلمية والمتحضرة، والباقي على السلطة التي تتحمل المسؤولية الكاملة وتكون في مستوى هذا الشعب، نكرر، على تأمين مخرج يحفظ البلاد من كل الانزلاقات التي لا نريدها لأهلنا ولا لغيرنا من الشعوب العربية التواقة إلى الحرية والكرامة.