لا أحد يشك أن الملكية في المغرب قد التقطت نبض اللحظة التاريخية الحساسة التي يعيشها العالم العربي منذ ثلاثة أشهر، ومازالت فصولها في تصاعد وثبات عبر الزمن، وتبدو لحد الآن بدون سقف، لا في وجه الأمن أو البلطجية أو "أنصار الرئيس"، أو حتى هدير المدافع والطائرات كما يحصل في ليبيا. فقد توجهت الملكية إلى صلب الموضوع وأعلنت عن إصلاحات دستورية جذرية يمكن أن تضع المغرب بشكل حقيقي وملموس على سكة الديمقراطية والحريات العامة، والتي تلاها بعد أربع وعشرين ساعة تعيين لجنة لتعديل الدستور. لا نريد في هذه الخاطرة أن نقلل من أهمية هذه الخطوة، التي نعتبرها تاريخية بكل المقاييس، وهو إجماع داخلي وخارجي لم يستثن نفسه منه إلا من يمكن أن يصطلح عليه ب"المعارضين الأزليين". إلا أن هذا لا يجب أن يحجب الرؤية وينهي أمر المطالب المشروعة للشعب المغربي، بمعنى أن الإصلاحات الهيكلية للدستور المغربي هي إصلاحات على المدى المتوسط والبعيد من وجهة نظر المحتجين في الساحات العامة. غير أن الضرورة الحالية هي تعزيز إعلان النوايا الملكي الحاسم والواضح في الاستجابة للمطالب الملحة بخطوات عملية لمحاربة آفة الفساد التي تنخر جسد الدولة المغربية من خلال تحالف سياسيين وموظفين في الدولة على مختلف المستويات وتثير سخطا عارما لدى المواطنين، وعلى رأسها الوزير الأول عباس الفاسي، الذي يجب عزله من منصبه وسحب الحصانة منه للمثول أمام المحكمة في قضية النجاة، ووقائعها واضحة وموثقة، ثم إعادة النظر في تشكيلة الحكومة والمناصب السامية في الدولة التي تحولت إلى شجرة نسب لعائلة آل الفاسي ومن صاهرهم وجاورهم. ما يلزم في هذا الوقت هي تحركات للسلطة تدل على أن عهدا جديدا قد حل بالفعل، وأنه لن يتم التساهل من الآن فصاعدا مع الفساد والمفسدين. يلزم أن تستعيد السلطة بأسرع وقت ممكن ثقة المواطن بمساءلة كل من أشارت إليه الجماهير من رموز السلطة ولوبيات الفساد. هذا هو التحدي الآني وما يلزم مواصلة التعبئة في الشارع من أجل مواصلة الضغط في اتجاه الإصلاح العميق بمنتهى الجدية، ومن جهة السلطات إعطاء رسائل قوية وواضحة للرأي العام تؤكد أن "الثورة الهادئة" التي يقدم عليها المغرب منذ الأربعاء قد بدأت فعليا بإجراءات ملموسة على الأرض. لقد تم القيام بالأهم، غير أنه لا يلغي المهم في هذه اللحظة، وهو تعامل جديد من قضايا المواطنين ومحاربة بؤر الفساد بسلاح القانون.