لا يستطيع الواحد أن يقف موقف الحياد من كل ما يحدث على الساحة العربية من موجات تغيير وثورات شبابية تحررية نبيلة. ولا يمكن أن أبقى معزولا عما يعيشه بلدي من حراك وتعبئة إعلامية وفكرية وسياسية. وليس من شيمي أن اتربص ولا أستبق الأحداث حتى لاأكشف عن رأيي ولاأنحاز إلى جهة أو أخرى كحال المنافقين الذين قال الله فيهم { وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا ولئن أصبكم فضل من الله ليقولن كأن لم يكن بينكم وبينه مودة ياليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما}. فالناس أمام هذه الأحداث المتسارعة أحد ثلاثة: إما صاحب موقف صريح ونزيه مبني عن قناعة وصدق في الدفاع عنها سلبا وإيجابا، وإما أصحاب أغراض ونوايا مضمرة يسعون إلى تحقيقها على حساب الصالح العام، وإما إمعة مترقبون: ينتظرون انقلاب كفة النصر إلى طرف من الطرفين حتى يهتفوا بحياتهم ويرفعوا راياتهم... لقد ساندت ثورة الياسمين في تونس على مدونتي وساندت ثورة الشباب في مصر وأساند وسأساند كل دعوة تحرر من الظلم والإستبداد والتهميش وكل نداء حرية وكرامة وتعايش سلمي، لأن ذلك ببساطة ما يدعو إليه ديني ورسالتي التي أعتز بالإنتماء والدعوة إليها وهي الإسلام. أنا لمن لا يعرفني لا أنتمي وما انتميت إلى أي تيار سياسي أو فكري أوروحي وإن توهم ذلك البعض. أنا مسلم مفتخر ومعتز بديني الذي يدعو إلى كرامة الإنسان وإلى السعادة في الدارين، ومغربي الأصل والطفولة والمراهقة وبداية الشباب، ترعرعت في أزقته الشعبية وأكلت من خيره وشربت من مائه وتعلمت فيه قيم الخير وحب الناس والبساطة، وحفظت فيه القرآن وتعلمت في مدارسه وجامعاته وترددت على مساجده وحلقات العلماء ومجالس الصالحين... وإسباني الإقامة لعقد من الزمن في بلدي الثاني حيث انفتحت لي أبواب إلى تجارب إنسانية ومهنية وأكاديمية مثرية وإيجابية وحيث ازداد اعتزازي بأصولي الوطنية والدينية واندفعت لكي أكون عنصرا إيجابيا وفاعلا مسهما في الواقع والمجتمع. كثر الحديث عن 20 فبراير بين مؤيد ومعارض وانتشرت " عدوى الثورةبوك" إلى كل البلاد العربية أمام صمت مخز وترقب مريب للدوائر السياسية الغربية التي صدمت بفشل تقارير مراكز أبحاثها وبعدم صحة تسريبات جهاز مخابراتها. وأنا كمغربي يحق لي أن أبدي رأيي أيا كان فيما يخص بلدي مادمت معنيا بذلك وباعتباري ناشطا ومدونا شبابيا ولن أخفي مرجعيتي الإسلامية فكريا لأنها ستغلب علي. ورأيي هذا إنما هو رأي شخصي و لا يمثل جمعية الشباب المسلم في إسبانيا التي أتشرف برئاستها لأنها تعنى بتمثيل الشباب في إسبانيا و ليس في المغرب. واسمحوا لي أن أبدأ بشيء من "الديماغوجية" وإن كنت من أعدائها قائلا: المغرب ليس كمصر وتونس والجزائر والسعودية واليمن وسوريا وليبيا مع احترامي وحبي لشعوبها وبديهي أن هناك خصوصيات لكل بلد يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار ساعة المقارنة وهناك مكونات داخلية لهذه المجتمعات لا يعرف عمقها وقيمتها إلا من عاش وترعرع في داخلها. نعم هناك قاسم سياسي مشترك بين أنظمة الدول العربية جميعا هو التبعية الخارجية وخدمة المصالح الأمنية ولإستراتيجية للأقطاب المهيمنة على الساحة الدولية " العولمة الأمريكية الصهيونية" و"الوصي المستعمر الأوروبي العلماني" والتي لا هم لها إلا الحفاظ على أمن إسرائيل وأهدافها الصهيونية. لكن هناك فوارق على مستوى هامش الحريات الدينية والسياسية وعلى صعيد المستوى الإقتصادي والإجتماعي والخدماتي... ولا مجال للتفصيل هنا. بطبيعة الحال المغرب ليس "بجنة الأحلام" وليس بمنأى عن التجاوزات الحقوقية ولا عن اختلال العدالة الإجتماعية ولا عن مظاهر الفساد والرشوة والمحسوبية والتي قد لا تخلو منها تماما بعض الدول العظمى. و نحن الشعب المغربي كما الشعوب العربية نفسها نتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في استشراء كثير من هذه الممارسات حتى أصبحت جزءا من ثقافتنا. أتحدى الكثيرين من الذين يرفعون شعارات التغيير الآن أن تكون ذمتهم سليمة مائة بالمائة من بعض هذه الممارسات أو ألا يكونوا قبلوا المحسوبية أو تعاملوا بالرشوة في حياتهم بل من عهد قريب. ولا ينبغي أن ندعي اليوم تجذر ثقافة الحرية والمساواة والعدل والقانون فينا ونحن حتى الأمس القريب واليوم نتعامل فيما بيننا بنفس العملة ونكيل بنفس المكيال. نعم، ربما تكون التجربة التونسية والمصرية كسرت حاجز الخوف وأحيت الأمل في إمكانية التغيير... لكن ثمة أسئلة تطرحها نفسها بقوة، التغيير نعم ولكن، تغيير ماذا؟ ومن وراء هذا التغيير؟ وهل يلزم أن نركب الموجة في نفس الوقت وبنفس الشكل؟ وهل على سبيل المحاكاة أم على سبيل التغيير؟ أسئلة قد تبدو نابعة من عميل للنظام أو مرتزق يريد تثبيط العزائم ووأد "الثورة" في مهدها. لكني لن أضيع الوقت في الدفاع عن حقي في التفكير وإثارة النقاش ولن أساوم على وطنية أحد أو انتمائه. وإن كنا فعلا ندعو إلى الحرية والعدالة والتعدد، فما أنا بصدده هو ممارسة لها. أنا مع تغيير نظام الفساد والمحسوبية والرشوة في الإدارة والصحة والقضاء، أنا مع كرامة الناس وأمنهم في أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، أنا مع إسناد المهام الحكومية والأمنية والإدارية للشرفاء من الأكفاء لا إلى المنتسبين لعائلة فلان أو علان، أنا مع الحفاظ على قيم المجتمع المغربي الدينية الإسلامية وأمنه الروحي مع ضمان الحرية الفكرية والعقائدية والتعبدية للأقليات الأخرى، أنا مع الحفاظ على هويتنا الثقافية العربية والأمازيغية الإسلامية، أنا مع الحفاظ على وحدة المغرب الترابية وتاريخه الملتحم مع الملكية، أنا مع ملكية دستورية وسلطة تشريعية مستقلة وسلطة قضائية نزيهة ومستقلة، أنا مع صحافة نزيهة وحرة بعيدة عن المصالح الحزبية وعن الإثارة الرخيصة وتحترم مواثيق الشرف والإحترافية والموضوعية، أنا مع الحفاظ على ثوابت الشعب المغربي المتمثلة في الإسلام ولا بديل عنه وفي الملكية الدستورية ولا بديل عنها وفي الوحدة الترابية ولا بديل عنها، أنا مع العدالة الإجتماعية واللآمركزية وتوزيع الموارد والعدل في التنمية لكل جهات البلاد، أنا مع الحق في التغطية الصحية المجانية والحق في التعليم والحق في المسكن اللائق، أنا مع تطبيق القانون على الجميع وضمان حقوق المظلومين، أنا مع دعم الطاقات الشابة ودعم البحث العلمي والنهوض بمستوى التعليم، أنا مع التحرر من كل تبعية خارجية أيا كانت، أنا مع وحدة الأمة الإسلامية ومع السلم والتعايش بين الشعوب والأديان أساسه الإعتراف والإحترام المتبادل، أنا مع كل مظلوم على كل ظالم، أنا مع كل مقهور على كل قاهر، أنا مع الحق والعدل والرحمة والكرامة والحرية و المساواة والتعايش والسلم والأمن والأمان، وهذا ببساطة هو الإسلام. إذا كان الخروج في 20 فبراير في المغرب لأجل هذا أو بعض منه فأنا معه وأسأل الله أن يسدد المطالبين بهذه الحقوق المشروعة وأن يحفظهم، أما إذا كان الخروج لأغراض أخرى تحت غطاء هذه الشعارات والمطالب فلا وألف لا، ولا سددهم الله. فلا للنعرات القبلية الأمازيغية وأهدافها الصهيونية، التي تدعو إلى محو الثقافة العربية و الإسلامية من كيان ووجدان المغاربة. ولا للتوجهات العلمانية الإلحادية التي تستهدف بالأساس عمق العقيدة عند المغاربة وثوابتهم الدينية، ولا للتوجهات الإنفصالية التي تريد تشتيت المغرب إلى إمارة وإقطاعيات عميلة لقوى خارجية، ولا للأغراض الحزبية والسياسية والحركية حتى ولو كانت ذات خلفية إسلامية فلا نريد إسلاما طائفيا ولا مشروعا أحاديا وإنما نريده إسلاما. ولا للثورة من أجل الثورة ومن أجل المحاكاة والتقليد ومن أجل استراق الأضواء وكاميرات الإعلام للدعاية لأطروحات حزبية وحركية وسياسية، لا للمخربين وقطاع الطرق والبطالين والمفسدين في الأرض الذين يعشقون التخريب وبث الذعر والخوف والفوضى في الناس لكي يسلبوا وينهبوا كيف شاؤوا، ولا لعملاء الجهات الخارجية الصهيونية والتبشيرية والشيعية الرافضة والإلحادية والليبرالية والإستعمارية، ولا للمتنكرين لوطنهم ولفضل بلدهم وجميله عليهم و لا للحاقدين على إخوانهم ولا للذين لا يفرقون بين الحاكم والحكومة والمحكوم. ونعم وألف نعم لمغرب مسلم ملكي حر وكريم وآمن وموحد. حفظ الله مغربنا الحبيب وكل بلاد المسلمين وسدد الله الشرفاء والمخلصين ورد الله كيد الخائنين والحاقدين والمفسدين، وتقبل مني هذه الكلمات خالصة لوجهك الكريم، آمين آمين.