في كل مناسبة افتتاح دورات البرلمان المغربي تطرح علينا كمواطنين ومفكرين مسألة الديموقراطية ومدى مساهمة ممثلينا في ترسيخها ، عبر كل السبل التي تؤدي اليها ، من هنا ساحاول القاء نظرة تحليلية عن عمل البرلمان وبحكم تتبعي للعمل البرلماني منذ 1977،ترسخت لدي قناعات بان برلماننا اهدر عدة فرص ليكون محطة للإقلاع الديموقراطي، وذلك لعدة أسباب منها بنية النخب البرلمانية وتكوينها في حضن أحزاب تعاني من الهشاشة السياسية ، كما ان الساحة السياسية ضاقت بشكل كبير إبان سنوات الرصاص مما جعلها تخيم على الفعل السياسي في قادم الأيام والسنوات بل ومازالت بعض القطاعات تعمل كما لوان تلك السنوات مازالت قائمة ، بالرغم من العهد الجديد الذي قدم العديد من الضمانات العملية لتجاوز تلك المرحلة السياسية الصعبة ، منها دستور 2011 وإن جاء عقب تظاهرات 20قبراير ، فهو يحسب لجانب التغيير الإيجابي للنظام إلا ن التغيير لم يكن سريعا في الذهنيات ، وهذا ما جعل المغرب يسير بسرعتين واحد تنظر للماضي وتتشبث به وأخرى مستقبلية ولا تستطيع الوصول اليها وبالتالي يظل قطار الديموقراطية في محطة الإنطلاق واقفا. والبرلمان كمؤسسة تمثل كل أطياف الشعب المغربي لم يخترق بعد الفضاء السياسي الذي مازال حكرا على من يملك المال والجاه بل نجد ان المناصب السياسية دخلت في المغرب شجرة الوراثة ، فكثيرة هي الأسماء لعائلة واحدة تتكرر عبر كل ولاية برلمانية ، اما الفكر والثقافة فما زالتا في اسفل درجات المهتم بالسياسة والمشتغل فيها ، وهذا ما يفسر أن البرلماني المغربي هدفه المقعد اكثر مما يهمه التمثيل لفئة اجتماعية معينة ، لذا فالمقاعد البرلمانية تدخل البورصة السياسية فتباع وتشترى، مما يجعل من الممثل البرلماني للشعب ممثلا لمصالحه. والملاحظ في كل برلمانات العالم الديموقراطي، تكون هذه المؤسسات التشريعية موجودة وجودا ماديا وحاضرة حضورا ملموسا في الحياة السياسية لبلدانها التي جعلت من الديموقراطية مصيرها ونمط عيشها الذي لا محيد عنه ، إذ كلما كانت هناك قضية اومشكلة كيفما كان نوعها او مجالها او أزمة من الأزمات التي تتعرض لكل العالم سواء ازمة سياسية او طبيعية او جائحة كجائحة كورونا ،إلا وتجد البرلمان ،المؤسسة الممثلة للشعب ، في عمق الحدث السياسي عبر اقتراحات ومواقف وبيانات ، أي أن اول ردود الفعل تأتي من هذا المكون الأساسي والمحرك للحقل السياسي في كل تجلياته الداخلية والخارجية الاجتماعية والإقتصادية والمالية والإدارية والتعليمية والصحية ،الإستراتيجية والمستقبلية. وأين البرلمان المغربي من كل هذا؟ سنرى من خلال هذا المقال هل يقترب من مدخلات البرلمانات الديموقراطية ام انه مازال في مراحله التجاربية التي بدأت منذ 1962 أي اكثر من 50 سنة ، برلمان مغربي تارة يأخذ شكلا ثنائيا وتارة احاديا دون أن يكون لهذه او لتلك اية نتائج ملموسة على الواقع السياسي من حيث تراكم التجارب للعمل البرلماني وإغنائه والدفع بالمسلسل الديموقراطي الى الأمام ، لأننا مازلنا لحد الآن نجده مسرحا او ساحة للفرجة او سيركا كما وصفه يوما الملك الراحل الحسن الثاني ، بل أحيانا ما يكون النقاش هزيلا ومنحطا حيث يحضر الكلام السافل وكل مستويات النقاش الذي لا علاقة له بالسياسة . ذاك العمل النبيل، وهذا ما جعل البرلمان المغربي لحد الآن بعد كل الزمن السياسي الذي اضعناه هباءا في محاولة تأسيس بنيات سياسية تعبد الطريق للوصول لمحطة الديموقراطية التي اعتقد انها هي هدف كل الأنظمة وكل مكوناتها السياسية. تلك الديموقراطية التي من المفروض أن يجسدها البرلمان ها هي مازالت تئن تحت ثقل مؤسسة يريد صانعوها تلميع واجهتها التي كستها الضبابية لأنها لا تعبر عن طموحات الشعب ولا تقوم بعمل البرلمانات كما يتعارف عليها العالم .إذن كيف نعمل ونفعل هذا المكون الأساسي لتأسيس بنية وذهنية برلمانية سليمة تشتغل وفق قواعد النظرية والتنفيذ البرلماني كما تعمل وتمارس في الدول الديموقراطية ؟ مؤسسة برلمانية تغرف من صدق شعبنا وصموده ، ونبني برلمانا ينطق ويعمل وفق إرادتنا لا أن يتنكر لنا في أو خطوة نمشي فيه معا . دعونا نتعرف على الصناعة المحلية لدموقراطيتنا ونبسطها في العيش الكريم ورد الاعتبار للمواطن ولا مكان للاحتقار ولا مكان للتهميش والإذلال. ونوزع الخيرات الاقتصادية عبر ميكانيزمات قانونية لا مجال فيها للاحتكار ولا للاقتصاد الريع ولا للملكية {بكسرالميم} سواء المنقولة أو الثابتة التي لا تستغل لفائدة الشعب الذي يكتوى بنار الغلاء . لا نريد قيام سياسة السوق على حساب قوتنا ومعيشتنا وثقافتنا وهويتنا، لا نريد أن نزوق واجهات بيوتنا ومطبخنا فارغ من كل الأواني والزاد ، بصريح العبارة لا نريد تكحيل العين العمياء لنوهم الخطاب بجمال العروسة،والبقية تعلمونها. ... نريد أن يكون لنا برلمان ينسجم مع القواعد القانونية للدستور كما ينص الفصل 70 من دستور 2011 دون زيادة ولا نقصان وبكل ما تحمله كل كلمة من معنى ، ، فكلمة* تصويت * ليس هو رفع اليد دون معرفة لا موضوع التصويت ولا وجود قناعة سياسية ولا حتى حضور ذهني لما يجري ، فالتصويت يعني مسؤولية النائب في اتخاذ الموقف الذي على أساسه انتخب والمبادئ التي عبر عنها خلال حملته الانتخابية ، التي خولت له من الحصول على مقعد لتمثيل المواطنين الذين وضعوا ثقتهم فيه دون آخرين . كما أن كلمة *مراقبة *للحكومة تدل على ان البرلمان يقظ طول الوقت من خلال آليات مادية وبشرية في تتبع خطوات الحكومة في تنفيذ برنامجها الحكومي وكيفية تطبيق القوانين التي صوت عليها البرلمان ووضعها حيز النتفيذ . ، وأعتقد أن المراقبة لا تعني مراقبة الأوراق والدراسات التي تخططها الحكومة والبيانات التي تمد بها البرلمان في الأوراق الناعمة ، بل المراقبة هو النزول في الميدان وفحص دقيق لكل العمليات الحكومية ومدى مطابقتها للقوانين التي صوت عليها ذلك البرلمان، ووضع لجان للمراقبة والبحث واستنتاجات سياسية على اثرها تكون الحكومة موضع تساؤل وقد تتعرض لحجب الثقة التي حصلت عليها إبان تعيينها. إن البرلمان المغربي مع الأسف، لم يساهم في بناء الصرح الديموقراطي الذي هو آمل كل مغربي بجميع تياراته السياسية والفكرية ، غير أن النخب المتواجدة والمروضة(بكسر.الواو) على المسك بمقود السلطة استقرت في مكانها بل وتراجعت للوراء لتحافظ على الحياة النعيمة التي وجدت فيها نفسها دون كبير عناء، وبالتالي تناسلت النخب متراخية في العمل من اجل تثبيت قواعد ديموقراطية وممارسات سياسية شفافة من خلال سلوكيات تبدأ من محاسبة الذات قبل محاسبة الغير ، وبذلك يأتي الخلف وأمامه تراكم من الفعل السليم الذي لن يستقيم العمل من دونه لأن الطريق الى الديموقراطية لن يكون سالكا إلا من خلاله. فالتاريخ البرلماني العالمي قدم لنا دروسا لبرلمانات ساهمت في إرساء الديموقراطية في بلدانها مثل البرلمان الإبريطاني إبان حكم الملك "جون سان تار " حيث قدم المجلس نصا يوم 15 يونيه 1215 وهو ما سمي بالميثاق العظيم ومنذ ذلك الوقت مازال هذا النص ساري المفعول ويعتبر بمثابة دستور بالرغم من ان ابريطانيا ليس لها دستور ، بل تسير بمجموعة اعراف الى جانب الميثاق العظيم ، فهذا الدرس التاريخي للبرلمان الإنجليزي يعتبر قفزة في المسار الديموقراطي أيام كانت الأنظمة إما أقطاعية او ملكيات مطلقة ، والتطور الديموقراطي لم يكن طريقا سهلا بل كانت هناك عقبات ومقاومة بين انصار تأسيس دولة تحتكم للقانون ، ومعارضيها ، إلا أن التيار الديموقراطي هو الذي فاز أخيرا... إلا أن البرلمان المغربي بالرغم من مرور الزمن السياسي وكذا انفتاح النظام السياسي علي العالم الديموقراطي ، انكمش في قوقعته كما لو أن لا شيئ يدور حوله ، استقر في دوره التقليدي ، المصادقة على مشاريع القوانين التي تقدمها الحكومة دون أن يخوض غمار النقاش السياسي ويساهم في تطوير الساحة السياسية ، إلا أن ذلك لن يكون متأتيا لأن مكوناته ذاتها تحتاج الى تطوير وان تتعامل مع الفعل السياسي المغربي بنوع من الواقعية وتنحاز الى الأغلبية التي تمثلها ولا تنعزل في قرارت وتخرج عن السياق العام لما يدور في البلاد من قضايا تستلزم مواقف برلمانية جريئة وتخرج من الإصطفاف الضيق والحزبية الفارغة المحتوى والتي تراعي فقط مصالح آنية ولا تطلق العنان لفكر السياسي لترى مستقبل البلاد أين هو؟ لم يكن للبرلمان المغربي أن يفطن لوضعه كمؤسسة تشريعية وأنه أيضا مؤسسة سياسية وان وجوده المكاني في وثيقة الدستور بين سلطتين الملكية والتنفيذية لها دلالتها السياسية والرمزية بحيث أن واضعي الدستور المغربي جعلوا من البرلمان مركز توازن بين السلطتين أيان ذلك يمكنه أن يحاور الإثنتين في عدة مناسبات سياسية كافتتاح دورات أكتوبر البرلمانية من قبل الملك مثلا و الأسئلة الشفاهية والكتابية التي تقدم للحكومة ولكل أعضائها على حدة.، من هناك يمكن للبرلمان ولجانه ان يعمل على توازن النظام السياسي وتعبيد الطريق نحو الفعل الديموقراطي من خلال تقديم اقتراحات للطرفين ومذكرات التي تصب في تحسين الوضع العام للبلاد داخليا وخارجيا. وأخيرا إذا كان لابد من خاتمة، وجب التأكيد على أن العمل البرلماني بالمغرب يحتاج الى رجة توقضه من السبات الذي دخله واطمأن على حالته تلك ولم يتعب نفسه لمشاهدة نظرائه البرلمانيين في العالم الديموقراطي كيف يجعلون من العمل البرلماني في مقدمة الفعل السياسي ومحركا للنقاش الذي يقترح الحلول ويجني الثمار وليس النقاش العقيم الذي لا طائل وراءه كما يجري عندنا ، فبالإصرار والجرأة وتحديد الأهداف مع وجود الإرادة السياسية يمكن للبرلمان المغربي أن يكون محطة للإقلاع الديموقراطي.