أيام قليلة على انضمام مملكة البحرين و الإمارات إلى خط التطبيع مع إسرائيل، يتساءل المتتبعون من الدولة العربية التالية التي ستقدم على نفس الخطوة مع الكيان الإسرائيلي. واعتبرت مصادر دبلوماسية عربية متتبعة للوضع الخليجي عن كثب أنّ ترحيب سلطنة عمان باتفاق السلام البحريني – الإسرائيلي يشير إلى أنّها تمهد لنفسها كي تكون الدولة العربية الخامسة التي تسير في خط التطبيع. وأوضحت هذه المصادر أنّ سلطنة عُمان تتمتع بكلّ المواصفات التي يمكن أن تجعل منها الدولة العربية الخامسة، بعد مصر والأردن ودولة الإماراتوالبحرين، التي تقْدم على مثل هذه الخطوة تُجاه إسرائيل. وأشارت في هذا المجال إلى أن السلطان الراحل قابوس بن سعيد لعب دوره في تعبيد الطريق أمام خليفته السلطان هيثم بن طارق للإقدام على عقد اتفاق سلام مع إسرائيل، وذلك عندما استقبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مسقط أكتوبر 2018 بكلّ حفاوة واحترام. وكان لافتا أن الزيارة، وهي الأولى من نوعها التي يقوم بها مسؤول إسرائيلي في هذا المستوى إلى دولة عربية خليجية، ترافقت مع حرص عُماني على اتّباع كل التقاليد الرسمية والبروتوكول الذي يحيط بزيارة رؤساء الدول والشخصيات الكبيرة إلى السلطنة. وفي هذا المجال أُعطي رئيس الوزراء الإسرائيلي لقب "دولة الرئيس" في وسائل الإعلام الرسمية العُمانية. وقالت شخصية خليجية تعرف الوضع في سلطنة عُمان جيّدا إن السلطان قابوس كشف لدى استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي قبل نحو سنة وثلاثة أشهر من وفاته أنّ سلطنة عُمان لا تخشى ردود الفعل الإيرانية. ولاحظت هذه الشخصية أن إيران لم تنبس ببنت شفة بعد مجيء نتنياهو إلى مسقط، وذلك على عكس ما فعلته بعد الإعلان عن اتفاق سلام برعاية أميركية بين كلّ من دولة الإمارات العربيّة المتحدة ومملكة البحرين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى. وزار وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو سلطنة عمان بعد اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي الذي توسّطت فيه واشنطن. واستقبل السلطان هيثم بن طارق بومبيو في العاصمة مسقط. وقال بومبيو إنه تطرق خلال اجتماعه مع السلطان هيثم بن طارق آل سعيد إلى "أهمية تحقيق السلام والاستقرار والازدهار في المنطقة من خلال مجلس تعاون خليجي موحّد". ورأت هذه الشخصيّة أن رد الفعل الإيراني على استقبال نتنياهو في مسقط كشف حقيقة مواقف "الجمهورية الإسلامية" المبنية على المزايدات وعلى حماية مصالحها في الوقت ذاته. وقالت في هذا المجال إنّ الصمت الإيراني أكّد العجز عن الردّ على أي خطوة عُمانية في أي اتجاه كان. ولم يقتصر العجز على إيران نفسها، بل التزم حزب الله في لبنان موقفا تابعا للموقف الإيراني ولم يوجّه أيّ انتقاد إلى السلطنة. ولم يستبعد مراقبون أن تخطو الدبلوماسية العمانية بقيادة وزير الخارجية الجديد بدر البوسعيدي خطوة إلى الوراء في العلاقة المتينة التي ظلت لسنوات طويلة تربط بين عمانوإيران، في ظل تعاظم التساؤلات عن الفائدة التي تجنيها السلطنة من وراء تلك العلاقة، فيما الفوائد التي تجنيها طهران واضحة للعيان وأقلّها فكّ عزلتها وشقّ الصف الخليجي ومنع تشكيل جبهة إقليمية موحّدة ضدّها. ومن التغييرات الكبيرة المنتظرة أيضا في العلاقات الإقليمية للسلطنة، ترسيم العلاقة مع إسرائيل اقتداء بالخطوة التي اتّخذتها دولة الإماراتوالبحرين وباركتها سلطنة عمان. ولن تحتاج مسقط في ذلك إلى ما هو أكثر من إخراج العلاقات التي ربطتها دائما بتل أبيب من طور السرية إلى طور العلن، وكانت قد شرعت في ذلك فعلا بزيارة نتنياهو إلى العاصمة مسقط في أكتوبر 2018. وكان وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين قد ذكر، بعد أيام من الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي الذي جرى الإعلان عنه في الثالث عشر من أغسطس الماضي، أن سلطنة عمان قد تتخذ الخطوة ذاتها أيضا. ورحبت السلطنة بقرارَيْ الإماراتوالبحرين لكنها لم تصدر تعليقا رسميا على ما يتردد عن عزمها التطبيع أيضا مع إسرائيل. وذكر التلفزيون الرسمي لسلطنة عمان أن "البلاد ترحب بمبادرة البحرين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل وتأمل في أن يساهم ذلك في تحقيق السلام الإسرائيلي الفلسطيني". ونشرت القناة العامة العُمانية على حسابها في تويتر البيان الحكومي الذي قال إنّ "السلطنة ترحب بالمبادرة التي اتخذتها مملكة البحرين الشقيقة في إطار حقوقها السيادية والإعلان الثلاثي المشترك في شأن العلاقات مع إسرائيل. تأمل السلطنة بأن يكون هذا التوجه الإستراتيجي الجديد، الذي اختارته بعض الدول العربية، رافدا عمليا ينصب نحو تحقيق السلام المبني على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وقيام دولة فلسطين المستقلة بعاصمتها القدس الشرقية". ويذكر أن سلطنة عُمان اتخذت دائما مواقف تأخذ في الاعتبار العلاقة الخاصة التي تربطها بإيران دون أن تسمح لها بفرض مواقف معيّنة عليها. وقالت الأوساط العربية التي تتابع الوضع الخليجي إنّ العلاقة الجيدة مع إيران ثابت من ثوابت السياسة العمانية، وذلك بغض النظر عن طبيعة النظام القائم في هذا المجال. وأشارت في هذا الخصوص إلى أنّه سبق لإيران في عهد الشاه أن أرسلت إلى سلطنة عمان، التي تتشارك معها في السيطرة على مضيق هرمز، قوات عسكرية للمشاركة في القضاء على التمرّد الذي كانت تشهده منطقة ظفار. ولم يمنع ذلك استمرارَ التقارب العُماني مع إيران في مرحلة ما بعد سقوط الشاه وقيام "الجمهورية الإسلامية". وتوج هذا التقارب بالدور الذي لعبته سلطنة عُمان في التوصل إلى الاتفاق بشأن الملفّ النووي الإيراني صيف عام 2015.