في شمال مدينة طهران وفي شارع ميرداماد (وهو فيلسوف إيراني برز في بداية عهد الصفويين)، يثير مبنى صغير اهتمام سكان الحي حيث لا تعلوه لافتة تفصح عن هويته رغم أن طبيعته توحي بأنه مبنى إداري حكومي. في ذلك المبنى تعمل وحدة تابعة لمكتب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي. تحمل هذه الوحدة اسم "كتامة". الباحث عبد العزيز الخميس يسلط الضوء على تلك الوحدة ودورها كذراع إيرانية خفية تعبث في المشهد المغاربي. "كتامة" اسم ليس غريباً على الإيرانيين؛ فهي مفردة مشتقة من فعل "كتم" في اللغة العربية ولعلها تنطبق على طبيعة عمل موظفي وحدة "كتامة" من حيث الكتمان، لكنهم في هذا المبنى يعنون اسم منطقة في المغرب يعدها مؤرخو الشيعة أقدم قاعدة لنشر التشيع في شمال إفريقيا تاريخياً، حيث سكن فيها أبو عبد الله الشيعي أحد دعاة الإسماعيلية، وعمل منها على نشر المذهب الإسماعيلي الشيعي. يعمل موظفو وحدة "كتامة" على الرغم من أنهم ليسوا إسماعيليين، بدأب على إعداد خطط تحت إشراف مكتب المرشد العام لنشر التشيع الاثني عشري الجعفري في المغرب العربي. وتتضمن هذه الخطط الدعم المعنوي والمادي لشبكات تشييع منتشرة في المغرب العربي وتكثيف النشاط التبشيري عبر أوروبا حيث تستهدف الجاليات المغاربية في فرنسا وبريطانيا وألمانيا. في داخل مكتب مدير الوحدة والذي يتناول قهوته صباحاً في مقهى "يين" أسفل المبنى، خارطة كبيرة لشمال افريقيا، حيث غرس المدير الذي يرتدي عمامة سوداء عدة دبابيس على مواقع مدن في تونس والجزائر والمغرب. كانت الدبابيس على منطقة كتامة في شمال المغرب واضحة لإحدى زائرات المكتب وهي تونسية تعيش في بريطانيا اقترنت بإيراني يعمل في فرع "كتامة" في أوروبا. وكانت قد رافقته إلى طهران حيث زارت الوحدة والتقت ببعض موظفيها بعد أن عملت مع الوحدة في أوروبا لفترة طويلة وفارقتها مؤخراً غير نادمة، بالطبع بعد أن فارقت زوجها. لا تعد "كتامة" مهوى أفئدة موظفي الوحدة ورؤسائهم بل ان الدبوس الأحمر الكبير على الخريطة كان مغروساً على موقع مدينة القاهرة حيث يوجد الأزهر الشريف والذي يعده الإيرانيون قدسهم في شمال إفريقيا. يحدد باحث عراقي متشدد اسمه حسين كاظم أسباب اعتبار الأزهر قدس الشيعة المسلوب في شمال إفريقيا بالتالي: - أصبح الأزهر بيد السنة مركز استقطاب للعناصر الطائفية المعادية للشيعة ومركز الشرعية الطائفية للسنة، وهو يحتضن حارث الضاري ومثنى ابنه وزعامات سنية أخرى بالعالم، ويصفه الباحث العراقي بأنه "مؤسسة شيعية مغتصبة من قبل السنة". - الأزهر أصبح مركز استقطاب للتعليم بالمذهب السني أساسا، في العالم، وبالتالي أصبح مركز لمواجهة التشيع والشيعة في شمال إفريقيا. - خريجو الأزهر من السنة أصبحوا نماذج للمقاومة ضد الشيعة، كالقرضاوي، وأصبح الأزهر حلقة وسطية للانتقال إلى الجماعات المسلحة، ومعظم الزعامات المسلحة تثقفت من الأزهر. - الأزهر كمؤسسة أصبح غطاء للتدخل بالشأن الداخلي بالعالم الإسلامي لتمرير (ما يراه حسين كاظم) "الأطماع المصرية والعداء ضد الشيعة". - يمثل الأزهر الآن رمزاً للانكسار الشيعي والتشيع في شمال إفريقيا والعالم، واستمرار ذلك يعني تشجيع الجماعات السنية على الزحف على مراكز الاستقطاب الشيعية والاستيلاء عليها. بعيدا عن أحلام حسين كاظم ومن لف لفه، تعيش خطط وحدة "كتامة" الإيرانيةالجديدة مرحلة تشاور وإعادة ترتيب للأولويات بين العاملين، وتشير الزائرة التونسية وزوجة أحدهم السابقة إلى أن وحدة "كتامة" غيرت من خططها والتي كانت تركز على نشر التشيع في شمال إفريقيا عبر أوروبا أو الخليج العربي. وأن الخطة الجديدة ستبدأ من مصر وبعد استكشاف إمكانية العمل من القاهرة، في ظل التغيرات الجديدة في مصر. "العميل" قطيط تعد البحرين مركز نشاط تبشيري للتشيع؛ إذ يتم منها إرسال مواد كثيرة عبر البريد لدول المغرب العربي، ويتم الطبع والتصميم وإنشاء المواقع الالكترونية الموجهة للمغرب العربي بتمويل يأتي عبر احد آيات المجلس العلمائي في المنامة وهو عيسى قاسم، والذي تشير التحقيقات الجزائرية إلى أنه يتسلم الأموال المخصصة لنشاط "كتامة" في البحرين من طهران. من جانب آخر يتهم كثير من البحرينيين رجلاً غريب الأطوار قبض عليه في مطار البحرين وهو يحمل دولارات مزورة بأنه "عميل" وموفد وحدة "كتامة" إلى شمال إفريقيا ومنسق نشاطاتها عبر البحرين. في عام 2005 بعد أن شعر هذا "العميل" انه مراقب في البحرين غادرها إلى قطر التي أعادته إلى المنامة حيث أودع السجن لمدة سبعة أشهر. قال هشام آل قطيط ويلقب نفسه بالمستبصر، وهو لقب يخلعه الشيعة على اي شخص من مذهب او دين آخر ويتشيع للسلطات البحرينية، انه استلم الدولارات المزورة من معممين بحرينيين على شكل تبرعات لصالح بناء مساجد وحسينيات في شمال أفريقيا. وحينما قامت السلطات البحرينية بالتحقق لم تجد دليلاً واحداً على ذلك، لكن الخيوط دلت على لقاءات بين قطيط ومسؤولين إيرانيين في السفارة الإيرانية في المنامة، قد يكونون هم من موله بهذه الدولارات التي ظهر انها مزورة. تحيط الشكوك بهذا الرجل المعمم الذي خدم كجندي سوري في لبنان حيث قادته قدميه للضاحية الجنوبية ثم لمواقع أخرى قد تكون قريبة من شارع ميرداماد. يبتعد الكثير من الناشطين الشيعة في البحرين عن قطيط وتدور حوله اشاعات كثيرة حيث يراه الكثير منهم مجرد تاجر يتربح من التشيع والنشاط الشيعي. ويتهم هذا المواطن السوري في البحرين بأنه حالياً في شمال افريقيا حيث يعمل لصالح وحدة "كتامة" بعد ان كشف أمره في الخليج لكن معلومات حديثة من بغداد تشير الى ان قطيط يعيش الآن في الكويت التي يتنقل بينها وبين المغرب العربي والبوسنة حيث يمارس الدور التبشيري نفسه. وتشير مصادر عراقية إلى أن قطيط يتلقى حالياً تمويلاً من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، إلا أن منبع التمويل يأتي من وحدة "كتامة". لكن قطيط لم يغادر البحرين دون أن يفعل حسناً حين ساعد في تقديم جردة كاملة لمن يعتبرون أقطاب التشيع في شمال إفريقيا وهم: - الدكتور محمد التيجاني السماوي من تونس والذي ألف ستة كتب في التشيع هي "ثم اهتديت"، "لأكون مع الصادقين"، "فاسألوا أهل الذكر"، "الشيعة هم أهل السنة"، "أعرف الحق"، "كل الحلول عند آل الرسول". ويعمل التيجاني، الذي كان صوفيا قبل تشيعه، حالياً في وظيفة وكيل آية الله السيستاني في تونس. ويعد التيجاني القطب المهم ومحور النشاط الشيعي العلني في شمال إفريقيا. - محمد الكثيري، من المغرب وقد ألف كتابا في مقارنة المذاهب "السلفية بين أهل السنة والإمامية". - إدريس هاني (الحسيني)، مغربي. يقول عنه قطيط أنه كان على مذهب أهل السنة فتشيع، له عدة مؤلفات مطبوعة منها "لقد شيعني الحسين" أو "الانتقال الصعب في المذهب والمعتقد" و"الخلافة المغتصبة" وبتمويل من الجناح اللبناني لوحدة "كتامة". وينشط إدريس هاني حالياً في نشر التشيع بين الشرائح الفقيرة في المغرب. - عبد المجيد تراب زمزمي. وهو أستاذ رياضيات في سويسرا ومتخصص في علوم التنمية (جامعة جنيف). وأصله من تونس ومقيم حاليا في سويسرا وله كتاب مطبوع وهو "الحرب العراقية الإيرانية" دافع فيه عن موقف الخميني وإيران وكتاب آخر هو "الإسلام والقوميات"، قدم له المفكر الفرنسي المسلم روجيه غارودي. الدكتور محمد المغلي وهو ابن عم المفكر الجزائري المعروف مالك بن نبي صاحب كتاب "الظاهرة القرآنية" وغيره. وهو أستاذ علم الاجتماع في جامعة بروكسل في بلجيكا وقد التقاه قطيط في أحد المؤتمرات الإسلامية وحل ضيفاً عنده في داره بدمشق ثلاثة أيام وذلك عام 1982 وقد أخبر قطيط أنه تشيع وأنه على مذهب الشيعة الإمامية. ويقول قطيط أنه سأله عن الأسباب التي دعته لذلك ذكر له سببين هما: تأثره بالخميني وبأفكاره الثورية. - عصام أحميدان. من المغرب. بعد أن أنهي شهادته التعليمية كمحامي، ينتقل عصام فجأة إلى دمشق حيث درس لمدة طويلة في حوزة المرتضى بمنطقة السيدة زينب ويعتبر قطب مهم للشيعة في المغرب. يتضح من قراءة تاريخه العلمي والشخصي ارتباطه بشخصيات شيعية كويتية هي التي كانت وراء تشيعه ووراء دعم جمعية "أنوار المودة" في تطوان والتي يديرها على الرغم من عدم حصولها على ترخيص. - محمد الحموشي الريفي باحث مغربي ذو خلفية في مجال الحقوق يقوم بالإشراف على منتدى "العترة الطاهرة" وله من المقالات "الشيعة في المغرب:أرضية للنقاش؟" و"العترة الطاهرة: الدعوة إلى الاستمساك بها". على الرغم من أن نشاطات قطيط في المغرب العربي لم تكن واضحة للإعلام المغربي إلا انه ولغرابة المعلومات التي ترشح عنه يتم استخدامه في الوقت الراهن من قبل وحدة "كتامة" لنشر التشيع وتأسيس شبكاته تنشر في الكويت والبحرين بين الناشطين الشيعة هناك. لكن وحدة "كتامة" لم تعتمد فقط على قطيط فهناك أطراف أخرى وأساليب كثيرة يبرزها معارضو التشيع في المغرب العربي. قد تنجح إيران في تشييع بضعة مئات في المغرب لكن ذلك لا يعني نجاح مخططها بل سيلقى مصير سلفه فكر القاعدة في زمن الثورات العربية. عن موقع "ميدل إيست أون لاين"، 8 شتنبر 2011.