كل شهر، أدخل في مواجهة وحش، وأعمد إلى إعداد نفسي من خلال الاعتماد على نظام غذائي صحي وبعض الأقراص الطبية، لكن سرعان ما يطرأ تحول على شخصيتي ويبدو الأمر أشبه بزر تشغيل تم الضغط عليه ليبدأ العمل على امتداد دورة الحيض التي تمتد لثلاثة أسابيع. وإذا كانت غالبية النساء يتعرضن لانتفاخ بعض الشيء في البطن ويصبحن غريبات الأطوار قليلا ومتوترات، فإنني أتحول لارتداء مقاس مغاير تماما في الملبس وأحاول منع زوجي من الدخول إلى أي غرفة أوجد بها. ويهيمن علي التفكير حول ما الذي سأتناوله في العشاء لدرجة تدفعني في النهاية إلى الانهيار، والتوجه للجوء إلى الأطعمة المجمدة. تشخيص الحالة منذ عامين، شخص طبيب حالتي باعتبارها اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي premenstrual dysphoric disorder PMDD. وتشبه هذه التوترات، مثلما يوحي اسمها، متلازمة ما قبل الطمث premenstrual syndrome PMS. وبهدف تشخيص اضطرابات ما قبل الطمث، يتطلع الأطباء نحو مؤشرات على حدوث تغيرات ذهنية وبدنية مرتبطة بالدورة الشهرية للمرأة على نحو يؤثر على تمتعها بحياة طبيعية. والنساء اللاتي عايشن هذا الأمر يشبهنه غالبا بخوض تجربة خارج حدود الجسد: حيث يصبن بمس من الجنون، على الرغم من استمرار إدراك جزء منهن بأن هذا السلوك من جانبهن غير صائب. لا أحد يدري على وجه التحديد أسباب اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي، أو لماذا يصيب بعض النساء تحديدا من دون الآخرين. ويقدر خبراء طبيون أن نسبة تتراوح بين 3% و6% من النساء في الفترة العمرية التي تسمح بالحمل والوضع يعانين من هذه الاضطرابات. من ناحيتها، أشارت جوان في. بينكرتون، بروفسورة طب النساء والتوليد بجامعة فيرجينيا إلى أن بعض أجسام النساء والمواد الكيميائية التي يفرزها المخ تتفاعل بحدة مع الدورات الهرمونية العادية. واستطردت موضحة أن «معظم النساء يشعرن بأن هذا الأمر ينبغي أن يتمكن من السيطرة عليه أو التعامل معه، على الرغم من أنه في حقيقته حالة مرضية طبية». تعد اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي اسم جديد لحالة دأبت النساء على الشكوى منها لسنوات. وقد سبق أن عانت والدتي من أعراض شبيهة لما أتعرض له. جرائم بسبب الحالة وفي بعض الأحيان، قوبلت مثل هذه الشكاوى بالرفض باعتبارها تحط من قدر النساء. وبعد أن استغلت سيدتان بريطانيتان، إحداهما قتلت حبيبها والأخرى لوحت بسكين على سبيل التهديد داخل مركز شرطة، متلازمة ما قبل الطمث في حجة الدفاع في محاكمتين منفصلتين عام 1981، نددت جهة الادعاء بهذا الأمر معتبرة إياه انتكاسة للحركة النسوية. وعندما استغلت سيدة من نيويورك نفس الحجة في الدفاع عن نفسها عام 1982 بعد اتهامها بضرب طفلها، علق أحد الأساتذة بجامعة كولومبيا بالقول: «هل يمكن أن نقول الآن إن اكتمال القمر يسبب الجرائم وإن الجاني ليس مسؤولا من الناحية الجنائية؟». اضطراب اكتئابي في مطلع تسعينات القرن الماضي، أصبحت اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي تشخيصا مقبولا عندما تضمنها تقرير «الإرشادات التشخيصية والإحصائية للاضطرابات العقلية»، وهو عمل يجري الاعتماد عليه على نطاق واسع كمرجع ويصدر عن «الاتحاد الأميركي للطب العقلي». وأشار التقرير إلى الاضطرابات باعتبارها «اضطرابا اكتئابيا ليس له محددات أخرى»، واليوم، نما أمر هذا التشخيص إلى أسماع معظم الأطباء، على الرغم من أن الكثيرات ممن يعانين من اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي يشتكين من أن حالتهن تعرضت لتشخيص خاطئ في فترة ما. ليس من السهل دوما التعرف على هذه الحالات، فحتى الأطباء المتمرسون ربما يواجهون صعوبة في إدراك الاكتئاب أو القلق الذي يصيب المريضة خلال فترة معينة من كل شهر، ربما لأنها نفسها لم تلحظه هي الأخرى. وفي هذا الصدد، قالت بينكرتون: «إذا لم يعلن النساء أن هذا الأمر يؤثر على الأسرة والقدرة على العمل، إذا فالطبيب لا يعي أن تلك مشكلة». دراسة الشعور يعتمد تشخيص الأطباء لحالات اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي على وضع رسم بياني يوضح شعور المريضات يوميا على امتداد شهرين على الأقل. وإذا كانت هناك حالة إصابة بالاضطرابات، فإن الرسم البياني سيكشف ظهور عدة أعراض في غضون فترة تتراوح بين 10 أيام وأسبوعين قبل الطمث. وتتسم هذه الأعراض بدرجة من الحدة تجعلها قادرة على التأثير على قدرة المريضة على العمل والتفاعل الاجتماعي ورعاية أسرتها، مما يعني أن بعض النساء يناضلن قرابة نصف الوقت خلال سنوات قدرتهن على الحمل والوضع. حالات شخصية على المستوى الشخصي، بدأت في الشعور بأعراض هذه الاضطرابات في منتصف العشرينات من عمري. ومع بلوغي 33 سنة الآن، تفاقمت حدة الأعراض. وعلى الرغم من مناقشتي هذه الأعراض مع أطباء، فإنهم لم يولوها أهمية أو اقترحوا علي الحصول على قسط من النوم أو ممارسة تدريبات رياضية، من دون أن يمعنوا النظر في الصورة الأكبر. ولكن بعدما شرعت في إجراء أبحاث من تلقاء نفسي ووضعت رسما بيانيا لحالتي النفسية لمدة شهرين وعرضتها على طبيبي الخاص الذي شخص الحالة عندئذ بأنها اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي. في العادة، فإني أتميز بشخصية انبساطية، لكن اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي تخلق مني إنسانة معادية بشدة للتفاعل الاجتماعي. خلال تلك الفترة، أتجنب الخروج في نزهة مع الكلب الخاص بي، كي لا ألتقي الجيران، وفي بعض الأحيان أشعر برغبة في تناول كل ما تطاله يدي من الشوكولاته. من ناحية أخرى، لا تعتبر ستيفاني أوتيري، وهي كاتبة ومحررة في نيوجيرسي، نفسها من الشخصيات العنيفة، بجانب أنها تعيش حياة زوجية سعيدة – في معظم الوقت. ووصفت حالتها بقولها: «في بعض الفترات أدخل في جدال محتدم مع زوجي بلا سبب، وأفقد السيطرة على نفسي تماما.وكنت لا أعي ما يحدث لي لأنني أتصرف حينها كشخص مجنون تماما». ووصل الأمر بها في بعض الأحيان حد المطالبة بالطلاق والتهديد بالرحيل عن المنزل، بل وآذت نفسها ذات مرة بضرب رأسها في الباب. وأخيرا، عثرت أوتيري، 29 عاما، على بعض العون للتحكم في هذه الأعراض بتناولها عقار لمنع الحمل يؤخذ عن طريق الفم يدعى «ياز» Yaz الذي بمقدوره تنظيم الهرمونات ونال موافقة «وكالة الغذاء والدواء» باعتباره علاجا لأعراض اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي لبعض النساء. وعندما توقفت أوتيري عن تناول العقار مؤخرا في محاولة للإنجاب، عاينت معاودة بعض المشاعر المجنونة إليها، لكنها تأمل في أن تتمكن من السيطرة عليها. محاولات علاجية نظرا للتوازن المتنوع في العناصر الكيميائية في الجسم، لا يوجد علاج واحد قاطع لاضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي، وإنما مجرد محاولات للتقليل من حدة الأعراض. بمجرد تشخيص الحالة، غالبا ما يقترح الأطباء كخطوة أولى أن تراقب النساء نظامها الغذائي، خاصة السكر والملح والكحوليات والكافيين، والتي يمكنها التأثير على انتفاخ البطن وزيادة الوزن وربما التقلبات المزاجية. ومن الممكن أن تسهم زيادة جرعات الكالسيوم وفيتامين بي 12 في الجسم وممارسة اليوغا أو تدريبات رياضية منتظمة على نحو إيجابي في مواجهة الاضطرابات، وإن كانت معظم الفوائد المرتبطة بالطعام والفيتامينات والتدريبات الرياضية معتمدة على مجرد ملاحظات شفهية لم تثبت علميا بعد. وتقول نانسي غابا، بروفسور مساعد طب النساء والتوليد بكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة جورج واشنطن، إن «بعض النساء يلمسن انحسارا في حدة الأعراض مع اتباع هذه الخطوات، وهو أمر جيد»، بينما تبدي أخريات استجابة أفضل للإبر الصينية أو حبوب منع الحمل، أو جرعات قليلة من «فلوكستين» fluoxetine المضاد للاكتئاب، والمعروف تجاريا باسم «بروزاك» Prozac، لكن يجري الترويج له كعلاج لاضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي باسم «سارافيم» Sarafem. تتناول بعض المريضات الجرعات يوميا، في الوقت الذي لا تتناولها أخريات سوى خلال الأيام ال10 السابقة للطمث. وقالت غابا: «ربما لا تقضي هذه الخطوات على الأعراض كلية، وربما لا يتحول الأمر من 100% سلبا إلى 100% إيجابا. لكن إذا كانت لديك توقعات أكثر واقعية، فمن المحتمل بدرجة أكبر بكثير أن تعلن نجاح العلاج». لدى مشاهدتها إعلانا تجاريا عن عقار «سارافيم»، أدركت ستيفاني بروز، 36 عاما، أن ما ظلت تعانيه شهريا منذ سنوات المراهقة يحمل اسما علميا – وربما علاجا. واليوم، تكتب ستيفاني، وهي أم لأربعة أطفال، مدونة عن اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي وتدير منتدى عبر شبكة الإنترنت لمن يعانون هذه الاضطرابات. تجربة مريرة وطلبت بروز من طبيبها الحصول على «سارافيم»، ومن الواضح أنه ساعدها. إلا أنها نوهت بأن طبيبها أغفل تشخيص حالتها في ملفها الطبي باعتبارها اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي لسبب ما لم تفصح عنه. كانت بروز، التي تعيش في تكساس، قد بدأت أبحاثها حول اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي، الأمر الذي أدى في النهاية إلى وضعها مدونة خاصة بها. وأشارت إلى أن النساء اللاتي يشاركن بتعليقات في مدونتها غالبا ما يعربن عن قلقهن حيال تأثير هذه الاضطرابات على أطفالهن. وأضافت: «أسمع من كثير من النساء أنهن يقذفن بالأشياء ويصرخن بشدة. إنه أمر محزن يفطر القلب». واعترفت بروز أنها شخصيا سبق لها الصراخ في وجه زوجها وأطفالها. وأحيانا كانت تشرع في البكاء وتنسى أشياء – ووصفت حالتها بأن عقلها «كان مشوشا»، كما عانت أيضا من نزيف دموي شديد خلال فترة الحيض. وعمدت بروز إلى تنظيم نظامها الغذائي وممارسة تدريبات رياضية وتناول عقاقير. واستطردت بأنه «لكن في نهاية الأمر اتضح أن كل ذلك ليس كافيا – إنني أعيش نصف حياتي فقط، على مدار أسبوعين شهريا، بينما تمر فترات أعجز عن مرافقة أطفالي لمباريات كرة القدم التي يشاركون بها»، واختارت بروز الخضوع لحل متطرف لا يوصي به الأطباء عادة، حيث خضعت في وقت سابق من العام لجراحة لإزالة جزء من الرحم. وعلقت على هذه الخطوة بقولها: «أتفق تماما مع أي طبيب يرى أن هذا الإجراء يشكل ملاذا أخيرا»، لكن بروز كانت اكتفت بعدد الأطفال الذين أنجبتهم، مما يسر اتخاذها هذا القرار. ونظرا للنزيف الشديد الذي كانت تتعرض له ومعاناتها لفترات طويلة بسبب اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي، وافق طبيبها على إجراء الجراحة وتولى تأمينها الصحي تغطية التكاليف. التعايش مع الاضطراب في الوقت الذي تعمل بعض النساء من المنزل خلال أسوأ أيام الشهر أو يطلبن الحصول على إجازة مرضية، فإن معظم النساء اللاتي تحدثت إليهن يتمكن، مثلما هو الحال معي، من تقديم أداء طيب في العمل، لكن حياتنا الشخصية هي التي تعاني جراء تلك الاضطرابات. في معظم أيام الشهر، أصحو في السابعة صباحا وأعد القهوة وأنزه الكلب الخاص بي لمدة ساعة وأعمل وأعد العشاء وأمارس الجري أو اليوغا، وفي بعض الأحيان ألتقي صديقاتي وأجلس معهن. أما خلال أسوأ أيام اضطرابات ما قبل الطمث الاكتئابي، فأحاول السهر بأقصى درجة ممكنة. ويتولى زوجي مسؤولية اصطحاب الكلب في نزهة وإعداد العشاء. وأجبر نفسي على السير حول المنزل كما لو كنت أشارك في ماراثون، مما يساعدني على البقاء مستيقظة وعلى التركيز. خلال تلك الفترة، أتجنب الخروج من المنزل ومن خلال تنظيم نظامي الغذائي وممارسة تدريبات رياضية وتناول فلوكستين على امتداد أسبوع، نجحت في تقليص أيام المعاناة من 10 إلى يومين فقط. وعلى الرغم من أن الأمر ليس مثاليا تماما، فإنني أشعر أنني أوشكت على إحراز النصر.