كينغستون، كندا – تقبّل علماء المسلمين ورجالهم عبر القرون فكرة تعدد الزوجات، إلا أن المضمون القرآني لتعدد الزوجات وممارسته قد انتفى وجودهما. لم يبحث القرآن الكريم موضوع تعدد الزوجات من حيث حقوق الرجل وإنما من حيث احتياجات النساء والأطفال في تلك الحقبة. واقع الأمر هو أن الموضوع يُطرح في الآيات 3:4، 127:4 و 129:4 من السورة التي أطلق عليها بشكل ملفت للنظر اسم “سورة النساء”. نزلت معظم آيات هذه السورة في السنة الرابعة من هجرة المجتمع المسلم الناشئ من مكةالمكرمة إلى المدينةالمنورة حوالي السنة 627 ميلادية، التي تحدّد بداية التاريخ الإسلامي. وهي تبني على السورة السابقة المتعلقة بمعركة أُحُد بين المسلمين الأوائل وسكان مكة، والتي قُتل فيها العديد من الرجال المسلمين، تاركين أرامل ويتامى. هذا هو المضمون الحاسم في أي نقاش يتعلق بتعدد الزوجات في الإسلام، حيث أن الإذن أُعطي للرجال تحت هذه الظروف المحددة. وقد سمحت الآية 3:4 بتعدد الزوجات نتيجة لاهتمام الله تعالى بالوضع الاجتماعي للنساء والأيتام الذين تُرِكوا دون أزواج أو آباء ماتوا في القتال من أجل النبي (ص) ومن أجل الإسلام. وهي آية تتعلق بالرحمة والتعاطف تجاه النساء وأطفالهن، وليس بالرجال والجنس. لقد كانت تعليمات موجهة لمجتمع أبوي بأن النساء وأطفالهن بحاجة للحماية والرعاية، وهي أمور كانت في تلك الأيام تتوفر بشكل فاعل من خلال الزواج. عندما يتعلق الأمر باليتامى، يقول الله تعالى: “وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة ...”. جاء هذا الحل لتوفير بعض الحماية للنساء المعرّضات والأطفال المعرضين في مجتمع أبوي، طالما أن جميع النساء يحصلن على معاملة متساوية عادلة. ولكن الله تعالى يقول في الآية 129 إن احتمالات التعامل بالعدل والمساواة بعيد الاحتمال. “ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ..”. ومما يثير الدهشة أن الآية 129 يجري تجاهلها إلى حد بعيد، بينما يتم استخدام الآية 3 من قبل بعض المسلمين لتبرير تعدد الزوجات للرجل، كأنما الآية هي عن حاجات الرجل الجنسية وليس الوضع الاجتماعي للأرامل واليتامى. يرفض العلماء أمثال الفقيه المصري محمد عبده من القرن التاسع عشر والعالِم المسلم الهندي المعاصر أصغر علي إنجينير، الجدل القائل بضرورة إشباع رغبة الرجل الجنسية من خلال زواجه بالعديد من النساء، أو أن حقوق الرجال والنساء في إشباع الرغبة الجنسية مختلفة. إلا أن العديد من الرجال يستخدمن مثال النبي (ص) في تعدد الزوجات كتبرير للقيام بذلك. ولكن النبي محمد (ص) كانت له زوجة واحدة لمدة 25 سنة، ولم يدخل في زيجات متزامنة إلا بعد وفاتها، شكّلت معظمها تحركات سياسية لتوثيق العلاقات مع قبائل أخرى. إلا أن حديثاً شريفاً قوياً يصف ردة فعل النبي (ص) عند سماعه أن ابن عمه علي وزوج ابنته فاطمة يفكر بالزواج من امرأة ثانية. استشاط النبي غضباً لدرجة أنه أعلن على الملأ أنه إذا كان علي يريد زوجة ثانية، عليه أن يطلّق فاطمة أولاً. جرت ترجمة القرآن الكريم عبر العصور وبشكل حصري تقريباً من قبل علماء ذكور، ورغم أن معظمهم كان صادقي النيّة وكانوا على علم ومعرفة، إلا أنهم عكسوا تفكير العصر الذي عاشوا فيه وثقافته وفرضياته. لحسن الحظ أن العديد من العلماء أمثال انجينير توصّلوا إلى نتيجة أن “تعدد الزوجات هو أمر له مضمونه وأن الزواج من امرأة واحدة هو المعيار المتبع” في أيامنا هذه. وهناك دول مثل تونس ترتكز قوانينها على هذا المفهوم. رسالة القرآن الكريم أبدية إلا أن المضمون قد تغير، وهذا أمر مفهوم، وهناك أمثلة عديدة على التعاليم المتطورة للقرآن الكريم. على سبيل المثال، تواجدت العبودية لفترة طويلة في المجتمعات المسلمة. صحيح أن معظم العبيد كانوا أسرى الحروب، ولكنهم عبيد رغم ذلك. يعظ القرآن الكريم بالمعاملة الرؤوفة بالعبيد ويشجع على تحريرهم كعمل خير وصدقة، إلا أنه لم يستأصل العبودية بشكل كامل. ولكن أحداً من المسلمين لا يبرر العبودية اليوم. يتوجب على المسلمين رجالاً ونساءاً أن يفهموا الإذن المحدود والمتعلق بالمضمون في تعدد الزوجات. ليس هذا حق قدّمه الله تعالى للرجال المسلمين، وهو لم يعد ينطبق في مضمون العصر الحديث كوسيلة لحماية المرأة ورعايتها. ### * عليا هوغبن هي المديرة التنفيذية للمجلس الكندي للمرأة المسلمة. كُتب هذا المقال لخدمة الأرضية المشتركة الإخبارية. مصدر المقال: خدمة الأرضية المشتركة الإخبارية، 5 آذار/مارس 2010 www.commongroundnews.org تم الحصول على حقوق نشر هذا المقال. Source : http://www.commongroundnews.org/article.php?id=273...