قالت مصادر مطلعة إن أعداد اليهود من أصول مغربية، الذين يزورون المغرب في إطار سياحي، هي في تزايد مطّرد، وذلك بالتزامن مع خطوات «تطبيع» غير رسمية بين المغرب وإسرائيل، كان أبرزها في الآونة الأخيرة زيارة تسيبي ليفني، زعيمة حزب «كديما» الإسرائيلي المعارض، ووزيرة الخارجية السابقة، إلى المغرب، ومشاركتها في مؤتمر عُقد في طنجة، إضافة إلى زيارة وفد من المدرسين المغاربة لإسرائيل أخيرا للمشاركة في مؤتمر حول الهولوكوست (المحرقة). وتقول الإحصاءات إن عدد اليهود المغاربة في مراكش التي تعد عاصمة المغرب السياحية، لا يتجاوز 173 شخصا، معظمهم من المتقدمين في السن، وذلك بعد أن كان عددهم يقدر عام 1945 بنحو 35 ألفا، ويمثلون 30 في المائة من سكان المدينة الحمراء. لكن خلال أعياد رأس السنة استقبلت المدينة نفسها نحو 30 ألف يهودي من مختلف أنحاء العالم للاحتفال بالأعياد في بيئتهم الأصلية. ويقدر عدد السياح من اليهود من أصول مغربية الذين يزورون البلاد سنويا بنحو 150 ألف شخص، معظمهم من إسرائيل التي يوجد بها 900 ألف يهودي من أصل مغربي، بالإضافة إلى فرنسا وكندا وأميركا. ويقول جاكي كادوش رئيس الطائفة اليهودية في مراكش ل« الشرق الأوسط»: «السياحة اليهودية في المغرب في تزايد مستمر، وهي لم تتأثر بالأزمة العالمية وبالحروب والنزاعات والأحداث السياسة التي يعرفها العالم، وبالحرب على الإرهاب أيضا. ومهما كانت الظروف فاليهود المغاربة يأتون لزيارة ذويهم، وقبور أجدادهم، ومآثرهم التاريخية في المغرب. وهم متشبثون بمغربيتهم ويفتخرون بها حيثما كانوا». وإذا كان السياح اليهود الذين يأتون من البلدان الأوروبية والأميركية يدخلون إلى المغرب دون إثارة الانتباه، فإن السياح القادمين مباشرة من إسرائيل يمرون بظروف خاصة، إذ لا توجد خطوط نقل جوي مباشرة بين المغرب وإسرائيل، كما أن على السائح أن ينتظر ساعات في المطار من أجل إتمام إجراءات الحصول على التأشيرة قبل دخول المغرب. وغالبا ما يأتي السياح الإسرائيليون إلى المغرب في مجموعات، باستئجار طائرات خاصة في إطار أسفار منظمة، وتتكفل الهيئة المنظمة باستكمال الإجراءات الإدارية والحصول على التأشيرات في المطارات المغربية. ومع النمو المتزايد للسياحة اليهودية في المغرب، ظهرت وكالات أسفار ومرشدون سياحيون ومرافق سياحية متخصصة. حتى الصناع التقليديون في مراكش أصبحت لديهم منتجات خاصة موجهة إلى السياح اليهود، تتميز بتزيينها بعبارات وحروف عبرية ونجمة داوود السداسية. وتوجد في مختلف المدن المغربية مطاعم يهودية، وتضم الدارالبيضاء أكبر عدد من هذه المطاعم بنحو 40 مطعما. كما تخصص الفنادق التي تتعامل مع وكالات الأسفار المتخصصة في السياحة اليهودية جزءا من مطبخها للطبخ اليهودي.كما يوجد في الدارالبيضاء متعهدون كبار متخصصون في هذا المجال وعلى رأسهم شركة «كوكيز» وشركة «دافيدسون». ويقول حسن مجدي، مدير عام شركة «آثار بربرية» للأسفار والسياحة بمراكش: «السياحة اليهودية في المغرب تطورت في الظل، على هامش السياسات الرسمية في المجال السياحي. وباستثناء الجانب الأمني فإن الدولة لم تبذل أي جهد لتنظيم هذه السياحة وتطويرها. وهناك تناقض في سلوك السلطات الرسمية، إذ هي لا تولي أي اهتمام لتنظيم السياحة اليهودية، إلا أننا نلاحظ حضورا رسميا متميزا في الأعياد والمهرجانات التي تجتذب السياح اليهود إلى المغرب». ويضيف مجدي، الذي حصل أخيرا على شهادة الدكتوراه في الدراسات الأنثروبولوجية بجامعة مونبلييه في فرنسا حول موضوع «المزارت اليهودية بالمغرب»، أن حجم الارتباط الروحي والعاطفي لليهود المغاربة بوطنهم الأصلي، والذي يثير غيرة وحنق إسرائيل، نابع من عمق تاريخهم في المغرب الذي يتجاوز 2500 سنة. ويقول مجدي: «المغرب يضم 625 مزارا لليهود، ضمنها أزيد من 100 مكان يزورها اليهود والمسلمون على السواء. وبعض هذه المزارات لا يرتبط بشخصيات دينية أو تاريخية، وإنما بعوامل طبيعية كالأشجار أو الصخور الكبيرة أو المغارات أو البرك والعيون المائية، الشيء الذي يؤشر على أن العناية بها تعود إلى جذور عميقة في التاريخ ويرجع إلى عصور غابرة سابقة عن اليهودية، والتي كانت تسود خلالها معتقدات وثنية بين برابرة المغرب». ويضيف مجدي أن «إسرائيل تشعر بحنق قوي تجاه المغرب لأنه بكل بساطة ينازعها في مسألة احتكار المرجعية الدينية والثقافية لليهود، الشيء الذي دفع بها إلى سرقة الكثير من الرفاتات من الأماكن اليهودية المقدسة في المغرب ونقلها إلى إسرائيل. وعلى السلطات المغربية أن تنتبه لهذا الأمر وتمنع تكراره مستقبلا». وينظر رئيس الطائفة اليهودية في مراكش بأسف شديد إلى تراجع عدد السكان اليهود في المدينة. ويقول: «ما يؤرقني هو ملاحظة أننا نسير في طريق الانقراض. فالشيوخ الذين لا يزالون هنا، وعددهم 173 شخصا، لم تعد أمامهم إلا سنين قليلة للعيش، وينتهي الوجود اليهودي في مراكش ومعه ثراث تاريخي وثقافي عريق». ويضيف كادوش أن أبناء الأسر اليهودية المغربية التي فضلت البقاء في المغرب على الهجرة إلى إسرائيل في عام 1948، اضطرتهم ظروف العيش والعمل في المغرب إلى الهجرة إلى فرنسا وكندا وأميركا. وقال: «أطفالنا درسوا في المغرب في مدارس البعثة الفرنسية، مثل ثانوية فيكتور هوغو بمراكش، وثانوية ديكارت في الرباط، وثانوية ليوتي في الدارالبيضاء. بعد ذلك التحقوا بالمدارس العليا والجامعات الفرنسية والأميركية. لكنهم لم يتمكنوا من العودة إلى المغرب بسبب ضعف فرص العمل هنا». ويقول كادوش: «في المغرب لدينا تجربة نموذجية في التعايش السلمي والتساكن بين المسلمين واليهود، وهذه التجربة نريد من الشرقيين أن يستفيدوا منها، فهي تبرهن على إمكانية التعايش والتساكن في سلام إذا ما توفرت الإرادات والعزائم. ونحن نسعى للحفاظ على هذا التراث المغربي المتميز وصيانته للأجيال القادمة، والتعريف به كصورة بديلة وممكنة لصور العداوة والتطاحن السائدة اليوم في وسائل الإعلام».