الرباط- عبدلاوي لخلافة – اسلام أون لاين “مرض الملك يؤخر انطلاقة الدروس الحسنية”.. “أمينتو حيدر تضرب عن الطعام بعد منعها من دخول المغرب”.. “تصاعد مسلسل الاعتقالات السياسية في البلاد”. تلك عناوين لعدد من القضايا التي تناولتها الصحف الخاصة بالمغرب خلال عام 1430ه/2009م جعلت منها ومن المضايقات التي تعرضت لها من قبل السلطات، حديث الساعة ومادة دائمة في بيانات المنظمات الحقوقية وبلاغات الأحزاب السياسية بالمغرب، التي رأت أن تضييق الخناق على الصحافة المستقلة إعاقة للمسار الديمقراطي بالمملكة، ويرجعه إلى سنوات الرصاص (فترة تجاذب بين النظام السياسي الرسمي بالمغرب واليسار). “المساء”، “الأيام”، “المشعل”، “الجريدة الأولى”، “أخبار اليوم”، “الوطن الآن”، “الحياة الجديدة”.. كلها صحف مغربية مستقلة قامت بدور شبيه بدور الأحزاب السياسية التي يرى محللون أن دورها ينحسر بالمملكة، ودفع ذلك الوضع وزير الإعلام السابق وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال محمد العربي المساري للإشادة بجهودها، قائلا خلال لقاء الحوار النقدي الذي انعقد بالرباط يوليو الماضي: “إن الصحافة المكتوبة المستقلة بالمغرب تمثل النقطة الأكثر إضاءة في المسار الإصلاحي والانتقالي الذي قطعناه منذ منتصف تسعينيات القرن المنصرم”. وفيما يلي أبرز القضايا التي تناولتها الصحف الخاصة في المغرب خلال 2009: العائلة الملكية: لم يكن متوقعا أن يشهد 2009 محاولة صحف مثل “المشعل، والأيام، والجريدة الأولى” التسلل إلى دروب القصر الملكي، ومعرفة أسرار ترى السلطات أنها غير مسموح لأي شخص سوى أفراد قلائل من الأسرة الملكية الحديث فيها، ألا وهي صحة العاهل المغربي محمد السادس، حيث حاولت تلك الصحف معرفة حقيقة مرض العاهل الذي اكتفى بيان للديوان الملكي بالقول إنه تعرض لوعكة صحية، دون ذكر تفاصيل ذلك، وخرجت بعناوين تندرج ضمن قائمة المناطق المحظورة، مثل “حقيقة مرض الملك”، “مرض الملك يؤخر انطلاقة الدروس الحسنية”. وبرغم أن القانون الجنائي المغربي وقانون الصحافة يتضمن بنودا واضحة في وجوب احترام النظام الملكي والإسلام والوحدة الترابية، فإن تلك الصحف سارعت بتناول الموضوع وإعداد ملفات إعلامية عن مرض الملك. هذا الاقتحام قاد مسئولي تلك الصحف إلى المحاكم وغرف التحقيق، الأمر الذي أدى لسجن بعضهم ودفع البعض الآخر غرامات متفاوتة وإغلاق مقرات عمل بعض الصحف مثل جريدة “المشعل، أخبار اليوم”. إلى المحاكمة وأدى نشر أسبوعية “نيشان” و”تيل كيل” الفرانكفونية لملفات حساسة حول ثروة الملك ومدى رضا عينة مستطلعة عن أدائه بعد عشر سنوات (1999-2009) إلى حرق العدد الذي تضمن استطلاع الرأي ومنع جريدة “لوموند” الفرنسية من توزيع العدد المذكور بالمغرب، وكاد أن يؤدي إلى أزمة دبلوماسية حول حرية التعبير بين فرنسا والمغرب. وجاء نشر يومية “أخبار اليوم” الخاصة لرسم كاريكاتوري لزواج الأمير مولاي إسماعيل بزوجته الألمانية لتدخل الصحيفة في أزمة تنتهي بإغلاق مقر عملها، وما زالت تطورات محاكمة الصحفيين المرتبطين بنشر أخبار حول الأسرة الملكية مستمرة في قاعات القضاء وإن كان بعضها حسم بالحكم بإدانة صحفيين، مما جعل السنة “عاما أسود على الصحافة الخاصة”، على حد تعبير مراقبين. ودفعت الضغوط الإعلامية للصحف الخاصة ومنتديات الإنترنت إلى الإفراج العاجل عن التلميذ العاشق للبارصا (نادي بارشلونة الإسباني)، الذي حور الشعار الوطني “الله، الوطن، الملك”، لوضع “البارصا” ضمن ثلاثية الشعار ليصبح “الله، الوطن، البارصا”. ولم تتوقف محنة الصحافة الخاصة في تناول أخبار الأسرة الملكية، بل أدى نشر أخبار متعلقة بالزعيم الليبي معمر القذافي إلى إحالة ثلاث جرائد مغربية إلى القضاء وهي المساء، والجريدة الأولى، والأحداث المغربية، ومازلت القضية في ساحات القضاء. الهمة.. مادة دسمة للصحافة المتحمسة تأسيس “حزب الأصالة والمعاصرة” في 9 أغسطس 2008، وهو مشروع السياسي فؤاد عالي الهمة، صديق الملك والوزير المنتدب في الداخلية سابقا، ربما يعد إيذانا بإزاحة الستار عن خريطة سياسية جديدة في المغرب، لكن عام 2009 استأثر بأسخن النقاشات والجدل حول هذا الحزب ومؤسسه. فعملت الصحف الخاصة على تفسير خروج “الهمة” من وزارة الداخلية لممارسة الشأن السياسي العام بعد ممارسته عقدا من الزمن في الظل، واستطاعت نبش أسرار إعفاء “مهندس” الانتخابات لعشر سنوات خلت من مهمته الحساسة “وزيرا منتدبا في الداخلية” ليكون مسئولا حزبيا، كما تابعت سلسلة التصريحات النارية المتبادلة بين الهمة وزعماء حزب العدالة والتنمية، خاصة عبد الإله بنكيران ومصطفى الرميد، وكشفت أن الإعفاء لم يكن من أجل “متابعة الهمة لمشواره الدراسي أو بسبب غضبة ملكية”، وإنما هو محاولة لإعادة تشكيل المشهد السياسي بالمغرب بعد تقدم حزب العدالة والتنمية وتراجع أداء الاتحاد الاشتراكي. وقدمت المنابر الصحفية الخاصة مساحة إعلامية لبعض الهيئات السياسية لنشر بياناتها السياسية في مواجهة دعم الإعلام والصحافة شبه الرسمية لحزب الأصالة والمعاصرة، فتطرقت بقوة إلى بداية انشقاق الأحزاب الخمسة المكونة لائتلاف الهمة السياسي، خصوصا خروج الحزب الوطني الديمقراطي بزعامة “عبد الله القادري”، وما تلاه من خروج لحزب العهد بزعامة نجيب الوزاني. واستطاعت الندوة السياسية ليومية “الجريدة الأولى” بعد سنة من صدورها (مايو 2009) من فتح النقاش السياسي بين زعماء سياسيين من حزب الاستقلال والعدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة حول الوضع السياسي بالمغرب، بينما كانت الأحزاب الأخرى عاجزة عن إدارته، واقتصرت مهمتها على تقييم حصيلتها من المقاعد الانتخابية في الانتخابات التشريعية والجماعية المحلية. وتابعت الصحف الخاصة مسار الانتخابات التشريعية والمحلية بالمغرب وآثارها على الحياة السياسية وعمل مكونات الحكومة الحالية، مما أسفر عن توجيهات انتقادات لاذعة إلى “حكومة عباس الفاسي” في تمويه إعلامي للوضع السياسي بالمغرب، لكون الحكومة بالمغرب يعينها الملك وهو المسئول عن تغيير وتعيين وزرائها. مرآة للوضع الاجتماعي والحقوقي وعلى المستوى الاجتماعي والاقتصادي، أدى تناول صحيفة “المساء” اليومية لملف بارونات المخدرات وما يحظون به من دعم من بعض المسئولين في مناصب عليا أو ما يسمى بملف “أطريحة” إلى الحكم على مديرها بثلاثة أشهر سجنا. وأصدرت المحكمة الابتدائية بعين السبع بالدار البيضاء يوم 27 أكتوبر 2009 أحكاما بالسجن مدتها ثلاثة أشهر موقوفة التنفيذ وغرامة 5000 درهم لكل من مصطفى أعداري، رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بخنيفرة، والصحفي إدريس شحتان مدير أسبوعية “المشعل”، على إثر الحوار الذي نشرته الأسبوعية في عددها 191 بتاريخ 27 نونبر 2008 مع رئيس الهيئة الحقوقية، الذي قدم فيه عددا من المعطيات والملفات المرتبطة بالتجاوزات الحاصلة والتي تقوم بها –بحسب هذه المصادر– قريبة للملك. وقاومت الصحف الخاصة مجموعة من التحركات ذات الصلة بتدين المغاربة، خاصة تطورات حركة “مالي” أو”وكالين رمضان” التي تدعو للإفطار جهارا في شهر الصوم، مما أعاد الحديث عن حدود الحرية الفردية واحترام الثوابت العامة بالمغرب. ودفعت الصحف بما نشرته من ردود على تصريحات “الشواذ الجنسيين” وما يحظون به من دعم بعض المسئولين في الجهات العليا، وزارة الداخلية بالمغرب، إلى إصدار بيان يؤكد ضرورة احترام الثوابت الدينية للمغرب وحرص العاهل المغربي على صيانتها. ومثلت الصحف الخاصة (المساء، الجريدة الأولى، الأيام، أخبار اليوم..) متنفسا للمعتقلين في ما يسمى بقضية “خلية بلعيرج” و”السلفية الجهادية”، وتحركات جماعة العدل والإحسان، أمام تعتيم كلي لوسائل الإعلام الرسمية في تناول قضاياها وأنشطتها. وأسهمت تسريبات زيارة مسئولين أمنيين للمعتقلين في ملف السلفية الجهادية في طرح أفق الحوار والمراجعة في الملف على أجندة البحث عن حلول للملف. غير أن قضية الناشطة الصحراوية “أمنتو حيدر” ودعمها لخيار استقلال إقليم الصحراء عن المغرب، لم يفرق شمل الصحف الخاصة في التماهي مع الإعلام الحكومي في دعم الموقف الرسمي الذي يعتبر الصحراء جزءًا من الأراضي المغربية. وكانت أمنتو قد أضربت عن الطعام لمدة 32 يوما احتجاجا على طردها من قبل السلطات المغربية من مطار العيون لدى عودتها من الولاياتالمتحدة حيث تلقت جائزة لحقوق الإنسان، وبحسب السلطات المغربية، فإن حيدر نبذت بمحض إرادتها جنسيتها المغربية عندما كانت تسجل بياناتها في المطار وذلك بكتابتها كلمة “صحراوية” في خانة الجنسية. دفع الفاتورة وبرغم أن الصحف الخاصة استطاعت إنعاش الحياة السياسية بالمغرب فإنها دفعت فاتورة جرأتها تلك بأحكام وغرامات جعلت المغرب يتأخر درجات في ترتيب حرية التعبير، الذي تصدره الهيئات الدولية المتابعة لمستوى تعامل الدول مع الإعلام. وفي هذا السياق، قررت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء النظر في قضية رشيد نيني، مدير جريدة “المساء”، والصحافي سعيد العجل، المتابعين بجنحتي القذف والتشهير في ملف “أطريحة”، إلى يوم 29 ديسمبر 2009، لإفساح المجال لمرافعات الدفاع. وأرجأت المحكمة نفسها يوم الخميس 17 ديسمبر 2009، إدخال ملف علي أنوزلا، مدير نشر يومية “الجريدة الأولى”، إلى المداولة في إطار متابعته بتهمة الإساءة للعقيد معمر القذافي، على أن يتم النطق بالحكم في 24 ديسمبر 2009، بينما قررت المحكمة تأخير ملفي كل من جريدة “المساء” وجريدة “الأحداث المغربية” إلى 31 ديسمبر 2009، بطلب من دفاع الجريدتين. وقررت الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء يوم الثلاثاء الماضي، تحديد يوم 29 ديسمبر 2009 للنطق بالحكم في ملف يومية “أخبار اليوم”، الذي يتابع فيه توفيق بوعشرين، مدير نشر الجريدة، وخالد كدار رسام الكاريكاتير بالصحيفة ذاتها بتهمة “المشاركة في إهانة العلم الوطني”. واعتبرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية في بلاغها بمناسبة الاحتفال الوطني بالإعلام (15 نوفمبر من كل سنة): “استمرار اعتقال مدير جريدة المشعل، وإغلاق صحيفة أخبار اليوم ومواصلة مسلسل المحاكمات، وإصدار أحكام بالحبس وبتعويضات ضخمة، يناقض توجه الانفتاح الذي سارت فيه بلادنا خلال العقد الأخير، والذي جعلها تتبوأ مكانة متميزة نظر إليها العالم بارتياح”. وناشدت النقابة الوطنية للصحافة المغربية “السلطات العليا التدخل لوقف المسلسل الذي قد يؤدي إلى الإساءة إلى صورة بلادنا، وتلتمس الإفراج عن مدير أسبوعية المشعل، والتخلي عن كل الإجراءات الخارجة عن نطاق القانون” والدفع في اتجاه استئناف الحوار الوطني حول إصلاح قانون الصحافة والتنظيم الذاتي للمهنة.