شيّع الآلاف، أمس الثلاثاء 27 شتنبر الجاري، جثمان الشيخ يوسف القرضاوي إلى مثواه الأخير بإحدى مقابر العاصمة القطريةالدوحة. مادة إعلانية وأقيمت صلاة الجنازة على القرضاوي في جامع الإمام محمد بن عبد الوهاب بالدوحة، بحضور نجله عبد الرحمن وجموع تقدر بالآلاف، رافعة الصوت ب"التكبير" مع خروج الجثمان من المسجد. وشارك في التشييع مسؤولون قطريون رفيعو المستوى، إلى جانب عدد كبير من العلماء والأكاديميين والشخصيات الإسلامية،منهم الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ علي القره داغي. مادة إعلانية محطات من حياة العلامة القرضاوي ولد القرضاوي في 9 شتنبر 1926، بقرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية بدلتا النيل، وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره. هذا، وقد التحق العلامة بمعاهد الأزهر الشريف، وكان ترتيبه في الشهادة الثانوية الثاني في مصر، رغم ظروف اعتقاله في تلك الفترة، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، 1952-1953م، وكان ترتيبه الأول بين زملائه بها عند التخرج، وفي سنة 1973م حصل على الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من الكلية ذاتها، عن: "الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية". وبعد ذلك، عمل القرضاوي فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفاً على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر. سفره إلى قطر في سنة 1961م سافر القرضاوي إلى دولة قطر، وذلك من أجل الاشتغال كعميد لمعهدها الديني الثانوي، فعمل على تطويره وإرسائه على أمتن القواعد، التي جمعت بين القديم النافع والحديث الصالح. هذا، وقد استقر القرضاوي فيما بعد في قطر، بعد أن أصبح ملاحقاً في مصر باعتباره من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين. وفي سنة 1973م أنشئت كليتا التربية للبنين والبنات نواة لجامعة قطر، فنقل إليهما ليؤسس قسم الدراسات الإسلامية ويرأسه. في سنة 1977م، تولى القرضاوي تأسيس وعمادة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، وظل عميداً لها إلى نهاية العام الجامعي 1989/ 1990م، كما أصبح المدير المؤسس لمركز بحوث السنة والسيرة النبوية بجامعة قطر، وظل قائماً على إدارته إلى وفاته. أبرز الجوائز والمناصب حصل الشيخ القرضاوي على العديد من الجوائز، منها جائزة البنك الإسلامي للتنمية في الاقتصاد الإسلامي لعام 1990، وجائزة الملك فيصل العالمية عام 1994، وجائزة العطاء العلمي المتميز من رئيس الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا لعام 1996، وجائزة السلطان حسن البلقية (سلطان بروناي) في الفقه الإسلامي لعام 1997. وإلى جانب ذلك، نال القرضاوي جائزة سلطان العويس في الإنجاز الثقافي والعلمي لسنة 1999، وجائزة دبي للقرآن الكريم فرع شخصية العام الإسلامية 1421ه، وجائزة الدولة التقديرية للدراسات الإسلامية من دولة قطر لعام 2008، وجائزة الهجرة النبوية لعام 1431ه من حكومة ماليزيا، وفي 2010 منحه الأردن وسام الاستقلال من الدرجة الأولى. تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين اختير القرضاوي لرئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ تأسيسه عام 2004، وهو اتحاد يضم فقهاء مسلمين من دول مختلفة، ويهدف إلى تشكيل مؤسسة علمائية مسلمة معتدلة بعيدة عن تأثيرات الدول. وبالإضافة إلى ذلك، كان القضاوي عضوا في عدة مجامع ومؤسسات علمية ودعوية عربية وإسلامية وعالمية، منها المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي بمكة، ومنظمة الدعوة الإسلامية بالخرطوم، ومركز الدراسات الإسلامية بأكسفورد. هذا، وقد اختير العلامة في 2008 ليحتل المرتبة الثالثة في قائمة 20 شخصية فكرية هي الأكثر تأثيراً على مستوى العالم، بناءً على استطلاع دولي أجرته مجلتا "فورين بولسي" الأمريكية و"بروسبكت" البريطانية. ولم تقف إنجازات القرضاوي عند ذلك، فقد احتل عام 2009 المرتبة ال38 ضمن 50 شخصية مسلمة مؤثرة، في كتاب أصدره المركز الملكي للدراسات الإستراتيجية الإسلامية (مركز أبحاث رسمي في الأردن)، يتضمن أكثر من 500 شخصية مسلمة مؤثرة. كتبه ومؤلفاته للقرضاوي عدد كبير من المؤلفات والكتب تزيد عن 170 كتاباً تناولت مجالات عدة، ضمت علوم القرآن والسنة والفقه والعقيدة والدعوة والفكر والتصوف والأدب (شعراً ومسرحاً)، من بينها "العقل والعلم في القرآن الكريم"، و"الحلال والحرام في الإسلام"، و"الاجتهاد في الشريعة الإسلامية"، و"فقه الزكاة"، و"فقه الغناء والموسيقى"، و"فقه الجهاد"، و"الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه"، و"عالم وطاغية"، وهي مسرحية تاريخية. هذا، وقد اتسم فقه القرضاوي بالاعتدال وإعادة الاعتبار للمرحلة الأولى في الفقه الإسلامي، والبحث الموسع الذي يعتمد على ثوابت أصول الفقه، والجمعٍ بين فهمٍ واسع للقرآن والسنة، وفهم مقاصد الشريعة، وظروف العصر. ويعتبر القرضاوي من أبرز دعاة الوسطية الإسلامية التي تجمع بين السلفية والتجديد، وتمزج بين الفكر والحركة، وتركز على فقه السنن وفقه المقاصد وفقه الأولويات، وتوازن بين ثوابت الإسلام ومتغيرات العصر، وتتمسك بكل قديم نافع، وترحب بكل جديد صالح.