تعرض التيار الإسلامي الذي يعرف – بالإسلام السياسي – لهجوم شرس من خصومه السياسيين من التيارات اليسارية والقومية والعلمانية والليبرالية , وشنت عليه حرب ضروس مع كيل اتهامات غيبية لم يختبر فيها هذا التيار عمليا ولم يسمح له بالتجربة ختي يُحكم عليه بالصدق من عدمه في فرية كبيرة تقول أن الاسلاميين لا يؤمنون بالديمقراطية إلا يعترفون بها إلا باعتبارها وسيلة توصلهم للحكم ثم يكفروا بها !!!. إلا أن الحقيقة الناصعة التي لا يمكن لذي عقل انكارها و لا تحتاج إلى دليل أن تيار الصحوة الاسلامية الوسطي المعتدل الذي يعرف اصطلاحاً (( الإسلام السياسي )) وهو الذي يمثل القاعدة الواسعة والعريضة من تيار الحركات الاسلامية العاملة في الساحة اليوم وإن كان شعار الوسطية والاعتدال هو ما يميزها عن غيرها من الحركات الأخرى التي لا تؤمن بالديمقراطية ولا بالدولة المدنية , في الوقت الذي انخرط التيار الوسطي في العملية الانتخابية وشارك في عدة انتخابات محلية وبرلمانية حقق فيها نجاحات كبيرة أرعبت اغلب الحكومات و ازعجت خصومهم من التيارات العلمانية والليبرالية . كان اكبر منظر وواضع اصول وقواعد منهج الوسطية والاعتدال هو العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله . ولد الشيخ يوسف القرضاوي في قرية صفت تراب مركز المحلة الكبرى , بمحافظة الغربية بجمهورية مصر العربية في 9/9/ 1926 ميلادية وأتم حفظ الفرآن الكريم واتقن تجويده وهو في سن دون العاشرة . التحق الشيخ القرضاوي بالدراسة في معهد الازهر فأتم فيه دراسته الابتدائية والثانوية وكان يحقق الترتيب الاولى في كل مرحلة , وكانت ترتيبه في الشهادة الثانوية الثاني على مستوى المملكة المصرية . التحق بكلية اصول الدين بجامعة الازهر وتحصل فيها على العالمية العام الدراسي ( 52- 1953 ) وواصل دراساته العليا إلى أن تحصل على درجة الدكتوراه سنة 1973 ميلادي بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الاولى عن " الزكاة واثرها في حل المشكلات الاجتماعية " والتي طبعت في كتاب تحت اسم فقه الزكاة الذي طار صيته وانتشر في اصقاع العالم وترجم لعدة لغات عالمية . حصل الشيخ القرضاوي على عدة جوائز عالمية منها جائزة الملك فيصل العالمية , كما حصل على جائزة البنك الاسلامي وجائزة العطاء العلمي المتميز من الجامعة الاسلامية العالمية بماليزيا , وكذلك جائزة سلطان بروناي في الفقه الإسلامي وغيرها من الجوائز؛ كما تراس عدة مجالس فقهية وعلمية وقام بتأسيس الصرح العالمي العلمي الكبير " الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" والذي تراسه عدة سنوات ثم اعتذر عن الاستمرار في رئاسته . كما يعتبر الشيخ القرضاوي مؤسس ومؤصل لمدرسة الوسطية والاعتدال التي احتضنت الآلاف من العلماء والمفكرين وطلاب العلم؛ من كافة قارات العالم انتجت رابطة علمية عالمية عرفت برابطة تلميذ القرضاوي ضمت نخبة واسعة من دعاة الوسطية والاعتدال في فهم الإسلام متبعة نهج شيخها مؤسسها واستاذها ,وله من المشاركات العلمية الكثير ومن المؤلفات ما فاق المئتين كتابا, ومازال مستمر في رحلة العطاء رغم كبر سنه أطال الله في عمره ونفع به الأمة . فموقف الشيخ الإمام يوسف القرضاوي رئيس ومؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعتبر اكبر مرجع اسلامي معاصر حفظه الله؛ من الانقلابات العسكرية هو ما نقله عنه السياسي والإعلامي المصري" الدكتور حمزة زوبع " حين التقى به في صيف 1989ميلادي عقب الانقلاب العسكري الذي اطاح بحكومة السيد الصادق المهدي المنتخبة والذي قاده الفريق عمر احمد حسن البشير ذو الخلفية الإسلامية و المقرب من الدكتور حسن الترابي رحمه الله . يقول: الدكتور زوبع كان ذلك في صيف سنة 1989ميلادي وكان الشيخ – يوسف القرضاوي – في زيارة لمصر ودُعي إلى بيت الشيخ " مجاهد الشاذلي" رحمه الله من ابناء شبرا الخيمة, و كان كبير الإخوان. كُنا فوق سطح بيت الشيخ مجاهد عليه رحمة الله في صيف حدوث انقلاب السودان, وكنا سألناه – الشيخ القرضاوي – عن ما حدث في السودان فقال: – ( أنأ لا احب حكم العسكر ولو كان من الإخوان المسلمين) – . يقول الدكتور حمزة زوبع كان في صيف 1989 ميلادية, وربما بعد حدوث الانقلاب في السودان مباشرة انتهي كلام الدكتور زوبع . يضاف إلى موقف الشيخ القرضاوي من الانقلابات العسكرية موقف اخر لا يقل عنه وضوح وصراحة وصرامة من قامة علمية وفكرية بالإضافة إلى كونه شخصية سياسية من الوزن الكبير في عالم السياسة والفكر , وهو موقف الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة في تونس نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والذي يشغل منصب رئيس البرلمان في تونس حاليا. الذي ولد بالحامة في ولاية قابس التونسية سنة 1941 ميلادية ثم انتقل للدراسة في جامع الزيتونة , وبعد أن نال الشهادة الثانوية انتقل إلى دمشق لدراسة الفلسفة , ثم انتقل منها إلى فرنسا ليلتحق بالدراسة في جامعة السوربون بباريس العاصمة؛ منخرطا في النشاط الاسلامي وسط الطلبة العرب والمسلمين ,ثم كان احد رموز الحركة الاسلامية في تونس ومن ابرز المفكرين الاسلاميين المعاصرين. فهو يعتبر بلا منازع أحد ابرز المفكرين الإسلاميين ومن المع قيادات العمل الاسلامي المعاصرين , ويعتبر شخصية بمثابة بوصلة للحركات الإسلامية الوسطية في فكرها وتوجهها وخطابها العام , ومشروعها الذي تسعى إلى تحقيقه. في كتابه – الاستاذ الغنوشي- " حركة الاتجاه الاسلامي في تونس" حين كتبه سنة 1989 ميلادية وفي معرض حديثه عن الانقلابات العسكرية عبر عنه بتعبير واضح لا لبس فيه فقال ( شر ما تبتلى به أمة على الإطلاق هو النظام العسكري, وأن الانقلابي – كل انقلابي – رجل مغرور يقفز إلى السلطة في حالة غفلة من الوعي من الشعب فيستبد بالأمر دون الناس جميعاُ, ويحيط نفسه بكل منافق لئيم, يصفقون له حتى يخيل إليه أنه أتى بما لم يأتي به الأوائل, وان الدهر لم يجد بمثله , ويعتبر نفسه الزعيم المُنقذ , بل حكيماً من الحكماء, بل حكماً بين الحكماء؟ وقد اكد الشيخ راشد رفضه ورفض حركة النهضة الإسلامية للانقلابات في لقاء صحفي مع الصحفي " محمد اليوسفي " في لقائه به في العاصمة البريطانية لندن اثناء فترة نفيه من تونس فأكد على ما كتبه في السابق قائلاً : لا يحتاج الإسلاميون للقيام بانقلابات على الدولة القائمة لتحويلها دولا إسلامية فهي دول إسلامية سواء أكان من جهة أن غالبية سكانها مسلمون. أم كان من جهة دساتيرها فكلها تقريباً تنص على أنها دول ليست علمانية معادية للإسلام أو محايدة إزاءه؛ بل لها دين هو الإسلام . ويقول : الصحفي محمد صادق اليوسفي في لقائه مع الشيخ راشد الغنوشي في منفاه. والحقيقة أنه ليس في التيار الإسلامي من يعتبر الديمقراطية كفراً ومخالفه للإسلام غير فئات محدودة لم يلحظ لها وجود أصلاً كلما توفرت نسخة للتنافس النزيه ولكن صوتها يعلو كلما غاب التنافس وساد الظلام . إنه على الضد من ذلك بل الأمر دأب التيار العريض في الحركة الإسلامية على اتخاذ الحرية مطلبهم الأعز . حتى اعتبرها اكثر من مفكر إسلامي ومنهم العلامة يوسف القرضاوي مطلب يتقدم مطلب تطبيق الشريعة, – من مبدأ أن الحرية تكفل حق الاعتقاد وتكفل حفظ الشريعة – ولذلك طالب الإسلاميون بكل الحريات ومنها حق الانتخابات التعددية النزيهة . وهذا الفكر الرافض للانقلابات العسكرية الذي يتبناه الشيخ العلامة يوسف القرضاوي والاستاذ المفكر راشد الغنوشي يتميز عن فكر الجماعات المتشددة , في رفض الديمقراطية والتعددية الحزبية والتداول السلمي على السلطة والاحتكام والتسليم لصناديق الاقتراع وحرية الاختيار . فالمدرسة الوسطية تقرر في أديباتها ومن خلال نصوص قادتها أن الانقلاب العسكري مرفوض ولو قام به إسلاميون كذلك. مدرسة الوسطية والاعتدال ترفض الاستبداد والدكتاتورية تحت أي شعار أو مسمىّ ولو كان إسلاميا, ناهيك أن يكون استبداد عسكري أو ايدولوجي يستعبد الناس وقد ولدته امهاتهم أحراراً لا وصي على إرادتهم الحرة بالجبلة التي فطرهم الله عليها .