تحولت الندوة الإقليمية/الدولية، والتي احتضنتها مدينة فاس حول المشروع العالمي "لمبادرة اتفاقية مناهضة التعذيب" والتي أطلقتها منذ مارس 2004 حكومات الشيلي والدانمارك وغانا وأندونيسيا والمغرب، (تحولت) إلى جلسة عمومية لجس نبض التجربة المغربية لتعزيز التصديق العالمي لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، حضرها عدد من وزراء العدل بالدول الإفريقية، إضافة إلى مساعد الأمين العام لحقوق الإنسان بمفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان "أندرو جيلمور"، وخبراء أوروبيين مهتمين بالجانب الحقوقي، فيما أطر جلستها الافتتاحية وزير العدل محمد أوجار، ووزير حقوق الإنسان مصطفى الرميد. حكومة العثماني والتعذيب وفي هذا الصدد قال محمد أوجار، وزير العدل بحكومة سعد الدين العثماني، ردا منه على الانتقادات التي وجهتها العديد من المنظمات الحقوقية الدولية للمغرب بخصوص حالات التعذيب بمقرات الاعتقال، إن المغرب قطع نهائيا مع الاختفاء القسري والتعذيب الممنهج بشهادة اللجان الدولية والمساطر الخاصة والمنظمات الوطنية والدولية، وحجته في ذلك كما جاء في كلمة وزير العدل المغربي، هي أن المغرب بادر، منذ إطلاق المشروع العالمي لمبادرة اتفاقية مناهضة التعذيب، إلى اتخاذ جميع التدابير التشريعية والمؤسساتية الرامية إلى مناهضة التعذيب بجميع أشكاله وصوره والوقاية منه، بدءا بتوفير الحماية الدستورية ضد التعذيب أو المعاملة القاسية، كما قام المغرب، حسب أوجار، بتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة وحماية حقوق الأفراد المحرومين من حرياتهم. وشدد وزير العدل المغربي على أن المملكة، وتنفيذا لالتزاماتها الدولية بموجب المصادقة على البروتوكول الملحق باتفاقية مناهضة التعذيب، انخرطت بشكل جدي في تسريع مسطرة إخراج الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب إلى حيز الوجود، مع توفير الضمانات اللازمة لقيام هذه الآلية بمهامها باستقلالية وحيادية وموضوعية، يورد محمد أوجار في تدخله بندوة فاس حول التعذيب. مصطفى الرميد، وزير حقوق الإنسان، الذي يعد المعني الأول بظاهرة التعذيب بالمغرب، وصف في ندوة فاس الظاهرة بأنها "توحش"، ولن نقبل باستمرارها بالمغرب تكريسا لدستور 2011، موضحا أمام الخبراء والمراقبين الدوليين الذين حضروا الندوة، أنه في حالة ثبوت وجود خروقات تتعلق بحالات فردية تخص التعذيب أو سوء المعاملة، فإنها كما قال وزير حقوق الإنسان، تبقى حالات معزولة وليست ناتجة عن سياسة ممنهجة للدولة"، مشددا على أن هذه الحالات المنعزلة، التي تقع في أماكن الاعتقال، تعالج في إطار الضوابط القانونية وتخضع لمراقبة السلطة القضائية، ويترتب على ثبوتها إقرار المسؤولية. وكشف الرميد، في خروج مثير، أن القانون جاء لينتقل بالتصرفات الإنسانية من مرحلة التوحش إلى مرحلة التحضر، عندما نظم عددا من الحريات المرتبطة بالتعبير عن الغضب والاحتجاج، مشددا على أن دستور 2011 جاء بعدد من الآليات القانونية، التي تنظم حق التجمع والتجمهر والمسيرات، لكن أغلب المغاربة يريدون حقوقا بدون واجبات، فيما اعترف في المقابل بأن المغرب لم يصل بعد إلى الدولة الديمقراطية التي يحلم بها المغاربة في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، مبرزا أن هناك توحشا في أداء الدولة، يماثله توحش في تصرفات المجتمع، بحسب تعبير الرميد. المبعوث الأممي يشيد من جانبه، اختار مساعد الأمين العام لحقوق الإنسان بمفوضية الأممالمتحدة السامية لحقوق الإنسان "أندرو جيلمور"، انعقاد الندوة الإقليمية بفاس، للإشادة بالدعم الذي يقدمه المغرب للمفوضية من أجل تعزيز حقوق الإنسان ومحاربة مختلف أشكال العنف، مبرزا أن ندوة المغرب بفاس، وما ستليها من ندوات بدول أخرى، ستمكن من تبادل وجهات النظر وتعزيز التعاون من أجل محاولة القضاء على ظاهرة التعذيب، فيما عبر عن نفس موقف المبعوث الأممي، كل من وزيري العدل بالسودان إدريس التوالي إبراهيم، ونظيره بغامبيا، أبو بكر ماري طامبادو، حيث أشاد الوزيران الإفريقيان بالتجربة الرائدة للمغرب في المجال الحقوقي، خاصة في ما يتعلق بسن مقتضيات تشريعية زجرية لمناهضة جريمة التعذيب. مجلس اليزمي والتعذيب أما الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، فقد اختار خلال مشاركته في ندوة فاس حول التعذيب، أن يضم صوته إلى صوت مصطفى الرميد، حين قال إن "التعذيب ظاهرة ينبغي القضاء عليها بشكل نهائي، بما فيها الحالات الفردية، التي تخص التعذيب أو سوء المعاملة، مشددا على أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان بات ينشد، أكثر من وقت مضى، هدف القضاء النهائي على هذه الظاهرة التي تسيء لما حققه المغرب في سبيل تعزيز دولة الحق والقانون والمؤسسات، حيث توقف الصبار عند حصيلة المجلس منذ مطلع 2009، إذ نظم خمس تظاهرات حول مناهضة التعذيب، فضلا عن إنجازه سنة 2013 دراسة مقارنة بشأن الآليات الوطنية للوقاية من التعذيب.