في سياق أفق الانتظار الذي فتحه الخطاب الملكي ليوليوز، اتجهت الأنظار إلى خطاب افتتاح السنة التشريعية، لمعرفة مآلات التشخيص الحاد الذي مس الإدارة والأحزاب والمؤسسات، على مستوى القرارات والمبادرات. وفعلا، حرص الملك على أن يضع خطابه الأخير في إطار السجل الذي دشنه في خطاب العرش. فما هي الملاحظات التي توحي بها قراءة سريعة لخطاب الجمعة الثانية من أكتوبر؟ – احتفاظ خطاب الافتتاح بالنبرة النقدية للجيل الجديد من الخطب الملكية، وانخراطه في سياق استكمال خطاب العرش، لا يحجب حدة التحول على مستوى هذه النبرة، سواء من حيث الطبيعة أو الدرجة، ذلك أن الانتقاد تحول من دائرة الإدارة والأحزاب والمؤسسات المنتخبة والحكومة، إلى النموذج التنموي الذي طالما تم تقديمه كمشروع خالص للعهد الجديد. وهذا يعني أن منطق خطاب الانتقاد قد بلغ ذروته القصوى، مستنفذا وظيفته التحفيزية والتوجيهية، أن الانتظارات ستتوجه اليوم، رأسا إلى القرارات السياسية . – الاستثمار المنبري الكامل لخطاب افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية العاشرة، في خطاب سياسي يتعلق بالوضع العام للبلاد، دون أي إشارة – مفترضة- بحكم سياق الخطاب، تتعلق بتوجيه الأجندة التشريعية لمجلسي البرلمان، يعني، أساسا، أننا لا نعيش زمنا دستوريا وسياسيا عاديا وطبيعيا. -الحديث عن النموذج التنموي الجديد، وعن السياسة المندمجة للشباب، يعني أن النظام السياسي يعرف صعوبة في إنتاج وعود جديدة، من نفس مستوى القدرة التعبوية للشعارات السابقة التي طبعت العهد الجديد: الإنصاف والمصالحة، المفهوم الجديد للسلطة، المشروع الحداثي الديمقراطي والجهوية المتقدمة. – الخطاب الملكي استعمل معجم القطيعة السياسية، من خلال مفردات: المرحلة الحاسمة، مسيرة من نوع جديد، الصرامة، التصحيح، التقويم، وأساسا من خلال البؤرة المركزية للخطاب المتمثلة في الزلزال السياسي. وهنا، فإذا كانت الاحتمالات الدستورية والسياسية للمقصود بالزلزال، لا تخرج عن مصفوفة محددة من الاختيارات المؤسساتية، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كان هذا الزلزال السياسي المحتمل، سيعني ثورة ملكية على المخزن أم إنه لن يعني سوى المزيد من التحكم في الحياة الحزبية، وإضعاف المؤسسات، وتتفيه نتائج الانتخابات، وتنصيب الزعامات بنوعيها البهلواني أو التقنوسياسي، واعتماد المقاربة التقنقراطية في تدبير السياسات؟ – الخطاب يأتي في سياق مرحلة مطبوعة بأزمة سياسية معلنة، لكنها، كذلك، مرحلة تحضر فيها المؤسسة الملكية كفاعل مركزي في مواجهة معادلة المجتمع والاحتجاج، وداخل هذه الثنائية تغيب المبادرة السياسية الحزبية ذات المضمون الإصلاحي، وهو ما لا يسمح بتحويل الأزمة إلى لحظة لتعميق الإصلاح الديمقراطي، ذلك أن الحلقة المركزية للمرحلة ليست مسألة مفاضلة بين نماذج تنموية غير موجودة، ولكنها مسألة تعايش مع الحد الأدنى الديمقراطي، ومع هامش الشرعية الشعبية الصاعدة من أسفل، وضمان احترام حقوق الإنسان، وتأمين عودة السياسة إلى منظومة تبتلع يوما بعد يوم من طرف مساحات توجد خارج المساءلة.