"أريد ألا أبكي.. لا أريد أن أرى الدم، إنه يخيفني".."لا تقلقي ابنتي، ستشفين..سيساعدنا الملك، ولن يخيفك الدم مرة أخرى.. ستعيشين بلا خوف من الدم.. ومن اللون الأحمر". كان حديثا ناعما بطعم المرارة بين أم وابنتها المريضة..كلمات تعب تقابلها مواساة غطاؤها ناعم ولبها ألم وحسرة. في بيت بسيط، في قلب حي شعبي، في مدينة القنيطرة، جلست الأم "لبنى" تحاول مواساة ابنتها الصغيرة، التي وجدت نفسها تواجه مرضا غريبا.. مرضا جعلها في مواجهة شبه يومية مع مادة حيوية ومهمة تحيي الإنسان، لكنها في حالة الطفلة "آية" توجع وتخيف…هي "الدم". "آية"، البالغة من العمر 12 سنة، طفلة بملامح صغيرة في عمر الست سنوات.. وجها شاحب، وعيونها واسعة، تتطلع ذات اليمين وذات الشمال، تتعقب حديث والدتها علها تستل منه جديدا عن حالتها. قبل حوالي سنتين، نزلت أولى قطرة دم من أنف الصغيرة آية، العائلة لم تعتبر الأمر "مرعبا"، لكن على الرغم من ذلك عرضتها على طبيب مختص، منحها بعض الأدوية حتى تنتهي القصة، وخلافا لما كان مأمولا، لم تنته.. بل كانت البداية! فالأم "لبنى" لم تلق ردا يشفي غليلها، إذ أن الطبيب المعالج قال إن عروقا لدى الصغيرة يجب "كيها" حتى يتوقف النزيف، وحتى هذا التشخيص لم يكن دقيقا، بل مجرد تخمين! أخذت "لبنى" ابنتها إلى طبيب ثان، وثالث، لكن دائما الجواب نفسه: المرض غريب، ونادر! أجرت الطفلة "آية" أول عملية لها، في عام 2016، ذاقت خلالها تلاوينا من العذاب.. غابت عن الوعي لساعات بعد العملية الجراحية، فاعتقدت والدتها أنها النهاية!.. قاومت الطفلة والأم، وتجاوزتا المِحنة أملا في أن يتوقف النزيف، لكن ما وقع بعد ذلك كان أسوأ بكثير. تقول لبنى: "اعتقدت أن ابنتي ستموت… لم تفتح عينيها حتى انفطر قلبي.. وعندما استعادت الوعي، كانت متعبة للغاية، بقيت بالضمادات لفترة، قلت ربما ينتهي الألم". لم يمر وقت طويل على إجرائها العملية، وقفت "آية" أمام المرآة لتفاجئ بدم ينزل من عينيها.. ارتعدت فرائسها، وأخبرت شقيقتها بالأمر، طالبة ستره عن والدتها". علمت "لبنى" بالخبر المرعب… دماء تنزل من عيون ابنتها الصغيرة.. أحست أن حركة العالم توقفت.. كل شيء توقف! رمت يدها على أقرب هاتف، واتصلت بالطبيب المعالج تخبره باكية بالفاجعة! صبيحة اليوم الموالي، حملت "لبنى" ابنتها، وتوجهت إلى الطبيب، كانت قلوب الأسرة لدى الحناجر، والألسن تلهث بالدعاء أملا في تشخيص يُطفئ نار الصدمة، لكن، ومنذ ذلك الحين، بدأت قصة معاناة جديدة، لم تنته إلى اليوم. من طبيب إلى آخر، ومن عملية إلى أخرى.. والخلاصة: مرض نادر لا تعرف طبيعته، ولا علاجه، مقابل ذلك، صارت حالة "آية" تزداد سوءا، في البداية، هاج "الدم" من أنفها، قبل أن يتفجر من العينين، والأذنين، فالفم.. وحتى الجلد! "أريد أن أعيش مثل باقي أقراني.. أريد أن ألعب وأدرس، وأن أحقق حلمي في أن أصير طبيبة"، تقول الصغيرة "آية"، والدموع تتفجر من عينيها، ثم تضيف "بعض الأطفال يسخرون من حالتي.. وهذا يؤلمني، الدم يخيفني..". آية طفلة تعاني مرضا نادرا.. تتألم لكنها لم تتوقف عن الحلم، الأمل لديها لايزال صامدا أمام حمرة الدم.. فهي تدرس، وتحصل أعلى النقط، تقاوم بشراسة رفقة عائلتها الصغيرة، التي توحد كل أفرادها، واجتمعوا على نكران الذات من أجل "آية".. لا أولوية للأسرة البسيطة سوى علاجها، مدخول الأسرة البسيط مسخر لها، وكل شيء آخر مؤجل. أسرة "آية"، ضاقت بها السبل أمام عجز الأطباء المغاربة، الذين أجمعوا على أن الحل ربما يكون في الخارج، ومن أجل ذلك، تحدت الأم آلامها، وصورت ابنتها في مشاهد قاسية وسط الدم، طالبة تدخل الملك محمد السادس، ووزير الصحة الحسين الوردي لمساعدة صغيرتها في إنهاء محنتها حتى تعيش…حتى "تتصالح" مع الدم ويجري في عروقها لتعيش غير خائفة من حمرته..ولا من "نقمته" عليها.