أزمة كبيرة في بيت صغير.. هذه حال القنبلة الدبلوماسية التي انفجرت أول أمس في مجلس التعاون الخليجي، حيث أعلنت الأخت الكبرى السعودية ومعها الإمارات العربية المتحدة والبحرين، سحب سفرائهم من الدوحة تعبيرا عن احتجاج غير مسبوق على سياسة الاتجاه العاكس التي تتبعها قطر إزاء أكثر من أزمة وملف وقضية تخص الخليج الحائر إزاء العواصف والزوابع التي تحوم حوله... اشتعل أول أمس التويتر الخليجي بالتعليقات (التويتات)، وهو المنصة السياسية الوحيدة التي يتحدث فيها الخليجيون بصراحة ودون رقابة كبيرة اليوم، هنا انقسم الصف الخليجي والعربي إلى آراء متناقضة، منهم من يؤيد عقاب قطر لأنها خرجت من بيت الطاعة الخليجي قبل 20 سنة ولم ترجع بعد، وحان الوقت لضربها بعد أن استعملت الأخت الكبرى معها الحلم، نصحتها، ثم عاتبتها، ثم هجرتها، والآن حان وقت الجد.. كيف تجرؤ قطر على تأييد جماعة الإخوان المسلمين، واستضافة رموزهم، ووضع قناة الجزيرة تحت تصرفهم، ومد يد العون المالي لهم من أجل مقاومة انقلاب العسكر على محمد مرسي؟ ألا تعلم قطر أن السعودية والإمارات والبحرين صارت ترى الإخوان المسلمين العدو رقم واحد، لأنهم الجماعة الوحيدة التي استطاعت أن تجد لها مكاناً في الصحراء الخليجية حيث لا أحزاب ولا نقابات ولا جمعيات ولا برلمانات حقيقية ولا حراك سياسي، وأن الإخوان المسلمين إن تمكنوا من حكم القاهرة فإن حكم باقي دول العالم العربي سيسقط بين أيديهم كما تسقط التفاحة الفاسدة من الشجرة بسهولة وتلقائية... هؤلاء يرون أن السعودية صبرت على قطر لمدة 20 سنة وهي ترى جارتها الصغيرة تشكل قوة ناعمة على حدودها. نصبت «الصحن الهوائي» لقناة الجزيرة التي صارت متخصصة في رمي الحجارة في البركة الآسنة للمنطقة، وربطت علاقات مع إيران وحزب الله في الوقت الذي صارت الرياض ترى في طهران العدو رقم واحد وليس إسرائيل، وعمدت قطر إلى استضافة قاعدتين أمريكيتين في العيديد والسيلية، بعد أن كانت تندد بالوجود الأمريكي في جزيرة العرب... لما أطل الربيع العربي برأسه استقبلته قطر بالحليب والتمر، وهي تسعى إلى أن تلعب دور عراب الثورات الجديدة، تماماً كما سعت، عبر استضافة يوسف القرضاوي وهيئة علماء المسلمين، إلى خلق قطب إخواني سني يواجه القطب الديني الوهابي السلفي الذي يستوطن السعودية. ماذا تريد قطر التي لا يزيد تعداد سكانها عن 300 ألف (قال عنهم بندر بن سلطان إنهم 30 ألفا)؟ تريد الفتنة؟ تريد أن تشغل الأخت الكبرى حتى لا تفكر في عضها؟ تريد أن تلعب دورا أكبر منها مستغلة الغاز والنفط وقدرة المال على شراء الخبرة من السوق؟ المؤيدون لقطر في الخليج وخارجه يرون أن الدوحة عاصمة مستقلة، دبلوماسيتها جزء من قرارها السيادي، وبالتالي لا يجوز لأحد، باسم الأخوة في مجلس التعاون الخليجي، أن يتدخل فيها، فهذا المجلس أصلا ولد ميتا، وباستثناء وزراء الداخلية الذين يستفيدون من التنسيق الأمني، لم يحقق شيئا من الأهداف التي ولد من أجلها. فقطر تساند الإخوان المسلمين في مصر لأن الشعب صوت لهم في انتخابات حرة، والمشير عبد الفتاح السيسي، الذي ترعاه السعودية والإمارات اليوم، وصل إلى السلطة عن طريق انقلاب عسكري، ويداه ملطختان بدماء الآلاف من المصريين، والانقلاب لن يقود مصر إلى الخروج من النفق الذي دخلته، وأن الذي يحب مصر وجيشها، ويراها عمقاً استراتيجيا للعرب، عليه أن يشجع التحول الديمقراطي السلمي فيها، لا أن يرجعها إلى عهد مبارك، ويزج بالجيش في حرب الشوارع عوضا عن حماية الحدود والأمن القومي لمصر. الموقف القطري لا يختلف عن الموقف الأوربي، والألماني تحديدا، فلماذا لم تغضب فرنسا وبريطانيا من ألمانيا لأنها عبرت عن مواقف حادة تجاه انقلاب مصر، مع العلم بأن ما يربط برلين وباريس أقوى مما يربط الرياض وأبوظبي والدوحة والمنامة؟ وهل «الجزيرة» أقل مهنية من «العربية» و«MBC» و«روتانا»؟ ثم لماذا تخاف السعودية من الإخوان المسلمين وهم تيار ديني معتدل أفضل ألف مرة من التيار السلفي الوهابي الذي ترعاه السعودية داخل بلادها وفي العالم العربي؟ ألم تخرج قاعدة ابن لادن من تحت عباءة هذا التيار الديني المنغلق؟ ألا يقود فكر هذا التيار الآن كتائب جبهة النصرة وداعش في سوريا؟ هل القرضاوي أكثر تطرفا وانغلاقا من شيوخ السعودية الذين يمنعون المرأة من سياقة السيارة ومن السفر إلى الخارج دون محرم؟ السعودية تقول إن الإخوان يخلطون الدين بالسياسة، والسؤال هو: من من بين الأنظمة العربية كلها الذي لا يخلط الدين بالسياسة؟ أنتم من علمتم الحركات الدينية الخلط بين السياسة والدين... هكذا ينقسم الرأي بين مؤيد ومعارض، وتبقى الأزمة الحالية وسط الخليج مجرد حمى في جسد يعاني أمراضا خطيرة، وعوضا عن الذهاب إلى الطبيب والبحث عن أصل المرض، يكتفي إخواننا في الخليج بوضع الثلج فوق رؤوسهم لتبريد الحرارة في انتظار عودة الحمى مرة أخرى...