في يوم ممطر من أيام فبراير سنة 2011، حيث يستعد الشتاء للرحيل فاسحا المجال لفصل الربيع، تفتحت في ذلك اليوم ورود وزهور من نوع خاص... الشباب الذي نضج وعيه في العهد الجديد، والشابات اللواتي بلغن سن 18 سنة في عهد الملك محمد السادس، يخرجون مرة واحدة إلى الشارع للتظاهر في 54 مدينة وعمالة وإقليما (الرقم ورد على لسان وزير الداخلية الطيب الشرقاوي في الندوة الصحفية التي عقدها يوم 22 فبراير بالرباط)، رافعين شعارات واحدة هي: الحرية والكرامة ومحاربة الفساد، والانتقال من الملكية المطلقة إلى الملكية البرلمانية واستقلال القضاء، وحرية الإعلام، وحل الحكومة والبرلمان، وإلغاء الفصل 19، ونزع القداسة عن السلطة، وقول لا للمخزن الاقتصادي والإعلامي والأمني والسياسي، ورفع لافتة «ارحل» في وجه رموز الدولة الذين كانوا مسؤولين عن تدبير 12 سنة من حكم الملك محمد السادس آذاك، أي قبل ثلاث سنوات من اليوم... من دعا إلى هذه التظاهرات السياسية التي لم تخرج مثلها في المغرب طيلة تاريخ الاستقلال؟ الأحزاب؟ لا. اليسار؟ لا. النقابات؟ لا. الإسلاميون؟ الليبراليون؟ لا. الاتجاهات الراديكالية في المغرب؟ لا. من إذن استطاع أن يحرك آلاف الشباب وفي كل ربوع البلاد وفي يوم واحد بشعارات وأناشيد ولافتات تكاد تتشابه في طنجة ومراكش والرباط والدار البيضاء وأكادير وتطوان وفاس ومكناس وبني ملال وقلعة السراغنة والمحمدية وتازة والحسيمة والناظور... من كان يملك هذا القدر من التنظيم وهذه القدرة على التعبئة وهذه الجاذبية لإخراج آلاف الشباب والشابات إلى الشارع للمطالبة بإصلاح عميق للدولة.. من الدستور إلى القوانين إلى المراسيم إلى ثقافة المخزن وطقوس الحكم وسلوك النخبة وأداء التلفزيون وسوق التجارة؟ لا سر في هذه القصة. الذي أخرج الشباب في المغرب للتظاهر والاحتجاج، هو الذي أخرج الشباب في تونس والقاهرة وصنعاء والمنامة ودمشق وطرابلس والخرطوم... إنه عدو الفساد والاستبداد والإهانة والفقر والقمع وتزوير الانتخابات لعقود وعقود. الذي أخرج الشباب في هذه المنطقة، التي ظلت خارج العصر الديمقراطي، للتظاهر السلمي، هو ما سمي ربيع الشعوب، والثورات الإصلاحية التي هبت على المنطقة، نتيجة عوامل كثيرة منها: سقوط جدار الخوف من السلطة في نفوس الشباب بفعل تطور القيم الديمقراطية لدى جيل جديد متحرر نسبيا من ثقافة آبائه الجامدة. الذي أخرج الشباب إلى الشوارع هو طول ليل الاستبداد، وعقم أساليبه في قمع الشعوب، واليأس من إصلاح الوضع عن طريق انتخابات لا تنتج. الذي أخرج الشباب إلى الشارع للمطالبة بعريضة الإصلاحات الجديدة هو ضعف جل الأحزاب السياسية التي صارت نخبتها مخصية وشبه مقيمة في جناح حريم السلطان... الذي دفع الشباب إلى الخروج إلى الشارع ليس الإيديولوجيا اليسارية أو الليبرالية أو الأصولية.. الذي رمى بالشباب إلى الشارع هو الإحساس بالإهانة والظلم والبطالة والحكرة والضيق من استبداد القلة، الذي صار أعدل قسمة بين الناس في الوطن. الذي دفع الشباب إلى التمرد على سلطة الدولة والعائلة والمجتمع والثقافة السائدة هي تكنولوجيا الاتصالات الحديثة وسحر النيت وشبكات التواصل الاجتماعي التي سهلت الاتصال والتواصل بين أخطر كتلة بشرية في أي مجتمع (الشباب)، وفتحت نهرا دافقا لنقل القيم الديمقراطية التي صارت عملة كونية قابلة للصرف في كل أرجاء العالم. تحولات عميقة جرت في المجتمع المغربي طيلة 20 سنة الماضية، بفضل عوامل كثيرة داخلية وخارجية هي التي أعطت لحظة تفجر الغضب المغربي في مثل هذا اليوم قبل ثلاث سنوات، ففتحت المجال لحراك سياسي غير مسبوق بما لهذه الحركة وما عليها. لقد كانت لحظة خرجت فيها الرجل المغربية من الحذاء الخشبي الذي وضعت فيه منذ سنوات حتى لا تكبر فتصير مزعجة أو خطرة، وهذا ما صدم السلطة بكل مستوياتها. لا أحد اليوم ينكر تاريخ ميلاد هذه الحركة، سواء الذي ساهم في ولادتها أو الذي ساعد على قتلها، سواء الذي ركب فوق ظهرها، أو الذي حلب ضرعها، سواء من تضرر منها أو من استفاد من الشرارة التي أطلقتها... غدا نرى ماذا بقي من هذه الحركة اليوم. إلى اللقاء...