يستطيع النظام السوري أن يفتخر ببراميله المتفجرة، التي تحولت إلى سلاح فتّاك يقتل بالجملة، وعوضته عن اضطراره إلى التخلي عن ترسانته الكيماوية! فلقد أثبتت البراميل أنها أكثر فاعلية من الكيماوي، وأنها سلاح لا يقاوم، في ظل عدم امتلاك مسلحي المعارضة أسلحة مضادة للطائرات. صحيح أن المستبد في سوريا لا يستطيع أن ينسب براءة اختراع البراميل إلى نفسه، فالبراميل كانت السلاح الفتّاك الذي استخدمته الهاغانا (القوة العسكرية الصهيونية التي شكلت نواة الجيش الإسرائيلي) خلال حرب النكبة 1948، وكانت فاعليته مذهلة. لكنه يستطيع الادعاء أنه قام بتطوير هذا السلاح وحوله إلى أداة إبادة وتطويع. في دراسته «عودة إلى سقوط حيفا» (مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 96 خريف 2013) يروي المؤرخ الفلسطيني وليد الخالدي عن الدور الذي لعبته البراميل في سقوط المدينة في 23 أبريل 1948: « …واستغلت الهاغانا طوبوغرافيا حيفا إلى أقصى حد، وخصوصاً الأدراج الطويلة المنحدرة من الأحياء اليهودية في الأعلى إلى المدينة العربية في الأسفل، وتفتّق ذهنها عن ابتكار براميل مؤطرة بإطارات سيارات مطاطية ومحشوة بخرق مبللة بالكيروسين (الغاز) وموصولة بجهاز إشعال. وكانت هذه الآلات الجهنمية الملتهبة تدحرج في اتجاه الأحياء العربية في الأسفل، مترافقة مع صليات الهاون». لعبت البراميل دورا حاسما في ترهيب سكان حيفا من أجل إخراجهم من بيوتهم إلى الميناء حيث كانت تنتظرهم السفن البريطانية من أجل نقلهم إلى عكا ولبنان. «البرملة» الإسرائيلية لم تقتصر على حيفا، إذ يروي سكان الجليل أن البراميل الملتهبة لعبت دورا أساسيا في اجتياح قراهم، وفي التمهيد للمجازر التي ترافقت مع عمليات طردهم وترحيلهم، وتشكل قرية عين الزيتون مثالا صارخا على فاعلية البراميل في سحق حياة الفلاحين الفلسطينيين (...) السؤال اليوم هو لماذا يستخدم النظام السوري سلاح البراميل، التي يجري حشوها بقناني الغاز والمتفجرات وتلقى بشكل عشوائي على المدن، من حلب إلى داريا إلى آخره… من الواضح أن البراميل لا تقتل سوى المدنيين، وأن فعاليتها العسكرية محدودة جدا كي لا نقول إنها نافلة، ولم يعد المرء في حاجة إلى التبحّر في العلوم العسكرية كي يعرف أن سلاح الطيران لا يستطيع حسم أي معركة، وكان النموذج الأخير لهذا العجز هو الخزي الذي عاشه الجيش الإسرائيلي خلال حرب يوليوز 2006، حين اعتقد أنه يستطيع تحقيق النصر بالقصف من الطائرات، ومن دون التورط في اشتباك بري حقيقي. إذاً ماذا يريد بشّار الأسد؟ ولماذا يتم ترهيب المدنيين في سوريا بهذا الشكل الوحشي؟ من الواضح أن الجيش النظامي لا يملك خطة إبادة شاملة، أي خطة تطهير عرقي، ربما كانت حمص استثناء لأنها حيوية لتحصين الساحل، أما في باقي الأماكن، فإن «البرملة» بلا هدف عسكري واضح. إلا إذا كانت قيادة غرفة العمليات المشتركة السورية الإيرانية بمشاركة حزب الله تخوض حرب حافة الإبادة. المقصود بحافة الإبادة هو الوصول إلى تدمير وجودي للشعب السوري بأغلبيته الساحقة، بهدف سوقه مرة جديدة إلى مرتبة الاستعباد التي عاش فيها طوال أكثر من أربعة عقود. النظام يعرف وحلفاؤه يعرفون أن الانتصار الحاسم والنهائي في الحرب هو المحال بعينه. ولو تلقت المعارضة من «حلفائها» ربع ما تلقاه من أسلحة، لكانت آلة النظام العسكرية قد تداعت. إذا كان النصر مستحيلا، فلماذا براميل النظام؟ هل يريد للأحزان والأحقاد أن تتراكم بحيث يصير أي بحث في التسوية محالاً؟ أم يسعى إلى توريط حلفائه في معركة مفتوحة على المجهول؟ أم هو جنون القوة التي فقدت مصادر قواتها؟ وهل يستطيع الرأي العام العالمي أن يتابع موقفه كمتفرج، في زمن تحولت فيه صور المأساة إلى أداة تسلية وترفيه؟ «البرملة» التي بدأها الصهاينة وصلت إلى اكتمالها الوحشي مع الديكتاتورية، فالاستبداد العربي هو الوجه الآخر للوحشية الصهيونية، كلاهما «يتبرمل» بدماء الأبرياء، ومصيرهما واحد مهما طالت بنا المآسي.