من حق نتنياهو أن «يزعل» على العالم كله من أكبر رأس حتى أصغر رأس فيه، فهو يعتقد (بينه وبين نفسه) أن السهولة التي تم بها الاتفاق مع إيران تعود إلى كون أوباما مسلما أولا، بالإضافة إلى لون بشرته الذي يميل نحو شحوب شعوب العالم الثالث، لأنه لا يوجد أي منطق لعدم تدمير إيران على رؤوس أصحابها الفرس سوى أن الدم لا يصير ماءً، كان ممكنا للعالم أن يحصل على نتائج أفضل من هذا الاتفاق بكثير لو ضُربت إيران ضربة نووية صغيرة لا تقوم لها من بعدها قائمة. نتنياهو مثل ولد مدلل (يتزعفل) ويهدد بإيذاء نفسه لعدم حصوله على اللعبة التي أرادها، رغم أن الحساب مدفوع من بترول العرب، سقى الله أيامكم يا آل بوش. نتنياهو كان يريد أن يرى كل ما حوله مقابر وأكوام حجارة كما أحسن وأبدع بفعله نظام الأسد وبعض فلول الإرهاب المدسوس على الثورة، وأن يرفع عقيرته أمام شعبه ومنتخبيه ويعلن بكبرياء وغرور: «ها قد تمكن أصدقاؤنا من تدمير إيران دون أن نخسر من جهتنا قطرة دم واحدة». سقى الله أيام أمريكا العظيمة والحشود الدولية والعربية التي هرعت كلها لحماية إسرائيل من خطر العراق «المعرّضة لخطر الإبادة» ونحن هنا نضحك، نتسلى ونمثل، نصوّر مقاطع فيديو لأولادنا وهم يرتدون الأقنعة ضد الكيماوي في روضات الأطفال ونبتز العالم، ونحن نعلم علم اليقين بأن الكيماوي لم ولن يستعمل إلا ضد العراقيين العرب والأكراد والفرس وشعوب أخرى لا تعلمونها، كانت أياما تاريخية لا تنسى. قول السيد حسن نصر الله وهو يبتسم على (الميادين) إن إيران لم تسعَ أصلا إلى صناعة قنبلة نووية (بيناتنا) ليس دقيقا، ومحاولة تصويره تفكيك الكيماوي السوري ووقف المشروع الإيراني على أنه انتصار فيه خلط لمعنى النصر، ما جرى هو مقايضة، وليس خطأ، مادام هذا سينقذ أرواح الآلاف من أبناء الشعبين السوري والإيراني من هجوم أمريكي دولي، ليس عيبا لو قال السيد حسن إن إيران حاولت الوصول إلى سلاح نووي، ولكن الحصار خانق والخطر داهم، وإن دخول المشروع النووي ليس مثل الخروج منه، أما تفكيك الكيماوي فهو ليس فقط من حظ إسرائيل كما يزعم الكثيرون، في الواقع هو من حظ الشعب السوري نفسه، وربما الكردي والتركي وحتى الفلسطيني، وتفكيكه جاء مقابل هذا الصمت العالمي الرهيب إزاء ما يحدث في سورية من كوارث ومجازر، وغض الطرف عن البراميل المتفجرة وصواريخ سكود العشوائية على الأحياء السكنية.. وبعد أكثر من مائة وستة وعشرين ألف قتيل تقول الأمم المتحدة إن النظام ارتكب جرائم حرب.. والله أعلم. من حق نتنياهو أن يعتب و«يزعل» على أبي مازن و»على قد المحبة الزعل كبير»، أبو مازن ما زال «ينقّ» كل بضعة أسابيع عن الاستيطان حتى كاد يصيب المستوطنات والمستوطنين بالعين، اللهم أبعد عنّا شر الحسد والحاسدين، فهو لا يكف عن المطالبة بوقف التوسع الاستيطاني، ويزعم أن هذا لا يخدم السلام، حتى تحول الأمر عنده إلى عادة سيئة، إن قصف تل أبيب بالهاونات أهوَن من هذا «النقّ»، حتى الاتحاد الأوربي صار ينزعج من كثرة كلامه حول الموضوع، وبدأ يلوّح بقطع المساعدات عنه ما لم يتقدم في المفاوضات! نعم، لقد استنكر كثيرا وسمعناه، فماذا يريد أكثر؟ الآن يجب أن تحدث الطفرة، أن يكون محترما ويعلن صراحة «لكم اللحم ولي العظم»، «يا سيد نتنياهو أنت تفصّل ونحن نلبس». من حق نتنياهو أن «يزعل» على العرب في حيفا والشمال، لأنهم تضامنوا مع البدو في النقب، فعلا غريب.. ما شأن العرب بالبدو! ألم نقسّمهم إلى قوميات وطوائف ومذاهب وأعراق ودوائر وشرائح وقطاعات...! ما علاقة القرويين وأهل المدن العرب بالقومية «البدوية»، لأجل البدو يغلق العرب شوارع حيفا في (عيد الأنوار العبري) ويحرمون الناس من فرحة العيد بينما تسعة وعشرون مندوبا عربيا ومسلما يصفقون لبيرس من أبوظبي! من حق نتنياهو أن «يزعل» وأن يصيح بألم «حتى أنت يا شمعون بيرس»، أنت أيها الرجل الطيب مؤسس فرننا الذري الذي لا تثريب عليه ولا حصار ولا تفتيش، أنت أيها الزعيم الصهيوني الأسطوري تلقى تصفيقا من تسعة وعشرين مندوبا عربيا ومسلما! لماذا أنت وليس أنا! ما هو فضلك يا بيرس عليّ حتى تحظى بهذه الشعبية عندهم! علما بأن الحركة الصهيونية لن تتردد في تتويجك كأفضل زعيم لها منذ تأسيسها، هكذا هم العرب يحبون من يضحك على ذقونهم، يحبون بيرس الخبيث والثعلب الذي يدسّ سمومه في عسل الكلام، ويبدو أن السموم التي قتلت عرفات من هذا النوع، إلى درجة أن الفرنسيين لم يعثروا عليها (كما يزعمون) في مختبراتهم. من حق نتنياهو أن «يزعل» عندما يحاول الفلسطينيون وأصدقاؤهم كسر الحصار البحري الخانق لقطاع غزة، أوْلى بهم أن يثوروا ضد حماس التي لولاها لما كان هناك حصار، من حقه أن «يزعل» لأن العرب أنفسهم لا يهتمون بهذا الحصار المستمر منذ ست سنوات، فما عدا مما بدا حتى يأتي أناس من آخر الدنيا (يبدو أنهم عاطلون عن العمل) ليطلبوا فك الحصار، بينما ال(سي سي) يشدد الحصار مثلنا وأكثر، بل ويطرد السفير التركي الذي جرؤ على المطالبة بفكه، كل الاحترام له، ليس بوسعي سوى القول إن ال(سي سي) جيد لإسرائيل. من حقه، أيضا، أن يغضب على الصحافة العبرية، فقد وصفه بعضهم بالقيصر، بسبب مصروفاته الكبيرة من خزينة الدولة على أمور شخصية في بيته الخاص، فقد كلفت أثمان شموع ذات روائح رومانسية خزينة الدولة ما يكفي لإضاءة بيوت أهل غزة في فترات انقطاع الكهرباء، ومصروفات بيته من الماء تكفي لحل أزمة مياه الشرب لديهم، كذلك كانت مصروفاته على الورود كبيرة ومبالغا فيها وتكفي باقات لمئات آلاف عشاق الاستيطان في الضفة الغربية والنقب والأغوار وحتى الجليل... سهيل كيوان