نقابة حزب الاستقلال برأسين، واحد مربوط إلى شباط والثاني إلى ولد الرشيد. وما يحدث هذه الأيام داخل الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، دليل صارخٌ على فشل المصالحة التي قادها الحكيم عبدالواحد الفاسي، قبل أيام، بين الإخوة الأعداء، ومؤشر على ما سيكون عليه المؤتمر 17 للحزب. الحقيقة المُرّة التي يخفيها ورثة علال الفاسي في غمرة الاتهامات المتبادلة بينهم، ولا يقوون حتى على التهامس بها في آذان بعضهم، هي أن البيت الاستقلالي، بشبيبته ونقابته، شاخ، شأن كل أحزاب الحركة الوطنية التي لم يبعث الله من يجدد أفكارها ويطور بنياتها التنظيمية. هكذا أصبحت صراعات الإخوة في حزب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي ونقابتيهما، شبيهة بخصومات نجليْ عبدالعال باشا الدسوقى، الوزير وأحد أقطاب حزب الوفد المصري، في رواية "عمارة يعقوبيان". فعندما كانت الأخت (دولت) تتهم شقيقها (زكي بِك الدسوقي) بتبديد ثروة العائلة والإساءة لسمعتها، كان هو يجيبها: "عدد الرجَّالة اللي دخلوا البيت ده عشان ينامو معاكي أكثر من أعضاء حزب الوفد القديم والجديد". بادو وغلاب واحجيرة يتهمون شباط بالإساءة إلى الحزب، وهو يتهمهم بفتح تلفوناتهم وإدخال الغرباء إلى اجتماعات اللجنة التنفيذية. الشيء نفسه بالنسبة إلى الفقيدة الفدرالية الديمقراطية للشغل؛ فعندما اتهم أنصار عبدالرحمان العزوزي مجموعة إدريس لشكر بسحب مبالغ من مالية النقابة، ردّ عليهم الآخرون: لقد "عقدتم اجتماعكم داخل حانة وأصدرتم بيانا مخمورا"!!! أين كان دعاة الإصلاح والتصحيح داخل "UGTM"، يوم كان شباط يحشد لتظاهرات فاتح ماي، جيوش البؤساء أو البروليتاريا الرثة – بتعبير النقابيين- ليغطي على غياب البروليتاريا المُنتجة التي انسحبت من نقابته، كما انسحبت من باقي النقابات، بعدما رأت أن زعماء أغلب المركزيات تحولوا، هم وأبناؤهم ونساؤهم إلى باطرونات، يدهسون العمال مثلما فعلت ابنة المحجوب بن الصديق، أو يؤسسون شركات وهمية مثل نجل الميلودي موخاريق، أو يراكمون الملايير مثل أبناء شباط. أو، مثل الأموي، الذي رفع شعار الديمقراطية لتبرير الخروج عن بيروقراطية "UMT" في 1978، لكنه بقى جاثما على رأس "CDT" مدى الحياة إلى أن شاخ وشاخت النقابة معه؟ يُحكى عن أحد الفقهاء المغاربة أنه كان في وليمة، وعندما همّ بغسل يديه نظر إلى قطعة الصابون المتسخة على جانبه، وقال: "إننا نحتاج إلى صابون لغسل هذا الصابون". العمال يحتاجون إلى نقابيين نزهاء وديمقراطيين ليخلصوهم من زعماء نقاباتهم الذين تحولوا بقدرة قادر من مستخدمين إلى مستثمرين، ومن أجراء إلى أثرياء. في حوارين (متوفران على النت) سبق لي أن أجريتهما، كل على حدة، واحد مع خالد الجامعي، والآخر مع الدكتور مولاي سعد هاشم، نجل هاشم أمين، أول كاتب عام لنقابة حزب الاستقلال (قبل عبدالرزاق أفيلال)، يحكي الجامعي أن هاشم أمين كان يستعد سنة 1964 لعقد ندوة صحافية يعلن فيها أن نقاقة UGTM لا علاقة لها بحزب الاستقلال بعد أن قال له الحسن الثاني في لقاء جمعهما: "واش انت غادي تبقى ديما حمار الطاحونة ديال حزب الاستقلال؟". هذه الرواية أكدها لي، مع بعض التحوير، نجل هاشم أمين، بعد أن نفى نية والده في فصل النقابة عن الحزب. قال إن الحسن الثاني كان قد سلم هاشم أمين "أمانة" (شيكا ماليا)، وفي لقاء آخر سأله عما فعله به، "فأجابه والدي قائلا: "را وصّلتْ الأمانة للحزب"، فأجابه الحسن الثاني قائلا: "ما تكونشْ حْميّر دْيال حزبْ الاستقلالْ..". فردّ والدي على الحسنَ الثاني قائلا: "أنا غادي نكونْ دائما حْميّر دْيال الطبقة العامِلة". ما بين السعي إلى فصل النقابة عن الحزب التي أسسها، انصياعا لرغبة الحسن الثاني، أو تحويل "الأمانة"، إلى الحزب بدل الحرص على فصل مالية النقابة عن مالية الحزب تحقيقا للمسافة المطلوبة، مازال الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، يتخبط إلى الآن؛ فلا أحد يعرف متى ينتهي شباط ويبدأ الشراط. ولا أحد يعرف متى ينتهي ولد الرشيد ويبدأ صهره ميّارة. ما يعرفه الجميع هو أن لا أحد من هؤلاء مستعد ليكون "حمارا" خالصا للنقابة.