«نحن المؤمنون المسيحيون من أصل مغربي؛ نتوجه إلى سيادتكم وعبركم، إلى رئيس المؤسسة الدستورية للنهوض بحقوق الإنسان، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، بهذا الكتاب التواصلي. لقد وصلت تنسيقيتنا الوطنية للمغاربة المسيحيين إلى قناعة راسخة بأن التقدم في إيجاد حلول لمطالبنا كمؤمنين مسيحيين مغاربة يمر عبر التواصل، العمل والمرافعة من خلال ما يتيحه الظهير الملكي المؤسس للمجلس الوطني لحقوق الإنسان». الحديث هنا لوثيقة قدّمت رسميا يدا بيد من مسؤولي تنسيقية تعلن نفسها ممثلة للمغاربة المسيحيين، إلى الأمين العام للمؤسسة الوطنية المشرفة على حقوق الإنسان. «المؤمن الذي يعيش ويشتغل داخل مجتمع ما كمواطن، هو في الآن نفسه مؤمن ومواطن، لأنه لا وجود لأي تعارض بين الصفتين، يتطلّب التخلي عن إحداهما». العبارة هنا من إعلان مشترك بين المجلس البابوي لحوار الأديان، التابع للفاتيكان، وأكاديمية المملكة. هذه الأخيرة احتضنت في مقرها الفاخر المجاور للإقامة الملكية الخاصة في طريق زعير، والذي كان قد شهد جلّ لقاءات لجنة عبد اللطيف المنوني لتعديل الدستور عام 2011، يوما دراسيا بين مؤسسة رسمية مغربية، ووفد ممثل ل«قبلة» مسيحيي العالم، أي الفاتيكان. اللقاء خصص لحوار مباشر بين شخصيات فكرية مغربية وأساقفة وكاردينالات وممثلين للديانة المسيحية. منظمو اللقاء اختاروا له موضوع: «مؤمنون ومواطنون في عالم يتغير»، وأطروه باستشهادات متكررة من الرسالة الملكية الموجهة إلى مؤتمر حماية الأقليات الذي احتضنته مراكش العام الماضي. ظلّ موضوع المسيحيين المغاربة يؤطر بمقاربة أمنية، تعتبر أن الأمر يتعلّق بأطراف تبشيرية خارجية تسعى إلى خلق أقلية موالية لها داخل المغرب، توظفها بعد ذلك لأغراض سياسية. مقاربة لا تبدو خاطئة تماما، لكن التطورات الأخيرة التي عرفها المغرب، وخروج أشخاص يعلنون انتماءهم المسيحي، ويطالبون باحترام حقوقهم الكاملة كمواطنين، تجعل الموضوع يندرج ضمن ثلاث خانات: الأولى هي التي تربطه بالعنصر الخارجي، الذي يتمثل أساسا في لوبي أمريكو-صهيوني، يسعى إلى اختراق المجتمعات العربية والإسلامية من خلال أنشطة تبشيرية. أما الخانة الثانية، وهي التي برزت في الفترة الأخيرة، فهي التي تنظر إلى الموضوع من زاوية حقوقية. فعندما لا يتعلّق الأمر بأطفال أو قاصرين، يحقّ لكل شخص اعتناق الأفكار التي تناسبه، بما فيها العقائد الدينية. المواثيق الدولية والدساتير الحديثة والممارسات الحقوقية العصرية تعتبر الاعتقاد أمرا شخصيا وجزءا من الحقوق الفردية لكل إنسان، وتلزم الدول بحمايتها. أما الخانة الثالثة التي يطرح فيها هذا الموضوع، فتتمثل في المقاربة الهوياتية والصراع السياسي الداخلي. لحظة إعداد دستور 2011، كانت قد شهدت مواجهة قوية بين طرفين، الأول ينعت نفسه بالحداثي، وكان يضغط لتضمين الوثيقة الدستورية اعترافا صريحا وواضحا بحرية الاعتقاد، مع ما يعنيه ذلك من حرية تغيير الدين الإسلامي بدين آخر، فيما كان الطرف المحافظ، والإسلامي بالخصوص، يتمسّك بالهوية الإسلامية السنية للدولة والمجتمع المغربيين.
الفاتيكان في أكاديمية المملكة أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل الحجمري، افتتح لقاء الأربعاء الماضي مع ممثلين للفاتيكان، بالقول إن المغرب أرض للتسامح وحماية غير المسلمين، «كما قال جلالة الملك في رسالة إلى المشاركين في مؤتمر مراكش». وقدّم الحجمري الفقرة التي قال فيها الملك محمد السادس: «إننا بوصفنا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، نضع على عاتقنا حماية حقوق المسلمين وغير المسلمين على السواء». عبارة كان الملك قد كرّرها في الاستجواب الذي أجراه مع الصحافة الملغاشية في نونبر الماضي، حيث قال إنه أمير لكل المؤمنين كيفما كانت ديانتهم. والوثيقة الصادرة بشكل مشترك بين الجانبين تقول إن «المؤمن المنسجم وذا المصداقية، شاهد وحامل لقيم مثل الاستقامة والوفاء وحب الصالح العام والاهتمام بالآخرين، خاصة أولئك الذين يعانون الفاقة ويتطلعون إلى اللطف والرحمة. هذه القيم التي ليست حكرا على المؤمنين، تتسم رغم ذلك بالإحساس الديني الذي يلهم إليها». وتخلص الوثيقة نفسها إلى أن «الحوار بين المسيحيين والمسلمين، سواء حول شؤون الحياة اليومية أو الحوار المؤسساتي بين المثقفين والمسؤولين الدينيين، أو الذي يمر عبر أعمال مشتركة لصالح المحتاجين، يحتاج إلى التتبع بصبر وحكمة، ذلك أنه ليس عملا اختياريا، بل ضرورة من أجل السلام والأمن وراحة المجتمعات». لغة وقاموس ونبرة تختلف في كل شيء عن جميع الألحان المعتادة في الخطاب الرسمي المغربي حول الديانة السماوية الأولى في العالم من حيث الانتشار، أي المسيحية. فموضوع المسيحيين بالمغرب يتسم بحساسية كبيرة، ظلت تعتبره السلطة قناة للتبشير واستغلال الفقر والهشاشة لتنصير المغاربة، فيما يحمل تقرير الخارجية الأمريكية كل سنة انتقادات شديدة حول طريقة تعامل المغرب مع مسيحييه، خاصة الذين يتخلون عن دين الإسلام. أما القانون الجنائي المغربي، فيحتفظ بمقتضيات تعاقب على «زعزعة عقيدة المسلم»، وهو ما يعتبره الحقوقيون مطية للتضييق على حرية المعتقد.
مسيحيون مغاربة يخاطبون الدولة فبعدما ظل الشأن الديني في المغرب يقتصر على ثنائية الإسلام واليهودية، تواصل المسيحية كملف صعودها السريع والقوي داخل المؤسسات الرسمية والهيئات العليا للدولة. توجه قوي برز في أعلى هرم الدولة، يهدف إلى الانفتاح على المكون المسيحي في المجتمع المغربي، والذي ظل يعتبر طابو وموضوعا مرتبطا بحملات التبشير والتنصير التي تستهدف بعض الفئات الفقيرة والهشة. فبعد مؤتمر الأقليات، الذي احتضنته مراكش مستهل العام الماضي، حرص الملك محمد السادس على تضمين استجوابه الصحافي الأول منذ سنوات، والذي خص به الصحافة الملغاشية في شهر نونبر الماضي أثناء زيارته جزيرة مدغشقر، عبارة يقول فيها إن «ملك المغرب هو أمير المؤمنين، المؤمنين بجميع الديانات»، فيما فاجأ المجلس الوطني لحقوق الإنسان المتتبعين، قبل بضعة أسابيع، باستقباله رسميا مجموعة من المسيحيين المغاربة، في خطوة أولى نحو الاستجابة لمطالب دينية غير مسبوقة في المغرب، تتمثل في تمكين مواطنين اعتنقوا الدين المسيحي من ممارسة شعائرهم الدينية. مباشرة بعد الاجتماع الرسمي الذي خصّهم به المجلس الوطني لحقوق الإنسان، قام أعضاء «التنسيقية الوطنية للمغاربة المسيحيين» بتوجيه رسالة عبر البريد المضمون إلى رئيس الحكومة الجديد، سعد الدين العثماني. الرسالة قالت إنها تتوجه إلى العثماني ووزرائه، لتعبّر لهم عن تمسّك «مسيحيي المغرب» بمغربيتهم، «ونعتبر التصريحات الملكية الأخيرة، المتعلقة بالمعنى المنطقي والمعقول لمفهوم إمارة المؤمنين، والتي تعتبر أن جلالة الملك محمد السادس ملك المغرب، هو أمير لكل المؤمنين؛ على اختلاف مللهم ونحلهم ودياناتهم؛ بمثابة بوصلة لمرافعاتنا حتى تحقق مطالبنا». واختتمت الرسالة بعبارة: «ندعو الرب أن تنجحوا في مهامكم كرئيس للحكومة المغربية التي نعول عليها لإحقاق حقوقنا كمؤمنين مسيحيين مغاربة». تطوّر آخر وقع في الفترة الأخيرة، يتمثل في إقدام المجلس العلمي الأعلى على مراجعة فتوى سابقة كان قد أصدرها قبل سنوات حول حرية المعتقد، قال فيها بقاعدة قتل المسلم الذي يغير دينه. وثيقة جديدة للمجلس العلمي الأعلى اسمها "سبيل العلماء"، تم توزيعها على العلماء بمناسبة انعقاد دورة المجلس الأخيرة بمدينة الرباط قبل بضعة أسابيع، أعطت مفهوما سياسيا للردة من خلال ربطها ب"الخيانة العظمى". وجاء في الوثيقة أن الفهم الأصح لمفهوم الردة «المنسجمُ مع روح التشريع ونصوصه، ومع السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم، أن المقصود بقتل المرتد هو الخائن للجماعة، المفشي لأسرارها، والمستقوي عليها بخصومها؛ أي ما يعادل الخيانة العظمى في القوانين الدولية».