"التأخر في تأسيس الحكومة عنده إشكالية أساسية، وهي ما هي القيمة الحقيقية لصوت المواطن المغربي، والمواطن المغربي، هذا هو المشكل... لماذا لم تتكون الحكومة؟ لأن مكونا يحرص على دخول الحكومة حتى وإن جبر خاطره برئاسة هيئة كمجلس النواب، مازال مصرا ويطرح الأسئلة ويسأل لماذا لا نخاطبه مباشرة، في حين أنه ذهب يتمترس مع أربعة أحزاب، شي حاجة ماشي هي هاديك فهاد البلاد… لا أريد التذكير بالعشرين مقعدا، ولا يجب أن يُهان الشعب المغربي وإلا فنحن لا نستطيع إبلاغ هذا الانتصار الذي منحه لنا الشعب المغربي إلى مداه". الحديث هنا لرئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، في افتتاح المجلس الوطني للنقابة المقربة من حزبه يوم السبت الماضي. ربط مباشر بين جمود سياسي شامل وتأخر في تشكيل حكومة جديدة تنصّب أمام البرلمان وتباشر مهامها الكبيرة، وبين الحزب الذي احتلّ المرتبة السادسة بعد حصوله على عشرين مقعدا برلمانيا، ردّت عليه جريدة "الاتحاد الاشتراكي" أول أمس الثلاثاء، بافتتاحية عريضة غاصت عميقا في كتب التنظير للتفاوض السياسي. الجريدة قالت إن سبب "البلوكاج" السياسي الحالي في البلاد، هو أن هناك "بونا شاسعا بين إدراك الملك لمنهجيته، وإدراك رئيس الحكومة المكلف لمنهجيته". تباين قالت الجريدة إنه يتمثل في كون ثلاثة أيام كانت كافية للملك كي يقوم بتعيين بنكيران رئيسا للحكومة، بعد انتخابات 7 أكتوبر، بينما قضى بنكيران خمسة أشهر دون أن يتمكن من تشكيل حكومته. بين الموقفين، الأول والثاني، حكاية تستحق أن تُروى. إذ كيف تحوّل موضوع تشكيل حكومة جديدة على أساس انتخابات "عادية" نظمت في آجالها القانونية وفي إطار دستوري ومؤسساتي "طبيعي"، إلى صراع مباشر بين الحزبين الأول والسادس؟ كيف أصبح حزب الاتحاد الاشتراكي الذي رفض بشكل مبدئي وحاسم الالتحاق بحكومة بنكيران الأولى عام 2011، وفقد نصف كتلته البرلمانية في الانتخابات الأخيرة، إلى عقدة في طريق تشكيل الحكومة؟ ومن المسؤول الحقيقي عن تجاوز التفاوض السياسي للحزب المتصدر للانتخابات، عقبات الحزب الثاني (البام)، والثالث (الاستقلال)، والرابع (الأحرار)، وحتى الخامس (الحركة الشعبية)، ليقف عند عقبة الحزب السادس؟ نتائج الانتخابات ولقاء 8 أكتوبر كشفت نتائج استحقاقات 7 أكتوبر عن تغيّر شامل في المشهد السياسي للمغرب تجسّد في تقلّص عدد الأحزاب التي تمكّنت من ولوج البرلمان، من 18 حزبا في 2011، إلى 12 حزبا، وذلك رغم تخفيض العتبة الانتخابية من 6% إلى 3%، وعدول أحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي عن خيار المقاطعة ومشاركتها في استحقاقات هذا العام. حزب الاتحاد الاشتراكي تمكّن في آخر لحظة وبفضل أصوات اللائحة الوطنية من استكمال النصاب الضروري لتشكيل فريق برلماني، أي 20 مقعدا، وذلك بعدما كان في الولاية السابقة يحوز 39 برلمانيا، أي إنه فقد نصف عدد مقاعده تقريبا. في اليوم الموالي لظهور نتائج الانتخابات، كان بيت الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي (أو مقر الحزب في روايات أخرى)، يحتضن لقاء لقادة جلّ الأحزاب السياسية، باستثناء حزب العدالة والتنمية، طُرحت فيه فكرة إعلان تشكيل أغلبية برلمانية يقودها حزب الأصالة والمعاصرة، وتتفق على انتخاب الاتحادي الحبيب المالكي رئيسا لمجلس النواب. لقاء ظلّت تفاصيله تتسرّب تدريجيا، وتتأرجح بين النفي والتأكيد. وكان المقترح يقضي بتوجيه رسالة إلى القصر الملكي مفادها أن هذه الأغلبية تعلن تحالفها وترفض الاصطفاف إلى جانب حزب العدالة والتنمية. قصة ستخرج رسميا إلى العلن على لسان رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، في شريط فيديو يوثّق كلمة ألقاها ضمن اجتماع داخلي للجنة الوطنية لحزب العدالة والتنمية بداية نونبر الماضي. الشريط الذي نشر بعد نحو أسبوع من تسجيله، تحدّث فيه بنكيران عن "محاول انقلاب على نتائج 7 أكتوبر". بنكيران قال إن اجتماعا انعقد في يوم السبت الموالي لجمعة الانتخابات، "لمحاولة الانقلاب على النتائج التي حصلنا عليها يوم الجمعة ورفع مذكرة تقول لا نتعامل مع هذا الحزب، ومع هذا الرئيس". وهنا برز الموقف الذي اتخذه الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، برفضه الانخراط في هذا المخطط. موقف يفسّر كيف تحوّل شباط إلى حليف قوي لبنكيران، بعد تقدير هذا الأخير لموقف زعيم حزب الاستقلال، رغم أن روايات أخرى تقول إن شباط انتفض بعدما تبيّن له أنه ليس المرشح لرئاسة مجلس النواب في ذلك المخطط. تباشير عودة الكتلة بمجرد انطلاق المشاورات الرسمية لرئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، إثر تعيينه من طرف الملك يوم 10 أكتوبر؛ تسارعت وتيرة التطورات في البيت الداخلي لحزبي الكتلة الديمقراطية المنتميين إلى المعارضة السابقة، وتوّجت باجتماع مشترك لكل من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، والمكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية منتصف أكتوبر، تلاه بعد دقائق لقاء بين الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، ورئيس الحكومة المعين، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران. حزبا الميزان والوردة قررا التنسيق بينهما والدخول معا في مشاورات تشكيل الحكومة الجديدة، قبيل انتقال شباط إلى مكتب بنكيران في مقر حزب العدالة والتنمية، للمساهمة في ترتيب لقاء مماثل مع إدريس لشكر، يفترض أنه جرى يوم 17 أكتوبر. الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، قال في مقر حزب الاستقلال إنه وبالرغم "من كل الادعاءات والإيحاءات الموجهة للرأي العام، وكل محاولات التأثير في قرارنا السياسي، فقد قلنا لا لأي قرار يُملى علينا، لأن القرار بيد الحزبين معا". وأضافت مصادر قيادية في حزب الاستقلال تحدثت ل"أخبار اليوم"، أن لقاءات ثنائية جرت بين شباط ولشكر تقرر بعدها توجيه دعوة مشتركة من قبلهما إلى قيادتي الحزبين، "علما أنه طيلة الأيام التي تلت إعلان النتائج كانت هناك اتصالات بين أعضاء من اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وأعضاء من المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي". لشكر عند بنكيران الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، الذي أدمن الخطاب الهجومي ضد بنكيران وحذّر من "السيناريو السوري" في حال فوزه بصدارة الانتخابات، دخل أخيرا إلى مقر حزب العدالة والتنمية يوم 17 أكتوبر، وجلس إلى كل من بنكيران وسعد الدين العثماني لما يزيد عن الساعة ونصف الساعة، فيما كان يرافقه رئيس اللجنة الإدارية الذي سيصبح رئيسا لمجلس النواب الحبيب المالكي. جاء إدريس لشكر حاملا رسالة مفادها أنه لن ينخرط في أية عملية لعرقلة تشكيل أغلبية حكومية جديدة، وأنه لا يطعن في نتائج انتخابات 7 أكتوبر التي أسفرت عن فوز حزب المصباح. لشكر قال حينها ل"أخبار اليوم" إن ما قصده بتيسير مهمة بنكيران وإنجاحها، هو السلوك المتمثل في "أنني لن أعلق ولن أصرّح ولن أجتمع، في انتظار ما سيقرره الرجل واتضاح تصوره، وتوجهه بالتالي إما نحو الكتلة أو البام أو الوفاق إن بقي هناك من وفاق". وشدّد لشكر على أن الاتحاد الاشتراكي مستعد لكل الخيارات، "فهو لا يلهث وراء المقاعد، كما أنه ليس موجودا ليبقى في المعارضة فقط، وأفضل ما يمكن أن نفعله الآن هو أن نتجنب الضغط على السيد بنكيران ونترك له مهمة تشكيل أغلبيته بما ينهي وضعية "خالوطة" الحالية ويصفي المشهد السياسي". بنكيران الذي استقبل بعد لشكر كلا من الأمين العام لحزب الاتحاد الدستوري، محمد ساجد، خرج بخلاصة واضحة بعد مشاوراته التي لم تستثن إلا التجمع الوطني للأحرار المقبل على تغيير رئيسه في مؤتمر استثنائي. خلاصة بنكيران تقول إن حزبين اثنين فقط، حسما أمرهما وقررا الدخول في الحكومة المقبلة، هما حزبا الاستقلال والتقدم والاشتراكية. "بيننا وبين الإخوان الاتحاديين كانت حكاية طويلة وجلسنا اليوم لنتشاور كي نغير قليلا هذا الوضع، ولم نصل بعد إلى الحديث عن الحكومة"، يقول بنكيران بعيد استقباله لإدريس لشكر، مكتفيا بالرد على سؤال هل عبر الاتحاديون عن استعدادهم لدخول الحكومة، بالقول: "طبعا هم يعبرون عن استعداد كبير جدا للمشاركة". وفيما كشف إدريس لشكر أن اللقاء لم يتطرق بعد إلى هذا الموضوع وأنه لم يتلق بعد عرضا من بنكيران، قال هذا الأخير إن الجلسة وإن استمرت 90 دقيقة، إلا أنها برأيه "لم تكن مطولة لأننا أنا وإدريس شحال هادا ما تشاوفنا، لو جلسنا 15 ساعة ما تقدناش". مصدر مطلع على كواليس المشاورات الجارية، قال إن بنكيران طلب من الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في نهاية اللقاء الأخير بينهما، أن يمده بلائحة الأشخاص الذين يرشحهم للاستوزار باسم الحزب، ومعها لائحة القطاعات التي يريد ضمها. المصادر نفسها أوضحت أن لشكر لم يقدّم أيا من اللائحتين، "بل لم يخرج بأي تصريح يقول فيه فقط إنه بات جزء من الأغلبية الحكومية الجديدة، وبالتالي كانت له حساباته الخاصة". غموض كثيف سحابة سميكة من الغموض ظلّت تغطي ما جرى في تلك الفترة، حيث يصرّ لشكر على أنه طلب من بنكيران الخروج فورا بعد لقائهما الأول وإعلان اكتمال الأغلبية الحكومية، بينما رفض بنكيران ذلك. مصادر مقربة من هذا الأخير، قالت إن الخطوة لم تكن سوى محاولة ل"تعجيزه" لكونه كان ملزما بانتظار المؤتمر الاستثنائي لحزب التجمع الوطني للأحرار، "ولم يكن بإمكانه إعلان تشكيل الأغلبية بمجرد عقده لقاءين أو ثلاثة، بل كان المفروض أن يخرج الاتحاد الاشتراكي لإعلان استعداده للانضمام إلى الأغلبية وانتظار نهاية المشاورات مع باقي الأحزاب". بقيت الأمور عالقة في انتظار مؤتمر صعود أخنوش إلى زعامة الأحرار يوم 29 أكتوبر، لينعقد أول لقاء بينه وبين بنكيران في اليوم الموالي، والذي كان صادما بالنسبة إلى بنكيران، حيث اكتشف وجود اشتراطات قاسية من جانب رئيس الأحرار الجديد، أبرزها اعتراض قاطع على انضمام حزب الاستقلال إلى الحكومة. لم يتأخر ردّ رئيس الحكومة المعيّن، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران، حيث وجّه الدعوة إلى قادة أحزاب الكتلة الديمقراطية في اليوم الموالي للقائه أخنوش، فجاء كل من شباط ونبيل بنعبدالله، وتخلّف إدريس لشكر. "هنا يتّضح سبب اختفاء لشكر عن الأنظار وامتناعه عن التصريح مثل الاستقلال والتقدم والاشتراكية باستعداده للانضمام إلى الأغلبية، وأن ادعاءه دعوة بنكيران إلى إعلان تشكيل الأغلبية دون الأحرار لم يكن جادا"، يقول مصدر مقرب من المشاورات. وبعد التحرّك الذي أقدم عليه حزب الحركة الشعبية في مجلسه الوطني الذي انعقد يوم 29 أكتوبر، بحديث أمينه العام امحند العنصر عن لعب ورقة "الوفاق" في مقابل ورقة "الكتلة الديمقراطية" التي اختارها بنكيران؛ استقبل هذا الأخير يوم 31 أكتوبر، بعيدا عن الأضواء وعدسات الكاميرات، كلا من الأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط، والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية محمد نبيل بنعبدالله. فيما ظل غياب لشكر محط تفسيرات متضاربة، بين القول بكونه كان مريضا وبين رفضه منطق تعامل بنكيران مع أحزاب الكتلة مجتمعة وليس كل حزب على حدة. بعد مرور خمسة أسابيع على انتخابات 7 أكتوبر، وفي الوقت الذي توجّهت فيه الأنظار نحو اجتماع اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي لتوضيح ما تبقى من صورة المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران؛ كشف الكاتب الأول لحزب الوردة، إدريس لشكر، يوم 12 نونبر، عن موقف يجعله في صفّ التكتّل الذي بات يقوده الرئيس الجديد لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، في مقابل التحالف الثلاثي بين أحزاب العدالة والتنمية، والاستقلال، والتقدم والاشتراكية. لشكر استصدر قرارا من برلمان الحزب ينصّ على "الموافقة المبدئية" بخصوص دعوة بنكيران إلى المشاركة في حكومته المقبلة، مع اشتراط التوصّل بعرض من هذا الأخير ومناقشته والموافقة عليه وتفويض المكتب السياسي تدبير هذه المرحلة. وفي مقابل هجومه القوي على الكتلة الديمقراطية التي تجمعه بكل من الاستقلال والتقدم والاشتراكية، معتبرا أنها تعود إلى مرحلة انقسم خلالها المغرب، ألقى لشكر الكثير من الورود على حزب التجمع الوطني للأحرار، متحدثا بإسهاب عن العلاقة الجيدة معه منذ سنوات "الرصاص" وإلى اليوم. مصدر مقرّب من رئيس الحكومة المعيّن، قال حينها ل"أخبار اليوم" إن ما صدر عن اللجنة الإدارية لحزب الاتحاد الاشتراكي، هو رسالة واضحة "عن أنهم يتمنّعون أكثر عن قبول دعوة المشاركة في الحكومة، وانخراط في مشروع تشكيل حكومة ثانية داخل الحكومة التي يفترض أن يشكلها بنكيران، حيث يتولى أخنوش التدبير الفعلي ويلعب لشكر دور المشاغب الداخلي، فيما يقتصر دور بنكيران على محاربة البام". أخنوش مخاطب وحيد بعد اتّضاح مواقف جلّ الأحزاب السياسية في مشاورات تشكيل الأغلبية الحكومية الجديدة، واصطفاف كل من الحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي بشكل واضح إلى جانب الاتحاد الدستوري، وربط الأحزاب الثلاثة لمصير انتمائها بما سيتفق حوله حزب التجمع الوطني للأحرار مع رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران؛ أعلن هذا الأخير أنه لم يعد مستعدا لأي اتصال جديد مع هذه الأحزاب، مشدّدا على أن مخاطبه الوحيد في المرحلة الحالية هو رئيس حزب الأحرار عزيز أخنوش. بنكيران قال ل"أخبار اليوم" على خلفية التصريحات الجديدة للأمين العام لحزب الحركة الشعبية، امحند العنصر، والتي قال فيها إن على بنكيران أن يتنازل عن حزب الاستقلال، إنه لن يردّ على العنصر ولا استعداد له لفتح أي اتصال جديد سواء معه أو مع الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي، إدريس لشكر. خيّم جمود شبه تام على مشاورات تشكيل الحكومة خلال شهر دجنبر الماضي، حيث تحوّل فيتو أخنوش ضد حزب الاستقلال إلى عقدة صعبة التجاوز. جمود لم تكسره إلا تصريحات شباط حول موريتانيا وكيف أنها كانت جزءا من تراب المغرب، لتنطلق حملة قوية ضده انتهت بتراجع بنكيران عن تمسكه السابق بحضور حزب الاستقلال في أية أغلبية حكومية يشكلها. وبعد انعقاد المجلس الوطني لحزب الاستقلال يوم 31 دجنبر، وخروجه ببلاغ استمرار دعمه السياسي لبنكيران سواء التحق بالحكومة أم لا، أخذت الأحداث تتطوّر في اتجاه عودة الأغلبية البرلمانية السابقة لانتخابات 7 أكتوبر، أي عودة التحالف بين كل من حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية وحزب التجمع الوطني للأحرار وحزب الحركة الشعبية. وفيما بات حزب الاتحاد الدستوري يعتبر جزءا من الأحرار بقوة الأمر الواقع، كانت الإشارات المقبلة من حي الليمون بالرباط، حيث يوجد مقر حزب العدالة والتنمية، توحي بمرونة قد تسمح بالتحاق الاتحاد الاشتراكي، شرط تنازله عن طموح رئاسة مجلس النواب. في بداية يناير، أكملت المشاورات دورتها الكاملة بعد قرابة أربعة أشهر من الأخذ والرد، حيث عادت عقاربها إلى مرحلة انطلاق المشاورات. كل من اجتماع الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، الذي جرى مساء الثلاثاء 3 يناير، واللقاء القصير الذي جمع بين رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، ورئيس حزب التجمع الوطني للأحرار عزيز أخنوش صباح الأربعاء الموالي، شهدا عودة المشاورات إلى مرحلة الاحتفاظ بنفس الأغلبية الحكومية السابقة قبل انتخابات 7 أكتوبر. عرض سياسي جديد لرئيس الحكومة المعين طلب رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار مهلة يومين قبل الرد عليه رسميا، أي إن إعلان تشكيل الأغلبية قد يتم الجمعة التي أعقبت ذلك اللقاء. تطوّر خلّف حالة من الصدمة والخيبة في صفوف قيادات بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، والتي كانت تحرص على المشاركة في الحكومة المقبلة. "الكاتب الأول إدريس لشكر جعلنا أكبر ضحايا لهذه المشاورات بمواقفه المترددة والغامضة"، قال يومها مصدر قيادي في حزب الوردة طلب عدم ذكر اسمه، مضيفا أن "المناضلين الاتحاديين حملونا الأمانة كي نكون ضمن الحكومة المقبلة وليس خارجها، وعلى الكاتب الأول اليوم أن يتحمّل مسؤوليته ويواجههم باعتباره مسؤولا عن هذا المآل". دُعي المكتب السياسي للحزب إلى اجتماع يوم 4 يناير، وساعات قليلة قبل انعقاده، قام الكاتب الأول للحزب إدريس لشكر، بخرجة مثيرة هي الأولى منذ أسابيع، هاجم فيها رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، واتهمه بالتخلي عن حزبه. غضبة لشكر لشكر قال حينها في تصريح ل"أخبار اليوم"، إن بنكيران "حتى الصواب ما دارش معانا، ولا أحد قال لنا شكرا وتبارك الله عليكم، ولذلك سيصعب علينا الاستجابة لأي طلب آخر، ويبدو ما كاين جدية". وأضاف لشكر أنه سيفكّر 10 مرات قبل أن يستجيب لأي طلب جديد من بنكيران، "ياك اعترف شخصيا أنني طلبت منه في أول لقاء بيننا أن نخرج ونعلن معا اكتمال الأغلبية الحكومية؟ إيوا راه التاريخ لا يرحم والكذوب حبله قصير، والسيد رئيس الحكومة كلما احتاج الكتلة يستعملها كفزاعة وانظر ما فعله بحزب الاستقلال". مصدر مقرّب من رئيس الحكومة المعين رد حينها في تصريح ل"أخبار اليوم"، "اللي بغا الكراب فالصمايم كايتهلا فيه فالليالي، والسي لشكر لم يقدم ولا إشارة حقيقية أو إيجابية، وفي وقت الحاجة كايغبر ويبدا يعرض بالسيد رئيس الحكومة وبحزبه ويطلّع بالتجمع الوطني للأحرار ويستقبلهم". الإشارة الأخيرة تحيل على اللقاء الذي انعقد منتصف شهر دجنبر الماضي بمقر حزب الوردة، بين قيادة هذا الأخير والمكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار. لقاء قال لشكر ل"أخبار اليوم" إنه كان لقاءه الوحيد مع قيادة حزب الحمامة. " لن أكون في مستوى المسؤولية لو اكتفيت بالتفرج على الضرب والسب والكذوب، ولم أقم بمبادرة هدفها تحريك الراكض فقط". اشتباك كان يمهّد للاصطدام الكبير الذي سيحدث نهاية ذلك الأسبوع، ففي الوقت الذي كان رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران، ينتظر رد أخنوش حول عرضه الأخير بالاحتفاظ بالأغلبية الحكومية السابقة، أصدر أخنوش مساء 7 يناير بلاغا جديدا يؤجل فيه موعد الحسم ويربطه بمشاورات قرر فتحها مع حزبي الاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي. وأضاف أخنوش أنه "تابع باهتمام بلاغ حزب الاتحاد الدستوري بشأن المباحثات، وكذلك نداء حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ورغبته بلقاء الأطراف السياسية الأخرى". موقف ردّ عليه رئيس الحكومة المعين عبدالإله بنكيران صباح اليوم الموالي في لقاء حزبي، حيث شبّه أخنوش بشخص التقى آخر يريد بيع جمل، وبعد محادثة قصيرة جعل نفسه شريكا فيه وقال له: "شحال نطلبو فيه". وهاجم بنكيران لشكر مباشرة بالقول: "هاد السيد هذا، هادي ثلاثة أشهر وباب المشاركة في الحكومة مفتوح، لكنه لم يعلن أبدا رغبته في ذلك، وفجأة جاء يجري باش يدخل، شنو حبسكم هاد الثلاثة أشهر كلها؟ يكفيك أنك في اليوم الأول قلت مصيري هو مصير حزب الاستقلال، وفي انتظار ذلك لا مشكلة لديّ مع الاتحاد الاشتراكي، وقد انتهى الكلام وبعد تشكيل الحكومة سأشرح لكم". بعد أقل من 24 ساعة من تلك التصريحات، فجّر البلاغ المشترك بين أربعة أحزاب يقودها رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، المشاورات الجارية. بنكيران وبعد توصّله بخلاصة البلاغ المشترك الذي اتفقت الأحزاب الأربعة على إصداره، سارع إلى تحضير بلاغه الناري في ذلك الأحد 8 يناير، والذي قال فيه إنه يستخلص أن أخنوش "في وضع لا يملك معه أن يجيبني وهو ما لا يمكن للمفاوضات أن تستمر معه حول تشكيل الحكومة. وبهذا يكون معه قد انتهى الكلام ونفس الشيء يُقال عن السيد امحند العنصر الأمين العام لحزب الحركة الشعبية". موقف "اعتصم" فيه بنكيران منذ ذلك التاريخ، حيث لم يكسر جمود هذه المرحلة سوى لقاء مفاجئ جمعه بأخنوش بداية الأسبوع الماضي، ولقاء آخر مع امحند العنصر. لقاءان حملا بارقة أمل في نهاية "البلوكاج"، من خلال سيناريو أخير يقضي باستثناء حزب الاتحاد الاشتراكي من تشكيل الحكومة، ولو بشكل مؤقت. أمل سرعان ما تبدد بخرجة بنكيران الأخيرة، والتي ربط فيها بين دخول الاتحاد و"إهانة الشعب المغربي".