لم تتخلص بعد من لكنة بلدتها البدوية، ولكن مع ذلك فهذه الفتاة تشغل الإيطاليين منذ سنوات عديدة، وتسببت في هز عرش سيلفيو برلسكوني الذي كان إلى أمس قريب من أقوى الشخصيات في إيطاليا. وفي انتظار بدء جلسات الاستئناف جاءت تصريحات الوزير المغربي محمد مبديع لتؤجج هذه القضية التي تكشف عما يجري خلف ستائر الساحة السياسية الإيطالية. كان رئيس الوزراء الإيطالي السابق سيلفيو برلسكوني في باريس يوم 27 ماي 2010 لحضور اجتماع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فجأة، رن هاتفه، ردّ السياسي الشيخ بعفوية، فإذا بصوت فتاة تُدعى «ميشال كونتشيكاو»، إحدى شخوص حفلاته الحمراء، لِتُخبره بأن شرطة مدينة ميلانو ألقت القبض على «روبي» في شارع «بوينوس أيروس»، بسبب سرقتها لمبلغ ثلاثة آلاف أورو (حوالي 33 ألف درهم) وبعض المجوهرات من أحد المحلات التجارية وبأنه يجب إيجاد حل لتخليصها من يد الشرطة لأنها قد تصرح بعلاقتها به وتكشف الفضائح الأخلاقية التي شهدتها وتشهدها فيلا برلسكوني بِ»أركوري». في ميلانو، نُقلت روبي، واسمها الحقيقي للتذكير هو «كريمة المحروقي»، إلى مركز الشرطة، حيث صرحت أنها قاصر، وعند اتصال رئيس الشرطة بالقاضية لإخبارها بالواقعة وبما يجب القيام به بحكم سنها، أخبرته القاضية «أنا ماريا فيوريللو» بأنه يجب إما الإحتفاظ بها في مركز الشرطة حتى اليوم الموالي أو تسليمها لدار القاصرين. وفي الوقت الذي بدأت الشرطة ترتّب أمرها لتنفيذ ما أمرت به القاضية، رن هاتف الأمن فكان المتصل سيلفيو برلسكوني بصفته الحكومية ليطلب من رئيس مكتب قائد شرطة ميلانو إطلاق سراح الفتاة التي قبض عليها بتهمة السرقة، لأنها حفيدة للرئيس المصري آنذاك، حسني مبارك، وأن حبسها سوف يؤدي إلى أزمة دبلوماسية بين مصر وإيطاليا. وبما أن قائد الشرطة لم يكن يرغب في تحمل مسؤولة هذه «الأزمة» المحتملة، فقد سارع إلى إطلاق سراحها. ولكن، بعد أشهر قليلة بدأت تتسلل إلى الصحافة تسجيلات مكالمات هاتفية بين مجموعة من الفتيات ومنظمي حفلات حمراء ببيت برلسكوني، من بين الحسناوات مؤثثات حفلات الجنس الجماعي أو «البونغا بونغا»، يظهر اسم المغربية «روبي»، التي لم تبلغ بعد، ربيعها الثامن عشر. تم سينطلق التحقيق في ذلك ابتداء من شهر دجنبر 2010، وبعد حوالي شهرين، وبالضبط يوم 9 فبراير من سنة 2011، وزعت النيابة بيانا على الصحافة الإيطالية والدولية تطالب فيه رسميا بمحاكمة سيلفيو برلسكوني في قضية «روبي غيت»، ومتابعته بممارسة الجنس مع قاصر بالإضافة إلى الشطط في استعمال السلطة.
مراوغات غير مجدية في محاولة لتمطيط المحاكمة وجعلها تطول كثيرا، تذرّع برلسكوني أكثر من مرة بالمرض لتفادي حضور جلسات المحاكمة، خاصة وأنه محاط بجيش عرمرم من المستشارين القانونيين والمحامين الذين يساعدونه في إيجاد ثغرات قانونية، تتيح له مراوغة القضاء واللعب على عامل الوقت، ولن تكون هذه المرة الأولى التي تطأ فيها قدما برلسكوني المحكمة وذلك لمتابعته في عشرات القضايا، بعضها تم النظر فيه، والبعض الآخر في الطريق. وبخصوص هذه القضية صرّح دائما لوسائل الإعلام بأنه بريء، وأن محاكمته لا تعدو كونها «مسرحية سخيفة» دبّرها «القضاة اليساريون» ضده لمحاولة «تصفيته» سياسيا ولم يكن يدري أن عشاءات عادية، حسب تعبيره، ستكون سببا في انهياره. «نيكولو غيديني «و بييرو لونغو» محاميا برلسكوني، تشبثا ببراءة موكّلهما وذلك لغياب أدلة قطعية عن ممارسة الجنس مع المغربية، إضافة إلى كونها قالت له عدة مرات بأن عمرها 24 عاما، وبأن الحفلات التي كان ينظمها ببيته كانت عبارة عن «عشاءات عادية». في المقابل أشارا إلى أن النقود التي كان يقدمها للمغربية كانت عبارة عن هبات لمساعدتها نظرا إلى وضعيتها المادية الصعبة. وبشأن واقعة اتصاله بالشرطة لإطلاق سراح روبي، أضاف الدفاع في تقريره أن برلسكوني اتصل بالمسؤول الأمني لتقصي المعلومات بعد أن بلغ إلى علمه كون الفتاة المُعتَقلة، حفيدة للرئيس المصري السابق حسني مبارك، ولم يأمر بتاتا بإطلاق سراحها. لكن قضاة ميلانو لم يقتنعوا بإفادة الدفاع التي لم تصمد أمام مئات المكالمات المسجلة الموضوعة رهن إشارة القضاء، والتي تؤكد بأن رئيس الوزراء آنذاك، كان يمارس الجنس مع الفتاة المغربية مقابل مبالغ مالية مهمة ومجوهرات وسيارات، وهي لم تبلغ بعد، سن الرشد القانوني المحدد في 18 عاما. بالإضافة إلى كون روبي نفسها، تكلمت غير ما مرة عن اقتراب عيد ميلادها الثامن عشر.
محاولة إرشاء فاشلة حاول المحيطون ببرلسكوني أن يغيروا هذا الواقع، ولكن دون جدوى على ما يبدو. فقد ذكرت صحيفة «إيل فاتو كوتيديانو» سنة 2011، السياسي الأشهر في إيطاليا أكد لبعض المقربين منه أن روبي تم تسجيلها في سجلات الازدياد بزيادة عامين بعد تاريخ ميلادها الحقيقي وبعد مدة قصيرة تقدم إيطاليان ومغربي إلى مكتب عقود الإزدياد ببلدية الفقيه بن صالح، محاولين إرشاء موظفة مغربية لتزيِّف تاريخ ازدياد ابنة الفقيه بن صالح وذلك بزيادة سنتين في عمرها حتى تجعلها راشدة وتُبرئ السياسي الإيطالي مما نسب إليه. لكن نزاهة واستقامة الموظفة جعل محاولتهم تبوء بالفشل، حيث لم تكتف برفض الرشوة فحسب، بل اتصلت بقريب لها يسكن بإيطاليا لإبلاغه بما وقع لها، ليقوم الأخير بإبلاغ الصحيفة الإيطالية بالواقعة. وللإشارة أيضا، فإن هذه الجريدة كانت قد نشرت شهر مارس 2011، صورة نسخة من عقد ازديادها يؤكد تاريخ ازديادها الحقيقي.
شهادة ب5 ملايين أورو من جهتها، نفت روبي خلال أطوار المحكمة كونها مارست الجنس مع برلسكوني، متحدثة في ذلك لبعض الصحف الإيطالية عن أن هذا الرفض كلّف «الكفلييري» خمسة ملايين أورو كثمن لهذه الشهادة، وأضافت على لسان صديقها أنها كانت تتوصل كل يوم ثلاثاء، بمبلغ 20 ألف أورو وبأنها تبالغ في صرفها لهذه النقود. وحسب أدلة الإثبات التي بنت عليها المحكمة حكمها، فإن بيت برلسكوني كان يحتضن حفلات «البونغا بونغا»، التي يتخللها تعرّي ورقص جماعي، قبل استفراد برلسكوني بالفتاة المغربية القاصر ويقضي معها الليلة كاملة، وقد تكرّر الأمر على الأقل مرّتيْن. أما فيما يتعلق بسن روبي، فالمحكمة تتوفّر في الملف وبالصفحة 23 تحديدا، على عقد ازدياد رسمي مغربي مترجم، يشير إلى ازدياد كريمة المحروق بتاريخ 01/11/1992. وقد تسلّمته المحكمة من محكمة القاصرين بمدينة «ميسّينا»، والتي كانت قد حصلت عليه وترجمته لإتمام ملف هويتها عندما كانت تفرّ من منزل والديها غير ما مرّة وتوقفها الشرطة. وبإمكان أي كان الاطلاع على الملف والعقد. أما فيما يتعلق بالشطط في استعمال السلطة فبرلسكوني، حسب القضاة، بحكم كونه رئيس الحكومة مارس ضغطا نفسيا على قائد مكتب رئيس الشرطة بميلانو عند مطالبته بإطلاق سراح كريمة المحروق، بل أكثر من ذلك، كذَبَ وأفاد بكونها حفيدة الرئيس المصري حينها، حسني مبارك. كبير الشرطة لم يكن بمقدوره رفض الطلب الملحّ لبرلسكوني بسبب خوفه من فقدان عمله أو تسببه في أزمة دبلوماسية بين مصر وإيطاليا، لاسيما أنه بالإمكان معالجة القضية بدون خروجها إلى العلن. برلسكوني إذن، استعمل صفته الحكومية في قضية خاصة وفردية. بناء على هذه الحيثيات وبتاريخ 24 يونيو 2013، حكمت محكمة ميلانو على برلسكوني بالسجن النافذ لمدة سبع سنوات، إضافة إلى منعه من تولي أي منصب عمومي مدى الحياة. حكم ينضاف إلى حكم نهائي سابق في قضية تهرب ضريبي، كلّفه منصبه البرلماني، الذي قضى فيه 20 عاما، حيث طُرد منه بناء على تصويت من مجلس الشيوخ. دفاع زعيم حزب «إلى الأمام يا إيطاليا»، اعتبر الحكم مبالغا فيه وغير منطقي ويتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، بالنظر إلى سن موكله الذي يبلغ من العمر 77 عاما. وهو ما دفعهما إلى الطعن فيه.
مبديع يِؤجج النار والغريب أن أنباء هذه القضية أخذت تخفت شيئا ما قبل أن ينفخ فيها قبل أيام «محمد مبديع» وزير الوظيفة العمومية. ويمكن الجزم أن كل القنوات التلفزية والإذاعات وكل الجرائد الإيطالية بدون اسثناء سواء وطنية، جهوية أم محلية، تناولت بالتفصيل ما جاء في جريدة «الأخبار»، والتي قال فيها بكون روبي كانت راشدة حين كانت تشارك في ليالي «البونغا بونغا» البرلسكونية الساخنة. وبكونه من وقّع عقد ازديادها. تصريحات الوزير المغربي إلتقطتها القوى اليمينية التابعة لزعيم حزب «فورزا إيطاليا» لتطعن في الحكم الصادر عن برلسكوني وتطالب بفتح تحقيق في الموضوع وإعادة فتح الملف الذي قال فيه القضاء كلمته ابتدائيا. سعاد السباعي، البرلمانية السابقة عن حزب «رابطة الحريات»، الذي كان يترأسه برلسكوني قالت لوسائل الإعلام إن تصريح الوزير المغربي لا يمكن السكوت أمامه ويجب على المحكمة أن تستمع إلى إفادته في الموضوع، فالإيطاليون يريدون معرفة الحقيقة. جريدة «إيل فاطو كوتيديانو» قالت: في انتظار بدء جلسات محكمة الاستئناف في قضية روبي يأتي الجديد و»الخبر/ القنبلة» من المغرب واستهزأت من كلام الوزير المغربي قائلة كيف يمكن أن يتذكر بكل هذه الدقة تاريخ ازدياد المحروق»، مضيفة أن ما لا يعلمه الوزير المغربي هو أن أول «عشاء أنيق لروبي مع برلسكوني» في فيلا «أركوري» يعود إلى تاريخ 14 فبراير من سنة 2010 عندما كانت روبي تبلغ من العمر 17 عاما وثلاثة أشهر بالضبط. موقف قضاة محكمة ميلانو كان حازما صارما ومقتضبا حيث قال أحد القضاة «لا يوجد أدنى شك في كون كريمة المحروق كانت قاصرا في فبراير من العام 2010.. بالنسبة إلينا أقفلنا هذا الموضوع، وهذا الأمر قد يهم محكمة الدرجة الثانية.» أورد الموقع الإلكتروني لجريدة «la reppublica « أن روبي قالت لبعض صديقاتها وهي تتصفّح بعض الجرائد التي تحدثت عن كلام مبديع «هذا الوزير الذي يقول بأنه يعرف عائلتي أنا لا أعرفه. أنا أعرف تاريخ ميلادي، لكن هذا لا يهمّ، ما يهم، هو أنني لم أمارس الجنس مع سيلفيو برلسكوني..».
مبديع يكذّب نفسه من جهة أخرى قال محمد بديع لبرنامج إذاعي يبث على أمواج إذاعة «راديو راي2» الإيطالي بما يلي: «أنا لا أعرف تاريخ ازدياد روبي ولا أعرفها شخصيا، كما لا أعلم متى التقت برلسكوني، لذلك، لا أعلم إن كانت قاصرا أم راشدة». وعلّقت جريدة «لاريبوبليكا»، واسعة الانتشار على تراجع الوزير عن تصريحاته بقولها إن: «(الوزير) ربما تخوف من ردود الفعل الداخلية المحتملة (من الملك والحكومة)، فقام بخطوة سريعة إلى الوراء..». ومهما يكن الأمر، فالوزير وضع نفسه في ورطة كبيرة وهو يدلي بتصريحات لم يكن يدري أن يكون لها كل هذا الصدى خارج المغرب بالخصوص، ولم يحسب تداعياتها جيدا، ربما مستواه المعرفي والثقافي لم يساعده على اختيار ألفاظه ووزن كلامه جيدا، فاستصغر الأمر واعتبره عاديا، لكن اطّلاعه على الغبار الذي أحدثه كلامه «العادي»، جعله ينتبه إلى خطئه ويتراجع بسرعة ليخمد النار التي كان لسانه حطبها والتي اشتعلت في المغرب ليغمر دخانها كل التراب الإيطالي.
المغربية الأشهَر في إيطاليا «روبي روبا كوري»، (أي روبي سارقة القلوب)، ابنة الفقيه بن صالح المزدادة في الفاتح من نونبر من سنة 1992، حسب جواز سفرها الذي كشفته للصحافة أثناء ندوة صحفية أمام قصر العدالة بميلانو شهر أبريل الماضي. الفتاة المغربية التي أصبحت تلاحقها الصحافة وتكتب عن أبسط جزيئات حياتها، تتحدر من أسرة فقيرة كانت تسكن ببلدة «Letojann»، بجزيرة صقلية جنوبإيطاليا وتتكون أسرتها من الأب البائع الجائل والأم، إضافة إلى ثلاثة إخوة، ولم تُكمل دراستها الإبتدائية بسبب عدم رضاها عما تعيشه من فقر وطموحها إلى حياة البذخ والثراء والشهرة. خرجت من منزل والديها واختفت عن الأنظار لمجرد بلوغها سن الخامسة عشر، لتقبض عليها الشرطة بعد بضعة شهور وتُسَلم بإذن من القضاء إلى دار لحضانة القاصرين بمدينة «ميسّينا» (وهنا سيوضع عقد ازديادها المشار إليه أعلاه رهن إشارة محكمة القاصرين). لكنها هربت منها بعد وقت قليل، لتستمر في مغامراتها حتى ضُبطت من جديد في شهر شتنبر من سنة 2009 بدون وثائق بمدينة جنوة شمال إيطاليا ليعاد السيناريو بتسليمها لدار للقاصرين، لكنها تمكنت من الفرار من جديد إلى مدينة ميلانو، وهناك ستلتقي مع من سيُقدّمها إلى سيلفيو برلسكوني لتتعرف عليه وتؤثث حفلاته الحمراء الباذخة ولتكون بعد ذلك سببا في متابعته. بل إنها هي نفسها مسجلة في لائحة اتهام إلى جانب والدها ومحاميا برلسكوني، تتعلق بتلقيهم رشاوي لتضليل العدالة.