قال مصطفى السحيمي، أستاذ للقانون الدستوري، إن على الدستورانيين عدم السقوط في الغطرسة وتجنب تغذية الغموض. ونفى في هذا الحوار، ما سمي ب"الأغلبية الملكية"، وذلك على هامش "بلوكاج" تشكيل الحكومة. في إطار التحليلات والقراءات المتعلقة بوضعية الجمود التي يعرفها تشكيل الحكومة، صدرت بعض الاجتهادات من طرف بعض الدستورانيين. الأستاذ والوزير السابق خالد الناصري، اعتبر أن صفة الملك كحكم تجعل احتمال اللجوء إليه للحسم واردة، ما رأيك؟ صحيح، وزير الاتصال السابق يعتبر أن الملك يحتفظ بممارسة دور الحكم، وهي الصفة التي قال إنها تسمح له بالقيام بالتدخل في هذا المجال. لكن السؤال المطروح، هو بمبادرة من سوف يقوم الملك بهذا التدخل؟ هل من رئيس الحكومة المعين، عبد الإله ابن كيران، والذي قد تقوده خلاصات مشاوراته إلى الاعتراف بالفشل وإسناد مهمة اتخاذ القرار للملك؟ أم من زعماء الأحزاب الأخرى التي يمكنها اللجوء إلى الملك؟ كيفما كان الحال، تبقى هذه المبادرة صعبة التقبل من جانب القصر، لأنها تعني أن المبادرين يثيرون انتباه الملك إلى ضرورة ممارسة مهمة هي أصلا اختصاص خالص له. أعتقد أن أحدا لا يجهل الحرص الكبير الذي يبديه الملك محمد السادس تجاه صلاحياته، وبالتالي لا أعتقد أن مبادرة مماثلة لطلب التدخل ستستقبل بالترحيب. س: في حال تقبل مثل هذه المبادرة، خالد الناصري أكد رغم ذلك أن الملك يستحيل أن يقدم على اتخاذ قرار لا يطابق الدستور، ما الذي يمكن أن يقرره إذن؟ الدستور في الفصل 47 لا ينص إلا على مسطرة شكلية تتمثل في تعيين رئيس الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات، وهو ما جعل عبد الإله ابن كيران يعين من جديد يوم 10 أكتوبرالماضي. أين يمكن البحث عن حل آخر يسمح بتعيين رئيس حكومة من حزب آخر بشكل يخالف الدستور؟ هذا الخيار يظل موجودا ويجب تحديده بدقة. الفصل 42 من الدستور ينص على أن الملك ضامن استمرارية الدولة ويسهر على السير الجيد للمؤسسات. بهذا المعنى، وفي حال فشل ابن كيران، يصبح الملك مطالبا بالقيام بوظيفته، وتنفيذ دفتر التحملات الذي يسنده إليه الدستور. ماذا سيكون الوضع خلال أسابيع، لو أن ابن كيران أعاد المفاتيح؟ نحن الآن منذ ستة أسابيع، أمام حكومة تصريف أعمال. ومنذ 6 أكتوبر الماضي، يقبع مشروع القانون المالي الجديد في البرلمان دون أية بوادر لبدء مناقشته. مجلس النواب الجديد بدوره لم يجتمع منذ انتخابه لكونه لا يتوفر بعد على رئيس. هذا الوضع ناجم عن كون رئاسة هذه المؤسسة جزء من التفاوض الجاري لتشكيل أغلبية. هذا الوضع لم يحصل في الولاية السابقة، حيث انتخب كريم غلاب رئيسا يوم 19 دجنبر، بينما لم تأت الحكومة إلا يوم 3 يناير. لكن ذلك وقع في الحقيقة لكون ابن كيران كان قد شكل أغلبية مع أحزاب الاستقلال والتقدم والاشتراكية والحركة الشعبية. ماذا عن الدور الملكي في هذه الحالة؟ ما الذي يمكن فعله؟ بهدف إعادة تشغيل المؤسسات المعطلة حاليا، للملك وسيلتان للتدخل: الأول دستوري محض، ويتمثل في حل مجلس النواب الذي انتخب يوم 7 أكتوبر، بناء إلى الفصل 96 من الدستور، والدعوة إلى اقتراع جديد. وأنبّه هنا إلى أن ابن كيران ليست له بعد هذه الصلاحية، لكونه أنهى ولايته كرئيس للحكومة، وبالتالي هو يوجد على رأس فريق حكومي لتصريف الأعمال. أما الوسيلة الثانية، فهي تعيين الملك لرئيس حكومة آخر قادر على تشكيل الأغلبية، لكنه خيار غير واقعي. ففي النهاية، عزيز أخنوش يمكنه ضم أصوات الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي والاتحاد الدستوري، وهو ما يعني جمع 205 مقعد برلماني، أي أكثر من عتبة 198 التي تمنح الأغلبية. لكن من المؤكد أن نقاشا سياسيا سيعقب مثل هذه الخطوة، خاصة من جانب حزب العدالة والتنمية وحزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية. أي أنك تشير إلى السيناريو الذي قدمته أستاذة القانون الدستوري نادية البرنوصي؟ ما قدمته نادية البرنوصي لا يبدو لي مقبولا. فهي تقدم ثلاث قراءات للدستور، الأولى تنبني على فشل ابن كيران وبالتالي تعيين الملك لشخص آخر من حزب العدالة والتنمية قادر على تشكيل تحالف. لا أعرف من أين استخلصت هذه الفكرة، لكون الفقرة الأولى من الفصل 47 لا تشير إلى مثل هذه المسطرة. هذه الأخيرة لا تنص سوى على تعيين رئيس حكومة من الحزب الأول، حسب المعنى الحرفي، لكن إذا بحثنا عن روح هذا النص، صحيح لا شيء يمنع من القيام بخيار ثان من داخل حزب العدالة والتنمية، وهي صيغة افتراضية فقط، بالنظر إلى رفضها القاطع من طرف هذا الحزب الإسلامي. القراءة الثانية التي قامت بها البرنوصي، هي تشكيل حكومة أقلية، وذلك على غرار ما فعله راخوي في اسبانيا. هذه الفرضية قائمة على الورق، لكن ابن كيران لن يقبلها لكونها تضعه في موقف هش. ما أثار الجدل في حديث البرنوصي وهو القراءة الثالثة على وجه الخصوص؟ نعم هي تلك القراءة التي وصفتها ب"الرئاسياتية " presidentialiste، والتي يقوم الملك بناء عليها بتعيين شخصية من حزب آخر، قادرة على التوفر على أغلبية. هذه الفرضية تبدو غير ملائمة. فهي تستند إلى مفهوم الرئاسياتية كما وضعه الأستاذ جان جيكيل بجامعة باريس1. وتعرف هذه الصيغة بكون النظام الذي يركز السلطات في يد رئيس الدولة بالنظر إلى طريقة انتخابه بالاقتراع العام، وتوفره على أغلبية برلمانية. وضع يبدو بعيدا عنا، وإلا هل الملك ينتخب في المغرب؟ وهل هناك أغلبية ملكية داخل البرلمان على غرار الأغلبية الرئاسية في النظام الرئاسياتي؟ بل إن هذه التسمية نفسها موضوع تحفظات من طرف متخصصين، لكونها تربط عنصرا دستوريا قارا، أي الرئيس، بعنصر سياسي متغير هو الأغلبية البرلمانية. أي أنه خيار غير قابل للمناقشة في السياق المغربي؟ أكثر من ذلك، هناك فرق واضح ينبغي الانتباه إليه بين مستويين في التحليل. الأول هو مستوى التأويل الجيد للدستور، أي ما يقوله نص الوثيقة الدستورية، وما يمكن أن يفترضه روحها بما يضمن السير الجيد للمؤسسات. أما المستوى الثاني، فهو الذي يركز على السيناريوهات السياسية، والتي يكون بعضها مؤسس على معطيات تكفل لها التغطية الدستورية، والبعض الآخر لا يطرح إلا في إطار أهداف حزبية. الدستورانيون مطالبون بعدم السقوط في الغطرسة وتجنب خلط الأجناس وبالتالي السقوط في رفع مستوى الغموض، خاصة في الظرفية الحالية والمأزق الذي أعقب الانتخابات الأخيرة.