تعليق على النقاش الدستوري الدائر أثير نقاش سياسي حول إمكانية العودة للانتخابات التشريعية، لتجاوز حالة "البريكولاج" التي وجد رئيس الحكومة المعين نفسه فيها. وتجاوزا لذلك النقاش السياسي المؤدلج سنلقي الضوء بشكل سريع على الوضع الحالي من داخل الوثيقة الدستورية. آخذين بعين الاعتبار من جهة أن الفصل 47 من الدستور لم يحدد أجلا معينا لتشكيل الحكومة الجديدة، ولهذا فالوضع الحالي وضع دستوري طبيعي وحكومة تصريف الأعمال ستظل قائمة لحين تنصيب الحكومة كما يشير إلى ذلك الدستور في الفصل 47 الفقرة الأخيرة. كما نأخذ بعين الاعتبار، من جهة ثانية، كون الملك من الناحية الدستورية لا يملك صلاحيات تنصيب الحكومة. ذلك أن تعيينه للفريق الحكومي يكون بناءا على ما اقترحه رئيس الحكومة من وزراء؛ و أن تدخل الملك في التركيبة لا سند دستوري له نصا وروحا، ولا يملك صلاحية رفض برنامجها أو تركيبتها، التي هي من اختصاصات مجلس النواب بشكل حصري. وهنا ننبه لإشكال آخر ويتعلق بالقوة القانونية لكل من التعيين والتنصيب، فالحكومة تحتاج للتعيين، والتنصيب رغم أن التنصيب هو ما يمنحها القوة القانونية، ويجعلها تكتسب صفة الحكومة، التي لا تكتسبها دستوريا في حالة التعيين؛ ونستشف من ذلك أن التنصيب هو من ينهي صلاحية حكومة تصريف الأعمال المشار إليها في الفقرة الأخيرة من الفصل 47، أما التعيين فلا ينقلنا من حكومة لأخرى. نزيد على ما نحن بصدده هنا، تساؤلا يتعلق بحالة الخلاف بين الملك ورئيس الحكومة حول وزير أو أكثر في الفريق الحكومي. ففي هذه الحالة هل يحق للملك رفض اللجوء لمجلس النواب لتنصيب الحكومة؟. بالرجوع للدستور لا نجد أي إشارة تمنح الملك هذا الحق، وهو ما يعني في حالة الخلاف أن الحاسم هو التنصيب بحكم أن الدستور لا يجعل من الحكومة شرعية إلا بعد تنصيبها. أما استدلال البعض بما ينص عليه الدستور من إمكانية إعفاء وزير أو عدد من الوزراء؛ فذلك من صلاحيات المؤسسة الملكية بعد تنصيب الحكومة وليس قبل ذلك. أما ونحن اليوم في حالة التشاور لتشكيل الحكومة؛ فوجب التنبيه لخطأ آخر يروج له بعض المسيسين للدستور، حيث يعتبرون أن إخفاق بنكيران في تشكيل الحكومة يستلزم العمل بمقتضى الفصل 51 من الدستور الذي ينص على أن " للملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحدهما بظهير،" وما يحيل إليه من فصول دستورية أي الفصل 96 (المتعلق باستشارة الملك لرئيس المحكمة الدستورية وإخبار رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين بحل البرلمان أو أحد مجلسيه) والفصل 97 (المتعلق بآجال انتخاب المجلس الجديد بعد الحل) الفصل و98 (الذي يحدد حالات حل المجلس الجديد). والحقيقة أن هذه الفصول الدستورية لا تتعلق بالنازلة التي نحن فيها دستوريا، والتي تتعلق بحالة بوجوب العودة للانتخابات في حال فشل رئيس الحكومة المعين في جمع الأغلبية بمجلس النواب، وعدم حصوله على التنصيب البرلماني لفريقه كما ينص الفصل 88. ففي نازلتنا الدستورية هذه لا يمكن الرجوع للفصل 51 ولا الفصول 96و97 و98، لأن مجلس النواب لم يجتمع بعد وينتظم، ويسن نظامه الداخلي، ويعرضه على المحكمة الدستورية، ولم ينتخب رئيسه بعد. وبالعودة لتلك الفصول مجتمعة سيلاحظ الباحث الدستوري أن المشرع قصد من تلك الفصول تحقيق التوازن السياسي لمؤسسة الحكومة وبالتالي الحفاظ على اشتغال وسريان المؤسسات الدستورية القائمة بشكل طبيعي؛ أما الحالة التي نحن بصددها، فهي تأتي والبرلمان والحكومة لم يتشكلا بعد، حتى يتم العمل بالتشاور المنصوص عليه في الفصول المشار إليها أعلاه. وكل هذا ما يجعل من رئيس الحكومة صاحب السلطة الدستورية المكتسبة بعد تعيين الملك؛ ويمكن دستوريا لرئيس الحكومة بالرجوع للفصل 2 من الدستور الذي يجعل السيادة للأمة تمارسها عبر ممثليها، أن يدعو لانتخابات جديدة إذا لم يحصل على أغلبية أعضاء مجلس النواب في التنصيب الحكومي. وما يدعمنا في تقرير هذا المقتضى الدستوري هو ما جاء في منطوق الفصل السابع الذي يجعل من الأحزاب تعبيرا عن إرادة الناخبين ويشاركون في السلطة " على أساس التعددية والتناوب بالوسائل الديمقراطية وفي نطاق المؤسسات الدستورية". فالدستور يشير للوسائل الديمقراطية أي الانتخابات والمؤسسات الدستورية وهي البرلمان؛ كما أن مقدمة الدستور التي تجعل من ثوابت المملكة الخيار الديمقراطي، تجعل وجوبا من تقرير سلطة التمثيل الديمقراطي مرتبطة بانتخابات مباشرة، وتركيبة مجلس النواب. ومعلوم أن الدستور وثوابته ملزمة لجميع المؤسسات الدستورية بما فيها المؤسسة الملكية؛ وإذا جمعنا معنى ومنطوق الفصول المشار إليها أعلاه، فإننا سنخرج دستوريا بالخلاصة التالية: بناءا على الفصل 88 وخاصة الفقرة الأخيرة التي تنص على أنه "تعتبر الحكومة منصبة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب، المعبر عنها بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، لصالح البرنامج الحكومي"؛ وفي حالة تعذر تنصيب الحكومة في مجلس النواب وجب دستوريا إجراء انتخابات في ظرف شهرين على الأكثر من تاريخ إعلان رئيس الحكومة عن ذلك، وإبلاغ الملك بقرار إجراء انتخابات جديدة.