فتح أكثر من مليون و800 ألف مغربي الباب أمام بنكيران لتخطي عتبة الولاية الثانية، وتشكيل فريق وزاري جديد يكون في مستوى اللحظة التاريخية. لقد أغلقت الطبقة الوسطى أعينها عن كل أخطاء الحكومة الأولى، وصمت آذانها عن كل المؤامرات التي حيكت تحت قدمي بنكيران ورموز حزبه، واختار المواطنون أن يصوتوا سياسيا وليس برنامجيا، وأن يدلوا بأصواتهم من أجل تخفيف الضغط عنهم، وليس من أجل أرقام الحكومة ولا برنامج المصباح. إنها واحدة من المرات القليلة التي يضحي فيها شعب من الشعوب بنسبة النمو ومعدل البطالة ومستوى الدخل وجودة التعليم ومستوى الرعاية الصحية… وكل هذا من أجل أن يختار حزبا يظن أنه سيقف في وجه الفساد والاستبداد والسلطوية ولو بالكلام… يقول أستاذ العلوم السياسية، محمد مدني، في الحوار الذي نشر في هذه الجريدة قبل يومين: «لقد برز واضحا، من نتائج اقتراع السابع من أكتوبر، أن هناك فئات حضرية ووسطى في المدن تعطي الديمقراطية وتوسيع المجال السياسي أهمية قصوى، وربما تجعل منها أولوية على حساب السياسات العمومية. لقد كان الحافز لدى من صوت للعدالة والتنمية هو هذا: أي من الأحزاب مع توسيع المجال الديمقراطي ومن ضده؟ فاختار الأول». الكرة الآن في ملعب بنكيران، والناس ينتظرون منه أن يترجم أصواتهم، ويعطي الاقتراع مدلوله الحقيقي في حكومة جديدة منسجمة قوية، ولها إرادة أكبر للمضي في طريق الإصلاح، ولها نفس أكبر لمقاومة الفساد، ومواجهة من يريد أن يفرغ اقتراع 7 أكتوبر من روحه، ولهذا أظن أن بنكيران يجب عليه الاستماع إلى هموم الناس وتطلعاتهم، ومنها: -1 لا ترجع يا سيد بنكيران إلى بدعة الحكومات متضخمة العدد (39 أو 40 وزيرا). المعدل العالمي لعدد الوزراء في الحكومات التي تحترم نفسها هو 15 وزيرا لا أكثر، وإذا أخذ الإنسان بعين الاعتبار الخصوصية المغربية، فيجب ألا يتجاوز الرقم 20 وزيرا لا أكثر، وإلا أصبحنا في الوزيعة وليس في حكومة. لا يمكن لدافعي الضرائب في بلاد فقيرة أن يصرفوا على 40 وزيرا رواتب مهمة وتقاعدا غير مستحق مدى الحياة، كل هذا لحل مشاكل زعماء الأحزاب المشاركة في الحكومة، والذين يلجؤون إلى تطييب خواطر العائلات والمتنفذين والمشاكسين في الأحزاب بحقائب وزارية. -2 جل وزراء حكومتك المنتهية ولايتها غير صالحين للعودة إلى الحكومة الجديدة، إما لأنهم بلا خيال أو بلا كفاءة، أو لأن الوزارات التي أشرفوا عليها لم تعد مهمة (وزارتا العدل والاتصال مثلا)، أو لأن الناس تعبوا من بعض الوجوه، وإما لأن المرحلة المقبلة تتطلب سرعة أكبر وشجاعة أكثر واستقلالية أكبر، فيما جل وزرائك السابقين، سياسيين وتقنوقراط، لا يستطيعون مسايرة الإيقاع الجديد. شخصيا، لا أرى في حكومتك المقبلة من الفريق القديم سوى مولاي حفيظ العلمي الذي يمكن أن يحتفظ بمنصبه لإكمال ما بدأه من عمل، سواء دخل الأحرار إلى الحكومة أم خرجوا منها، فهو تقنوقراطي في النهاية، كما أرى مكانا في هذه الحكومة لكل من وزير الصحة، الحسين الوردي، ووزير الشؤون العامة، محمد الوافا، ووزير التجهيز والنقل، عزيز الرباح، والأمين العام للحكومة، إدريس الضحاك، ووزير الأوقاف، أحمد التوفيق، ومصطفى الرميد الذي يمكن أن يشغل مكان بها رحمه الله بوزارة دولة… على أن حزب رئيس الحكومة يجب أن ينفتح على كفاءات أخرى، وأطر في داخل المغرب وخارجه يمكنها أن تستوزر باسم المصباح رغم أنها ليس عضوة فيه، فلا يمكن للحزب الذي لا يتوفر على مخزون كبير من الأطر، أن يبقى حبيس مناضلي الحزب فقط، ففي النهاية حصيلة الحكومة هي ما يهم الناس وليس أسماء الوزراء. -3 لا تتفاوض يا سيد بنكيران على المقاعد والحقائب قبل الاتفاق على أولويات البرنامج الحكومي، وقائمة الإصلاحات الكبرى التي ينتظر المغاربة منك مباشرتها. فهذه حكومة وليست حافلة ركاب، ما يهم فيها هو المقعد. لا بد من مصارحة الأحزاب التي ستشارك معك في الحكومة بأولوياتك، ومنها إصلاح التعليم، وما سيفرضه هذا الإصلاح من معركة شرسة مع النقابات ومع الإدارة ومع نساء ورجال التعليم. لا بد من الاتفاق على خطة لمحاربة الفساد، وعدم الاختباء وراء قضاء مصاب بالشلل. لا بد من الاتفاق على إكمال الإصلاحات التي بدأت في صندوق المقاصة، وإنهاء دعم الغاز والدقيق، وتوجيه مساعدة مالية مباشرة لثلاثة ملايين أسرة فقيرة (1000 درهم لكل أسرة شهريا). لا بد من إكمال إصلاح صناديق التقاعد الأخرى التي لم تقترب منها، ولا بد من خطة جديدة لتشغيل الشباب، ولا بد من احترام أخلاقي وسياسي وقانوني للحريات العامة والفردية (حرية التظاهر، وحرية الإعلام، وحرية تأسيس الجمعيات، واحترام حد أدنى من حقوق الإنسان). لا بد من الاتفاق على إصلاح الإدارة، وتخفيف كلفة أجورها على الميزانية (145 مليار درهم في السنة، فيما المداخيل الضريبية للدولة لا تتجاوز 280 مليار درهم).. فلوس اللبن يأكلهم زعطوط. -4 لا بد من وضع حاجز كبير أمام تسرب التقنوقراط إلى الحكومة المقبلة بالشكل الذي يصبحون فيه أهم حزب في التشكيلة الوزارية، كما وقع مع الحكومة المنتهية ولايتها، باستثناء الدفاع والأوقاف والأمانة العامة للحكومة. يجب على بنكيران ألا يسمح بتشكيل حكومة وسط الحكومة، فالفلاحة والتعليم يجب استرجاعهما، أما وزارة الداخلية فتحتاج لوحدها إلى وقفة تأمل وتقييم، إذا لم يستطع بنكيران أن يضع فيها شخصية حزبية ملتزمة بقيم الحياد والنزاهة ودولة القانون، فلا أقل من وضع شخصية مستقلة عن الجميع، وقوية بما يكفي لمقاومة الضغوط، حتى يضمن بنكيران ألا ترجع «الروح إياها» إلى هذه الوزارة التي سببت متاعب كثيرة للجميع في الآونة الأخيرة، وكادت تفسد انتخابات السابع من أكتوبر، وتعرض استقرار البلد للخطر، لولا لطف الله. ليس مطلوبا من بنكيران أن يعض على المنصب بالنواجذ، المهم هو مصلحة البلد ومستقبل برنامج «الإصلاح في ظل الاستقرار»، فهذه آخر فرصة ستعطى للمصباح لتجريب هذه الوصفة.