سيتمتع رئيس الحكومة الجديد، عبد الإله بنكيران، ب100 يوم من العفو من عقوبة المحاسبة والنقد، وبعدها يبدأ مسلسل الحكم على سياساته وقراراته وأسلوب إدارته للسلطة التي وضعها الدستور بين يديه. هذا التقليد الديمقراطي مستحب لأنه يعطي للمسؤولين حوالي ثلاثة أشهر فقط لبداية تنفيذ ما وعدوا به وإعطاء إشارات عن انطلاق برنامجهم. بنكيران وعد الناخبين بأنه سيتعامل مباشرة مع الملك محمد السادس، وأنه لن يقبل بالوسطاء لأن جل من كانوا وسطاء وحُجَّابا بين الجالس على العرش والطبقة السياسية لم تكن حساباتهم الخاصة بعيدة عن الرسائل التي كانوا ينقلونها من وإلى الملك، ولهذا على بنكيران أن يبقى على وعده بإزالة الوسائط بين الملك ورئيس حكومته. يمكن لرئيس الحكومة المقبل أن يكون في غاية اللطافة ومنتهى الدبلوماسية وكامل الاحترام والتوقير في علاقته بملك البلاد، لكن في نفس الوقت يكون صريحا وشفافا وعارفا بما يمكن السكوت عنه وما لا يمكن التغاضي عنه. الخطوة الأولى جاءت من الملك عندما قال لعبد الإله بنكيران، لما التقاه في ميدلت: «إنني أحرص على ألا يكون اللقاء طويلا حتى لا يقال إنني أعطيك التعليمات أو أؤثر عليك في ما يخص تشكيل الحكومة واختيار الوزراء. اذهب واختر حكومتك وبعد ذلك فأبواب قصري مفتوحة». الوعد الثاني الذي قطعه بنكيران للمغاربة هو شعار الحملة الانتخابية الذي رفعه المصباح، وهو «صوتك فرصتك ضد الاستبداد والفساد». لا بد لرئيس الحكومة من إعطاء إشارات قوية، منذ الأسابيع الأولى، عن أن زمن الاستبداد والفساد بدأ يزول، وأن كرامة وحرية المواطن خط أحمر، وأن نهب المال العام بكل أشكاله قد توقف، وهناك قرارات يجب أن تؤخذ في الأسابيع الأولى حتى يشعر المغاربة بأن في الرباط حكومة، وفي شارع محمد الخامس برلمانا. صيانة حقوق الإنسان وتوقيف التعذيب في مخافر الشرطة العلنية والسرية لا يتطلبان ميزانية ولا أعباء لا تقدر عليها الحكومة، وإصلاح القضاء وجعل محاكمه بيوتا للعدل والإنصاف، وليس ملحقات لوزارة الداخلية وأجهزة الأمن السرية والعلنية، لا يتطلب اعتمادات جديدة. إصلاح صندوق المقاصة الذي يمتص 44 مليار درهم من الميزانية العامة كل سنة، 90 في المائة منها تذهب إلى بطون الأغنياء، لا يتطلب اعتمادات، ولكنه يتطلب إرادة سياسية لقطع رأس الحية التي كانت تأكل من اقتصاد الريع ومن الشبكات الزبونية التي عششت في كيان الاقتصاد. بنكيران وحكومته يجب أن يخاطبا عقول المغاربة وجيوبهم منذ الأشهر الثلاثة الأولى، لأن انتظارات الناس كبيرة، والشارع يغلي، والصبر قليل